عن حوار الكاظمي "الوطني"

حوار الكاظمي سنؤيده، ونبارك جهوده ولكن بشرط ألا تكون المصالحة مصافحةً بين زعيم وزعيم، قائد ميليشيا وقائد ميليشيا، مختلس ومختلس، ثم يتفق المتحاورون على أن يؤخذ من نصيب هذا لترضية ذاك.
الأحد 2021/03/14
من هو المختلف مع مَن

دعا رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى حوار وطني بين القوى السياسية وبين الشباب المحتجين. وقال “على أساس هذه المسؤولية التاريخية، وفي أجواء المحبة والتسامح التي عززتها زيارة قداسة البابا لأرض العراق أرض الرافدين، نطرح اليوم الدعوة إلى حوار وطني لتكون معبرا لتحقيق تطلعات شعبنا”.

وأضاف “إننا ندعو جميع المختلفين من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية ومعارضي الحكومة إلى طاولة الحوار المسؤول أمام شعبنا وأمام التاريخ، وندعو قوانا وأحزابنا السياسية إلى تغليب مصلحة الوطن، والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، وإلى التهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي”.

ومرة أخرى، وكما عودنا منذ جلوسه على كرسي الرئاسة، لا يكف عن إطلاق الوعود الكبيرة التي لا مكان لها إلا في أحلام اليقظة وحدها.

يريد أن يجمع الماء والنار في إناء واحد وهو العارف أكثر من غيره باعتباره كان رئيسا للمخابرات بأن جميع الذين يدعوهم إلى حواره “الوطني” ليسوا أكثر من مندوبين معتمدين من حكومات وأجهزة مخابرات أجنبية، وأن كلامهم وأفعالهم محسوبة عليهم بدقة، ولا يملك أيٌ منهم حرية الخروج عن الصراط المستقيم الذي رسمه له سيده القابع وراء الحدود، وارتضى أن يكون من عبيده.

وحوار الكاظمي اليوم يذكرنا بمصالحة رئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم. فقد أصرّ يومَها ومعه نائبُه إياد علاوي ورئيس وزرائه حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري على تدوير إسطوانة المصالحة الوطنية، وأغدق عليها الملايين من الدولارات من خزينة تمرّ بأسوأ حالاتها، وهو يعلم وهم يعلمون بأن لا مصالحة في العراق بين العراقيين، بل هي مطلوبة بين الحكومات الخارجية التي لا تتصالح ولا تتسامح إلا بمقدار.

فمَن هو المختلف مع مَن لكي يسعى رئيس الوزراء إلى جمعهما على طاولة حوار واحدة لتحقيق المصافحة بينهما، ثم يتوقف القتل والنهب وتفجير المفخخات، وتستعيد الخزينة عافيتها، وتمتلئ بأكوام من الدولارات من جديد، ويصحو العراقيون على تغريد العصافير وأصوات الموسيقى تملأ الساحات والميادين بدل قعقعة السلاح المجاهد المهيمن القدير؟

من أيام المعارضة العراقية السابقة وقبل الغزو الأميركي بأكثر من عشر سنوات، كان رؤساء الكتل والأحزاب والميليشيات يتحدثون عن المصالحة وعن “تغليب مصلحة الوطن، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة والنظام الديمقراطي”. ثم حين أسقط لهم الأميركيون نظام عدوّهم صدام حسين رأينا ولمسنا وعرفنا ماذا كان يعني لديهم الوطن، وماذا كانت تعني الوطنية، ولا يستحون.

حسنا، سنؤيد حوار الكاظمي ونبارك جهوده، ولكن بشرط ألا تكون المصالحة التي يدعو إليها مصافحةً بين زعيم وزعيم، قائد ميليشيا وقائد ميليشيا، مختلس ومختلس، ثم يتفق المتحاورون على أن يؤخذ من نصيب هذا لترضية ذاك، وتُسحب هذه الوزارة من هذا الحزب لتُهدى لحزب غيره. فنحن نريدها مصالحة صادقة وجادة وحقيقية بين الشعب العراقي والشعب العراقي نفسه.

إذا كان الرئيس الكاظمي صاحب سلطة وقوة واقتدار فليتكرم ويتعطف ويأمر بتحقيق هذه الأمور التي بدونها لن تكون المصالحة إلا نوعا من الكلام الفاضي الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع:

  • إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والأسرى والمحتجزين.
  • تعويض المتضررين عن كل ما أصابهم، من أول أيام الغزو الأميركي إلى أيام مجلس الحكم، ثم رئيس وزراء نقل السيادة إياد علاوي، فنوري المالكي فحيدر العبادي فعادل عبدالمهدي، فمام جلال وكاكا مسعود وقاسم سليماني فإسماعيل قاآني، وصولا إلى حكومة مصطفى الكاظمي الأضعف من كل ما مر من حكومات.
  • سحب سلاح الميليشيات وترشيد عمل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، والاستعانة بقوات دولية محايدة لحفظ الأمن إلى حين إجراء انتخابات جديدة، واختيار حكومة منتخبة.
  • إغلاق جميع المساجد والحسينيات التي ثبت بالأدلة والوقائع المؤكدة أنها بؤرٌ تقوم بتجهيل المواطنين وتضليلهم ونشر الخرافات والتلفيقات وترويج الأحقاد.
  • منع تدريس حوادث التاريخ الخلافية في جميع مراحل الدراسة ومعاقبة من يخالف ذلك، وخاصة من يُسفّه عقائد الآخرين ومقدساتهم.
  • ترشيد الإعلام العراقي ووضع قوانين مشددة تعاقب الفضائيات والإذاعات والصحف على أي نوع من أنواع التحريض على العنف والكراهية، وتعميق الاختلافات الطائفية والقومية والدينية بين العراقيين.
  • وضع أنظمة ولوائح محكمة واضحة لتعيين الموظفين، وتحديد سلم رواتبهم.
  • مطالبة حكومات الدول الشقيقة والصديقة بتزويد الحكومة العراقية بكشوف أملاك المواطنين العراقيين وأموالهم في مصارفها ومؤسساتها المالية كافة.
  • إلغاء جميع العقود التجارية والعسكرية والصناعية التي وقعها وزراء مشكوك في نزاهتهم إلى حين قيام الحكومة الجديدة بتدقيقها وإقرارها.
  • تنظيم العلاقة الإدارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين حكومة المركز والإقليم والمحافظات، وحصر العلاقة بحكومات الدول الخارجية جميعها بدولة العراق الموحدة ومؤسساتها.
  • محاكمة أي مسؤول، كبيرا كان أو صغيرا، ثبت عليه جرم من أي نوع، سواء كان اختلاسا أو إساءة استخدام سلطة أو تآمرا أو تسهيل احتلال أو تهجير مواطنين أو اعتقال آخرين بدون حق.
  • الأمر باستعادة قطع الأراضي والمباني العامة التي احتلها حزب أو زعيم تنظيم أو رئيس ميليشيا، أو أهداها رئيس أو وزير.
  • وقف ضخ النفط من جميع موانئ العراق مؤقتا إلى أن يتم تعيين مسؤولين آخرين من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة.

بعد هذا كله سيصبح الحوار (الوطني) ممكنا وناجحا وفاتحة خير وصحة وعافية وسلام. فهل هذا ممكن يا رئيس الوزراء؟

5