عناوين نظرية لتعاون كويتي – عراقي طموح خلال زيارة مصطفى الكاظمي للكويت

الحكومة العراقية الراغبة في إرساء علاقات مختلفة مع بلدان الإقليم عنوانها التوازن وتبادل المنافع تجد نفسها أسيرة عوائق سياسية واقتصادية وأمنية تقيّد طموحاتها رغم النشاط غير المعهود لدبلوماسية رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي زار الكويت وأعاد طرح العناوين الكبيرة للتعاون والتنسيق بين البلدين في انتظار توفّر الآليات الضرورية والظروف الملائمة لتحويل تلك العناوين النظرية إلى واقع عملي.
الكويت – وسّع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دائرة حراكه الكثيف والمتزايد بشكل ملحوظ مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرّر أن تجري في بلاده بعد أقل من شهر إلى خارج حدود العراق، حيث قام الأحد بزيارة إلى الكويت أجرى خلالها مباحثات مع الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح شملت “العلاقات الثنائية بين البلدين” وتطرّقت إلى “أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر مستجدات الأوضاع في المنطقة”.
ومثّلت إعادة صياغة العلاقات الخارجية للعراق لاسيما مع بلدان الجوار وإعادة تنشيط دور الدبلوماسية العراقية عنصرا قارّا في الخطاب السياسي للكاظمي منذ توليه قيادة المرحلة الانتقالية التي بدأت مع تنحي سلفه عادل عبدالمهدي عن رئاسة الوزراء سنة 2019، ويُفترض أن تنتهي بتشكيل حكومة جديدة إثر الانتخابات المبكّرة التي ستجري في العاشر من شهر أكتوبر القادم.
ورغم أن الكاظمي غير مرشّح للانتخابات لا شخصيا ولا حزبيا ولا من خلال دعمه لأي جهة مرشّحة، إلاّ أنّ مطّلعين على الشأن العراقي لا يستبعدون رغبته في مواصلة قيادة السلطة التنفيذية بعد الانتخابات بتكليف من القوى السياسية التي ستكسبها وبدفع من القوى الإقليمية والدولية ذات التأثير في المشهد السياسي العراقي وتحديدا إيران والولايات المتّحدة.
ويرى البعض أنّ الهدف ممّا يقوم به الرجل من حراك كثيف داخلي وخارجي في هذه المرحلة بالذات هو استكمال نحت صورة رجل الدولة المؤهّل لمواصلة قيادة البلاد والمقبول داخليا وإقليميا ودوليا.
وقال الكاظمي إنّ حكومة بلاده تعمل لجعل العراق نقطة التقاء وحوار. وورد في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي أنّه جرى خلال لقائه بأمير الكويت “بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها للوصول إلى مرحلة متقدمة من التكامل وتعزيز التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والاستثمار والصناعة والتجارة وغيرها”.
واعتبر أنّ “ما تواجهه المنطقة من تحديات بدءا من جائحة كورونا مرورا بالظروف الاقتصادية الصعبة والتوترات الإقليمية وغيرها يجعلنا أكثر إيمانا بضرورة أن نتعاضد وأن نرفع مستوى التنسيق بين بلدينا”.
وذكّر بأن بلاده “تستضيف نهاية الشهر الحالي قادة دول الجوار العراقي والإقليمي في مؤتمر بغداد”، معربا عن رغبة “العراق في مشاركة دولة الكويت على أعلى المستويات”.
ووفق المكتب الإعلامي للكاظمي فقد أكدّ أمير الكويت أن بلاده “ستظل مساندا للعراق وحكومته في مواجهة الكثير من التحديات ومشاركة في تذليل العقبات من أجل تعزيز أفضل العلاقات وبما يضمن مصالح شعبي البلدين”.
