عندما يكون للفراغ ثمن

عندما يقترب من مسامعي الكلام عن وقت الفراغ، أستعيد بشكل تلقائي إحساسي المستمر بأنني لم أتمتع بعطلة نهاية أسبوع كاملة منذ أكثر من عشرين عاما. وتفسير الأمر سهل لمن يعرف طبيعة عملنا الصحافي.
فأي ردة فعل ستكون عند أولئك الذين يلوكون الفراغ ويتمطون على السرير صباحا، وأكثر ما يفعلونه تكرار التوجه إلى المقهى لمشاهدة نفس الوجوه وتكرار نفس الكلام، بذريعة التسلية وقتل الفراغ.
ما معنى وقت الفراغ في منتصف العمر، أشعر بالحيرة حيال هذه الجملة مثل أي شخص آخر غارق بالعمل، ويمكن أن أصف من يعانون من الفراغ بالبطر الذي يصل إلى عدم المسؤولية. هذا لا يعني أبدا أن من ليس لديه عمل مستمر يمكن أن يكون كذلك. البطر متعلق بمن يلوك كلمة الفراغ بشكل دائم، بينما بإمكانه القيام بعمل ما مع نفسه على الأقل. دعك من أعمال الصيانة المنزلية، هناك التفكير، التأمل، التدرب على صناعة الأفكار، إعادة قراءة أحداث العالم… كلها أعمال وإن كانت لا تحقق مردودا ماليا، إلا أنها مصدر مجاني للمعرفة وتنشيط الذهن والابتعاد عن نسق التكرار في الحياة التقليدية، وهي بمجملها كافية للشعور بالخجل من ترديد كلمة الفراغ.
عندما قال أرنست همنغواي ذات مرة إن “الأخلاقي ما تشعر بالرضا عنه وما هو غير أخلاقي ما تشعر بالسوء بعده”، يمكن أن نعكس هذا التعبير على دلالة الفراغ، مع أنني لست متأكدا ما إذا كان كلام همنغواي سيصمد أمام التفسير الفلسفي. لكن كاتبي المفضل تيم هارفورد أكثر جرأة منا جميعا وهو يربط مفهوم الفراغ انطلاقا من مقولة همنغواي، بالوقت الذي نقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول “عادة ما أشعر بالإحباط وبقليل من احتقار الذات بعد تصفح تويتر لمدة طويلة بطريقة لم أشعر بها أبدا بعد قراءة كتاب أو مجلة محترمة”.
منذ انتشار الوباء، صار هناك كلام كثير عن الفراغ وتعريفه والحلول المقترحة لملئه أو على الأقل السيطرة عليه، بينما نحن الذين عدنا إلى أدراجنا واستمرت أعمالنا من المنزل صرنا نعاني أكثر بعد أن أصبنا بصدمة الوباء وما بعده.
لدينا مثال يثير الاستهجان سأستعين به من الكاتبة في صحيفة فايننشيال تايمز ميرين سومرست ويب عندما توصلت بطريقة اقتصادية إلى أن قيمة وقت الفراغ مغرية أكثر من العمل!
افترضت أن عاطلا يعرض عليه عمل في مناوبة بمتجر مقابل 15 دولارا في الساعة، سيقبل به على الأغلب وإن لم يكن مبلغا كبيرا.
لكن ماذا لو عرض عليك شخص آخر نفس المبلغ تقريبا للبقاء في المنزل بدلا من ذلك. تتساءل ميرين، وهي تشير إلى نظام البطالة المعمول به في دول غربية بشأن العاطلين الذين يحصلون عادة على مساعدات مالية.
هذا النظام يتم استغلاله والتحايل عليه على الأغلب من قبل الكسالى، أولئك الذين لا يبحثون عن قيمة لأنفسهم، عندما يعرّفون أنفسهم بطريقة المشغولين بكابوس الفراغ!
في النهاية لا تحرض ميرين على الكسل والفراغ، عندما تشير إلى نظام الرعاية الاجتماعية، فهي تدرك أنه مثل أي نظام مساعدات يتم استغلاله. لكنها تنبهنا إلى أن زمن كورونا جعل للفراغ ثمنا، فأينا استطاع ضمه إلى مدخراته.