عن "واقعية" عراقجي في الملف النووي نتحدث

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الجمعة الثامن عشر من أبريل الجاري، عشية جولة ثانية من المحادثات مع الولايات المتحدة، إن بلاده تعتقد أن التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي ممكن إذا تحلت واشنطن بـ”الواقعية”. وأضاف عراقجي في مؤتمر صحفي مشترك بموسكو عقب محادثات جمعته مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “إذ أظهروا جدية ولم يقدموا مطالب غير واقعية فسيكون التوصل إلى اتفاقات أمرا ممكنا.”
تصريح عراقجي هذا أتى في ظلّ ممارسة واشنطن المزيد من الضغوط على بلاده، وعلى وقع ما طالب به وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو نظراءه الأوروبيين الذين التقاهم في باريس، بأن يتخذوا قرار تجديد العقوبات على طهران، قائلا “فعلى هؤلاء أن يتخذوا قرارا مهما بشأن وضعية ‘آلية الزناد’، التي تعتمد على إعادة فرض العقوبات”، موضحا أن إيران لا تفي بوضوح بالتزاماتها.
عن أي “واقعية” يحدثنا عراقجي، وواشنطن تصعد ميدانيا، حيث شنت طائراتها ليل الخميس - الجمعة الثامن عشر من أبريل الجاري، سلسلة غارات على اليمن تعتبر الأعنف منذ بدء حربها على حركة الحوثيين بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي ظلّ ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية “كان”، من أن كميات كبيرة من الذخيرة والأسلحة الأميركية وصلت إلى إسرائيل عبر جسر جوي خلال الأيام الماضية.
وأوضحت الهيئة أن قنابل ثقيلة وصواريخ اعتراضية لمنظومة "ثاد" الدفاعية لاعتراض الصواريخ وصلت عبر طائرات النقل إلى قاعدة "نيفاتيم" الجوية الإسرائيلية، قادمة من قواعد أميركية منتشرة في أنحاء مختلفة من العالم. الإعلان هذا يتزامن مع تسريب إعلامي عن اعتراض ترامب على خطة وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاكي فيها تنفيذ ضربات دقيقة ومدمرة للمنشآت النووية الإيرانية.
◙ على ما يبدو، رفعت إيران من شروط التفاوض، وما خرج على الإعلام وإلى العلن من قبل مسؤوليها يؤكد أنّ إيران لا تسلك خيار الاستسلام
"واقعية القوة" هي التي تسعى واشنطن لتطبيقها على إيران لأخذها إلى تسوية مشروطة في الملف النووي. وهي تختلف عن “الواقعية” التي تعمل طهران على إرسائها في التفاوض إن كان في سلطنة عمان أم روما، أم في أي بلد آخر يمكن أن يحدد لاحقا.
هي الجولة الثانية من المحادثات بين البلدين في روما، بعد جولة أولى انعقدت في مسقط السبت الثاني عشر من أبريل، حيث أجمع الطرفان على أنها كانت “بناءة” و”إيجابية”. رغم أن الجميع يدرك أنّها لم تكن كذلك، لكنّ الطرفين يصرّان على اللعب في الوقت بدل الضائع، ويدركان أن حظوظ الالتقاء على نقاط “تسوية” ضعيفة، إن لم نقل معدومة.
على ما يبدو، رفعت إيران من شروط التفاوض، وما خرج على الإعلام وإلى العلن من قبل مسؤوليها، ومسؤولي وكلائها في المنطقة بات يؤكد أنّ إيران لا تسلك خيار الاستسلام، رغم الوعيد والتهديد من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
إذن لم يكن من باب الصدف أن تعلن كل من حماس وحزب الله تمسكهما بالسلاح، إذ أعلن الخميس السابع عشر من أبريل الجاري رئيس حركة حماس في قطاع غزة خليل الحية، في كلمة تلفزيونية بثتها قناة الجزيرة، أن المقاومة وسلاحها مرتبطان بوجود الاحتلال.
