عندما يأتي التغيير بعيدا عن إرادة النظام المصري

انتخابات حزب الوفد ونقابة المهندسين تخالف التوقعات.
الأحد 2022/03/13
رسائل سياسية جديدة

تعكس النتائج التي تمخضت عن انتخابات حزب الوفد الذي يعد أقدم الأحزاب الليبرالية في مصر وانتخابات نقابة المهندسين أن التغيير يمكن أن يحدث خارج إرادة النظام المصري حيث خالفت هذه النتائج كل التوقعات من خلال صعود قيادة جديدة.

القاهرة - حدثت مفاجئتان من العيار الثقيل في الحياة السياسية بمصر تؤكدان أن التغيير يمكن أن يحدث من خارج النظام، حيث نجح عبدالسند يمامة في الانتخابات التي جرت على رئاسة حزب الوفد في الفوز على منافسه بهاء الدين أبوشقة وكيل أول مجلس الشيوخ المصري، كما تغلب المهندس طارق النبراوي على وزير النقل الأسبق هاني ضاحي في الانتخابات التي جرت على مقعد نقيب المهندسين.

وأوحى تزامن إعلان النتيجة في الحدثين (الجمعة) بأن هناك إرادة تعتمل في الأحزاب والنقابات كأحد أهم الأدوات النشطة التي لم تفقد دورها السياسي، ويشير إلى أن التغيير يمكن أن يأتي على غير إرادة النظام المصري الذي يسيطر على مقاليد الأمور في كافة نواحي العملية السياسية وتحكم في مفاتيحها الفترة الماضية.

وحدث التغيير غير المتوقع في حزب الوفد، على الرغم من أن المنافسة بدت غائبة عن انتخابات رئاسة الحزب الذي يعد أقدم الأحزاب الليبرالية في مصر، والنتيجة شبه محسومة لرئيسه الحالي بهاء أبوشقة، ما يترجم حالة الضعف العام في ظل غياب الدور السياسي للأحزاب بعد أن تحولت إلى مقرات فارغة وأسماء تعتمد على حضورها السابق، فقد ذهبت كل التوقعات إلى أن يمامة سيخسر حتما المعركة أمام أبوشقة.

أمينة النقاش: النظام المصري لا يتحمس كثيراً لفكرة الحزبية

لم تحظ انتخابات الوفد التي انسحب منها قبل أيام نائب رئيس الحزب ياسر قورة وانحصرت بين الرئيس الحالي أبوشقة وعضو الهيئة العليا يمامة، باهتمام سياسي وإعلامي كبيرين قبلها إتمامها، لكن النتيجة التي أسفرت عنها سلّطت الأضواء عليها.

وكانت “العرب” تواصلت مع عدد من الرموز والقيادات الوفدية للتعليق على برودة الانتخابات وجاءت ردودهم سلبية، حيث عبّر البعض عن عدم الاهتمام بها، والبعض قال إنه لا يعلم موعدها أصلا، ما يكفي لتفسير عدم توقع حدوث مفاجآت.

وخسر الحزب الذي تأسس منذ حوالي قرن من الزمان على يد الزعيم الوطني سعد زغلول جانبا من هويته خلال السنوات الماضية بسبب التضييق الحاصل في الفضاء السياسي العام وانحياز قيادته برئاسة بهاء أبوشقة للتعاون والتنسيق مع الحكومة، ولم يعد حزبا معارضا يمكنه المنافسة على السلطة في مصر.

وبدلاً من أن تكون برامج الحزب وخططها البديلة التي من المفترض أن تقدم للتعامل مع الأزمات الداخلية على رأس أولويات المرشحين طفت على السطح مسألة الأدوار الوطنية في دعم الدولة، ما اعتبره البعض علامة على طبيعة دور الحزب.

ودعا بهاء أبوشقة في كلمته التي وجهها لأعضاء حزب الوفد قبل ساعات من الانتخابات لاختيار الأصلح ومن يقود مسيرة الحزب في الفترة المقبلة، والأصلح في أن يقدم هذا الحزب على أنه حزب له تاريخ قوي يمثل المعارضة الوطنية الشريفة ويقف إلى جوار الدولة الوطنية، وكان واثقا في نجاحه.

وبدت انتخابات الوفد الأقل تنافسية على مدار سنوات طويلة بعد أن زادت حالات الانقسام الداخلية وفقدان الأعضاء الثقة في اختيار شخصية قادرة على أن تُعيد الحزب إلى موقعه في مقدمة الأحزاب، وهو ما خلق حالة مسبقة من الاستسلام مع تراجع بعض الأسماء التي كان يُعوّل عليها لإحداث تغييرات بالحزب.

ووجه نائب رئيس الحزب هاني سري الدين اتهامات إلى أبوشقة بـ”إقصاء الكثير من الوفديين وضم آخرين لانتخابه وعدم تشكيل لجنة حيادية للإشراف على الانتخابات”.

حدث من العيار الثقيل
حدث من العيار الثقيل 

ودفعت هذه الأوضاع سري الدين إلى التراجع عن قرار خوضه الانتخابات قائلاً “أربأ بالوفد، اسماً وكياناً، وبنفسي أن أشارك في عملية تضليل لقواعد الوفديين، حيث تفتقد العملية الانتخابية لأدنى قواعد النزاهة والشفافية”.