وتطرّق الكاظمي أيضا للموعد الانتخابي الذي ينتظره العراق، قائلا إنّ البلد على موعد مع انتخابات مبكرة وإن الحكومة ملتزمة وعازمة على إجرائها في موعدها المقرر وتمت تهيئة جميع الإجراءات اللاّزمة من أجل انتخابات نزيهة في أجواء ملائمة.
وبحسب مصادر سياسية واكبت زيارة الكاظمي إلى الكويت، فإنّ عناوين الزيارة المعلنة في الخطاب الرسمي لكل من الطرفين الكويتي والعراقي جاءت عامّة ومعبّرة عن أمنيات أكثر مما هي معبّرة عن مشاريع مستندة لمخطّطات تنفيذية.
وعزت المصادر ذلك إلى وجود عوائق موضوعية تمنع إرساء العراق لتعاون فعّال مع مختلف دول الجوار، وهو ما ظهر بالفعل إثر مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي احتضنته الكويت في فبراير 2018 بمشاركة العشرات من الدول التي صدرت عنها تعهدات بقيمة ثلاثين مليار دولار على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم لبغداد لإعادة بناء ما دمرته الحرب ضد تنظيم داعش. ورغم أنّ بغداد كانت تأمل قبل المؤتمر في الحصول على تعهدات تساوي ضعفي ما تمّ الحصول إليه، فإنّ شيئا من مخرجات المؤتمر لم ينفّذ إلى حدّ.
ويرجع نفور المستثمرين من العراق وتعثّر عدّة محاولات لإرساء تعاون اقتصادي فعّال بين البلد وبلدان محيطه المباشر مثل السعودية إلى وضعه الأمني غير المستقّر، وأيضا إلى وجود مناخ سياسي غير مشجّع في ظلّ هيمنة أحزاب طائفية وفصائل مسلّحة شديدة الارتباط بإيران على مقاليد السلطة في العراق وعملها المستمرّ على إضعاف علاقاته الإقليمية خدمة للنفوذ الإيراني المهيمن.
وتهتمّ الكويت باستقرار العراق وترغب في وجود حكومة قوية تلجم الميليشيات المسلّحة التي كثيرا ما وجّهت سهام نقدها واتهاماتها للكويت، بينما تتطلّع بغداد للاستفادة ماليا واقتصاديا من علاقتها مع الجانب الكويتي وهو مطلب لا يمكن تحقيقه في الوقت الحالي نظرا للصعوبات المالية التي تمرّ بها الكويت جرّاء تذبذب أسعار النفط وتبعات جائحة كورونا.
وترفض جهات كويتية بشكل قطعي منح العراق أي امتيازات مالية من قبل التنازل عما تبقّى من تعويضات مفروضة أمميا على العراق بسبب غزوه الكويت في تسعينات القرن الماضي.
وفي هذا السياق شدد النائب عبدالكريم الكندري على أن أي تنازل عن التعويضات التي أقرتها الأمم المتحدة على العراق لمصلحة الكويت ستتحمل مسؤوليته حكومة الشيخ صباح الخالد التي “تدعي عجز الميزانية”.
وذكّر الكندري بأنّه وجه سؤالا برلمانيا بتاريخ الرابع عشر من مارس الماضي عن صحة المعلومات التي تفيد بأن العراق يسعى لإسقاط التعويضات المتبقية عليه لصالح الكويت والتي تقدر بمليارين، مشيرا إلى أنّ الإجابة عن سؤاله كانت بالنفي.
وفي غياب النتائج العملية الواضحة لزيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الكويت تظل نتائجها معنوية اعتبارية إلى حدّ بعيد باعتبارها جزءا من محاولات التأسيس لعلاقات عراقية جديدة مع المحيط الإقليمي، والعربي على وجه التحديد، باتّجاه التخفيف من حدّة الارتهان للعلاقة مع إيران. أما على صعيد شخصي فالزيارة تخدم الطموحات السياسية للكاظمي إذ تكرّس صورته كرجل للوفاق قادر على مسك المعادلة الإقليمية الضاغطة على العراق من مختلف أطرافها.