لم تمض ساعات على ما صرّح به الحية، حتى أتى تصريح نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله ليصبّ في هذا التوجه، حيث اعتبر في كلمة متلفزة مساء الجمعة “أننا لن نسمح لأحد بنزع سلاحنا”، مضيفا “سنواجه من يعتدي على المقاومة ومن يعمل على نزع سلاحها كما واجهنا إسرائيل.”
أكثر الوضوح في ما تمّ التصريح به، قبل الجولة الثانية من المفاوضات الإيرانية التي طالبت وزارة الخارجية الإيرانية بإشراك الصين وروسيا كطرفين ضامنين لأي اتفاقية سيتمّ إبرامها.
تحتاج طهران إلى ضمانات لاسيما وهي تعتبر أن هذا الملف هو ورقة رابحة في مفاوضاتها مع الغرب، وتحديدا مع الولايات المتحدة. كما وإنّها تجد في وكلائها في المنطقة أيضا أوراقا تفاوضية رئيسية، رغم أنها خسرت بعضها، وعلى رأسها رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي سقط على يد المعارضة السورية.
قال مسؤول إيراني لوكالة رويترز إن إيران أبلغت الولايات المتحدة خلال محادثات مسقط باستعدادها لقبول بعض القيود على تخصيب اليورانيوم. لكنها تحتاج إلى ضمانات قوية بأن الرئيس الأميركي لن ينسحب مجددا من اتفاق نووي بعد انسحابه عام 2018، من الاتفاق الذي أبرم عام 2015 في ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما.
◙ طهران تحتاج إلى ضمانات لاسيما وهي تعتبر أن هذا الملف هو ورقة رابحة في مفاوضاتها مع الغرب، وتحديدا مع الولايات المتحدة
ليس من المستحيل التوصل إلى تسوية بين الجانبين، ولكنّ القراءة الواقعية التي طالب عراقجي واشنطن بالتحلي بها، غير مطروحة. فالولايات المتحدة، كما الكثير، تجد أنّ الوقت اليوم مناسب لأخذ طهران إلى اتفاق، هذا على الأقل ما صرّح به وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، من أن اللحظة سانحة لتفكيك برنامج إيران النووي، مضيفا “ولو بالقوة”، على اعتبار أنها اليوم ضعيفة.
مستبعد التوقيع على اتفاق، فالواقعية مختلفة بين طرفي النزاع، وعلى ما يبدو إن الظروف التي أوصلت الاتفاق السابق غير مطروحة اليوم في ضوء حرب واسعة افتتحها ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وإن ما أعلنته لجنة الأمن القومي الإيراني، الجمعة الثامن عشر من أبريل، من أنها “تريد دورا روسيا وصينيا في أي اتفاق مع الولايات المتحدة” يؤكد أن مسار المفاوضات أخذ منحى مختلفا لا يتوقف عند حدود الملف النووي. إذ يوضّح مدى جدية الحلف الذي يتموضع فيه الإيراني في تغيير المعادلة الدولية القائمة.
إن الإصرار على إشراك الحلف الذي تنتمي إليه إيران دلالة على أن أوراقها لم تعد تؤدي المهمة، وسط تصعيد أميركي وإسرائيلي في تنفيذ الضربات. لهذا تحتاج إيران إلى ضمانات جدية مختلفة هذه المرة، ليس من أجل الضمانات وحسب، بل انسجاما أيضا مع المشروع المطروح والهادف إلى إعادة ترتيب النظام العالمي القائم بما يتناسب مع التعددية القطبية الصاعدة.
ليس هناك متسع من الوقت للتوصل إلى تسوية بين المعنيين، فالواقعية التي تحدث عنها عراقجي لا تقف عند ما هو مفروض أميركيا، بقدر ما تحاكي واقعية الحلف الذي تنتمي إليه طهران، لاسيما مع استمرار الحرب الأوكرانية رغم تهديدات الإدارة الأميركية التي تمارسها على روسيا لإيقافها.
ووسط فشل الحرب التجارية التي افتتحها ترامب على الصين التي بادلته بالمثل، يبقى السؤال: أي من الواقعية ستسلك طريقها لفرض تسوية في الشأن النووي؟