وتعيد خسارة أبوشقة تشكيل المشهد في أحد الأحزاب المصرية المهمة، وقد تؤدي إلى خروجه من حالة الركود التي عاشها طوال رئاسته، وارتفاع الرهانات حول تمكن عبدالسند يمامة من تحريك المياه الراكدة داخله، وتشجيع أحزاب أخرى على التغيير، وتعزز الثقة في مصداقية العملية الانتخابية التي تجري بإشراف قضائي كامل.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة أن الصراعات والانقسامات التي مر بها حزب الوفد طيلة السنوات الماضية أفقدته بريقه باعتباره أحد الكيانات السياسية التاريخية.

وأوضح سلامة في تصريح لـ”العرب” أن انتخابات الوفد وما تمخضت عنه من مفاجأة لها انعكاسات إيجابية على أحزاب أخرى، لأن الوفد كان يشهد صراعات محتدمة على رئاسته دوما وسعت أحزاب ليبرالية على مجاراته لدعم حضورها السياسي، وقد يقود الاقتراع الأخير إلى مرحلة جديدة غابت فيها الانتخابات عن الأحزاب بشكل كامل.

وأشار إلى أن طبيعة الكوادر السياسية الموجودة حاليًا داخل الأحزاب ليست لديها دراية بالمهام المطلوبة منها وتفتقر للقدرات التي تؤهلها للمنافسة والمشاركة في وضع برامج متماسكة يسير عليها الحزب ويقنع بها الرأي العام، ما يجعل هناك دافعا للتغيير في التخلي عن حالة اللامبالاة بين أعضاء الحزب أنفسهم ووجود رغبة في الحصول على حقهم السياسي وانتزاع دورهم الانتخابي.

وأصبحت الانتخابات داخل الأحزاب المصرية والتي كانت متنفساً لكوادر سياسية تفتقد القدرة على تحقيق إنجازات ملموسة والوصول إلى مناصب عليا فاقدة للشفافية الكاملة التي تضمن وصول قواعد الحزب إلى المقدمة، لكن ما جرى في الوفد قد يفضي إلى نتائج تجعل هناك أملا في حدوث تغيير من خارج الهياكل التي صنعها النظام.

حسن سلامة: انتخابات الوفد لها انعكاسات إيجابية على أحزاب أخرى

وتخلى عدد كبير من الأحزاب الموجودة على الساحة المصرية، وعددها يصل إلى مئة حزب، عن عقد انتخابات ونخرتها الصراعات التي أدت إلى اللجوء للقضاء بين أطراف عديدة تتنازع على رئاسة أحزابها.

وقالت القيادية بحزب التجمع اليساري أمينة النقاش إن النظام المصري لا يتحمّس كثيراً لفكرة الحزبية ولديه اعتقادات بأن هذه المرحلة تتطلب حشداً من جانب الجميع لإعادة بناء الدولة وتطهيرها من الفساد، ولم يعد رأس الدولة يذكر الأحزاب في أيّ مناسبة، وتتذكرها دوائر حكومية في أوقات المحن التي تكون فيها بحاجة ليكون للأحزاب دور في تحقيق أهداف بعينها، ما انعكس على الانتخابات والجدوى منها.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن التجارب السابقة التي عمدت فيها الأنظمة السياسية إلى تهميش الأحزاب أثبتت فشلها لأن إضعافها بالقصد والتجاوز مكن تيار الإسلام السياسي من اختراق المجتمع وأضحت مصائر فئات عديدة وعقولهم رهينة للإخوان، وهو ما يعرقل الخطط الطموحة لإعادة بناء الدولة.

ولم تنف النقاش مسؤولية الأحزاب ذاتها عن حالة التردي التي أصابتها بعد أن توقفت عن عملية تطوير هياكلها وأوضاعها الداخلية، غير أنها تشير إلى أن العوامل المحيطة لا تساعد على ذلك وحضور الأحزاب في المجتمع بات محظوراً.

ولدى العديد من الأحزاب يقين أن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة على المواطنين وتراجع فكرة الحزبية ذاتها تجعل الممارسة السياسية رفاهية لا يفكر فيها قطاع كبير من المواطنين، وأن عدم توفر مؤشرات على إمكانية تحقيق صعود سياسي وفقاً للآراء والأفكار والبرامج يجعل مسألة المنافسة على رئاسة هذا الحزب أو ذاك محسومة لأشخاص تملك قدرات مادية أو تحظى بدعم من دوائر رسمية.

واستطاعت النقابات المهنية إلى حد كبير أن تشغل اهتمامات المواطنين بدلاً من الأحزاب، والمقارنة بين انتخابات الإعادة على مقعد نقيب المهندسين التي جرت الجمعة أيضًاً وبين انتخابات حزب الوفد والنتيجة المخالفة للتوقعات التي تمخضت عنها في الحالتين تترجم طبيعة الممارسة وأن التغيير يمكن حدوثه من خارج النظام الحاكم في مصر ومن دون إرادته السياسية.

3