عن "الشرق الأوسط الجديد" الذي يبشّر به نتنياهو… هل يمرّ عبر طهران

توازنات القوى الدولية والإقليمية تجعل من طموح نتنياهو مغامرة محفوفة بالتعقيدات والمصالح المتضاربة.
الثلاثاء 2025/06/24
حسابات وحسابات مضادة

خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا ليبشّر العالم بما وصفه بـ”تغيير وجه الشرق الأوسط”، مدفوعًا بسلسلة اغتيالات طالت عشرة علماء نوويين إيرانيين، ضمن حملة عسكرية لا تخجل تل أبيب من إعلان تبنيها.

قالها نتنياهو بوضوح “يد إسرائيل ستطال المزيد.” لكن السؤال الأهم الذي لا يمكن تجاوزه: عن أيّ شرق أوسط يتحدث نتنياهو؟ وهل مشروعه يتقاطع فعلاً مع ما تريده القوى الكبرى الفاعلة في المنطقة؟

ما كشفه نتنياهو في كلمته المتلفزة يوم 16 يونيو لم يكن مجرّد تهديدات اعتيادية، بل إعلان نوايا حربية تتجاوز استهداف المنشآت النووية إلى تقويض البنية الدفاعية الإيرانية الصاروخية، وتفكيك نفوذها الإقليمي.

في هذه اللحظة، يبدو أن نتنياهو يسعى لإعادة رسم خارطة المنطقة وفق تصوّر إسرائيلي صرف، تتسيّد فيه تل أبيب المشهد الإقليمي بلا منازع.

من العراق إلى لبنان وسوريا واليمن، تملك إيران أدوات تعطيل أيّ مشروع يراد فرضه بالقوة. وإسرائيل، رغم قدراتها، لا تملك ترف خوض حرب استنزاف طويلة الأمد

لكن هل يسمح العالم بذلك؟ على الرغم من الدعم العلني الذي عبّرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والذي أكّد على تأييد الاتحاد الأوروبي لإسرائيل في مواجهتها مع إيران، فإن هذا الدعم يبقى محصورًا في الإطار الدبلوماسي.

أوروبا، التي ذاقت مرارة الخروج الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، تدرك أن بديل النظام الإيراني الحالي قد يكون فوضى إقليمية شاملة. أوروبا تريد احتواء إيران، لا إسقاطها.

الولايات المتحدة من جهتها، وعلى الرغم من أنها تمنح إسرائيل غطاءً سياسياً وعسكرياً، إلا أنها لا تبدو مستعجلة في خوض حرب مفتوحة مع إيران.

الموقف الأميركي يبدو أكثر براغماتية: إنهاك الطرفين أولاً، ثم التدخل لترتيب أوراق المنطقة وفق رؤية قديمة متجددة لما يسمى “الشرق الأوسط الجديد”، لكن هذه المرة على الطريقة الأميركية، لا على هوى نتنياهو.

في هذا الإطار، يبدو أن نتنياهو يخطئ التقدير حين يظن أن مشروعه يتطابق مع المشروع الأميركي. الأول يريد شرقًا أوسط تتفرّد فيه إسرائيل كقوة مهيمنة، بينما الثاني يسعى إلى شرق أوسط توازن فيه واشنطن بين أربع ركائز: الخليج، إيران، تركيا، وإسرائيل.

واشنطن لا تريد كسر إيران، بل إخضاعها ضمن لعبة توازنات، تحفظ أمن الطاقة، وتضمن أمن حلفائها، وتمنع روسيا والصين من ملء الفراغ.

نتنياهو يسعى لإعادة رسم خارطة المنطقة وفق تصوّر إسرائيلي صرف، تتسيّد فيه تل أبيب المشهد الإقليمي بلا منازع

في خلفية المشهد، تطلّ روسيا بدعوة للوساطة بين طهران وتل أبيب، في ما يبدو أنه تنسيق خفي مع الأميركيين لضبط إيقاع التصعيد. الهدف الظاهر هو تهدئة الأزمة النووية، لكن الهدف الأبعد – والأكثر إثارة – هو سحب إيران من ساحة الشرق الأوسط إلى حلبة آسيا الوسطى، حيث المصالح الروسية تتطلب تهدئة الجبهة الجنوبية، بينما يحتاج الأميركي إلى تفريغ الساحة من النفوذ الإيراني تدريجيًا.

ما يتجاهله نتنياهو – أو يتغافل عنه – هو أن معركة إيران ليست معزولة؟ الجمهورية الإسلامية، وعلى الرغم من الأزمات الداخلية، ما زالت تملك أوراق ضغط إقليمية ودولية.

من العراق إلى لبنان وسوريا واليمن، تملك إيران أدوات تعطيل أيّ مشروع يراد فرضه بالقوة. وإسرائيل، رغم قدراتها، لا تملك ترف خوض حرب استنزاف طويلة الأمد، خاصة إذا ما أصرّت إيران على استخدام سلاح الصواريخ لفرض توازن الردع.

الأيام المقبلة ستكشف إلى أيّ حد يمكن للمواجهة أن تتسع. لكنها أيضًا ستُظهر إن كان نتنياهو قادرًا على تحقيق رؤيته لمشروعه، أم أنه مجرد حجر شطرنج في لعبة أكبر ترسمها واشنطن وموسكو وطهران خلف الأبواب المغلقة. وبين تطلعات إسرائيل، وحسابات الأميركيين، وصمود الإيرانيين، يبقى مصير “الشرق الأوسط الجديد” معلقًا على صاروخ… أو تسوية.

6