عناد الصقور

أبرز الصفات التي تميّز هذا الحارس السماوي، العناد. فهو لا يعرف الهزيمة ولا الاستسلام، ولا يدخل اليأس قلبه الفولاذي.
الجمعة 2021/07/02
إرادة الحياة وتحدي الصعاب

يسكن في الغابة الجبلية القريبة من بيتي صقرٌ أدهم وحيد، يقوم بجولته كل يوم فوق الرابية، يستعرض ما على الأرض من مناظر، قبل أن يغيب في الأعالي، وحين يُشرق في السماء، يسود الصمت وتختفي الطيور وتفرغ الشوارع ممن يظنون أنهم سيكونون طرائد له، ويبدأ بيني وبينه كلام صامت لا يسمعه سوانا، فيحوم الفكر مع حومة الصقر.

وللصقر عادات، يعرفها العرب أكثر من غيرهم، بحكم أنه كائن نبيل ارتبط بالعرب وثقافتهم على مر الزمن، تآخوا وإياه حتى اتخذوه رمزاً وراية في كل منعطفات تاريخهم الحاسمة، فحلّق بهم إلى آفاق لم يكن أحد ممّن حولهم يتمناها لهم.

إلا أن أبرز الصفات التي تميّز هذا الحارس السماوي، العناد. فهو لا يعرف الهزيمة ولا الاستسلام، ولا يدخل اليأس قلبه الفولاذي. ومما قرأت من اللطائف عن الصقر، حوارٌ جرى بينه وبين البلبل، إذ يُقال إن الأخير حسَدَ الصقر على مكانته الكبيرة عند الملوك والأمراء، فأخذ يخاطبه شعراً “فقال: أراكَ حليةً للملوك، ومن فوق أيديهم تُحمَلُ، وأنتَ، كما علموا صامتٌ، وعن بعض ما قلته تنكلُ، وأُحبَس مع أنّني ناطـقٌ، وحالي عندهم مُهمَــــلُ”. ردّ الصقر بكبريائه “فقال: صدقتَ، ولكنهـــم، بذا عرفوا أيَّنـا الأكْمَــلُ، لأني فعلتُ وما قلت قطّ، وأنتَ تقولُ ولا تفعلُ”.

بطولة كأس الأمم الأوروبية “يورو 2020” الجارية هذه الأيام، والتي عطلتها جائحة كورونا العام الماضي، أعادت لنا التفكير في الصقر، فالإصرار الذي أبداه الرياضيون والجماهير على استرداد شكل الحياة الطبيعية في المدرجات بشغف بعد فترة التباعد، لا يشبهه سوى عناد الصقور وإصرارها على الحياة وتحدي كل شيء، إلا أنّ شيئاً آخر برز أكثر في هذه التظاهرة الرياضية الكبرى، يسرق الصقر الأضواء من خلاله مجدداً، إنه التكنولوجيا التي تعتمد “عين الصقر” أو تسمى بـ”هاوك آي” وهي نظام التصوير الذي يحاكي الطريقة التي يرى بها الصقر الأشياء من حوله، فيجري تعقّب كرة القدم في الملعب بمناظير متعددة لا تتوافر في أي أسلوب تصوير آخر، بالاعتماد على دمج صور قادمة من 6 كاميرات وقد تصل إلى 14 كاميرا ذات سرعات عالية، يقوم الكمبيوتر بتحليلها ليتابع مسار الكرة، وتحديد مكان سقوطها بدقة خرافية.

المفارقة أن كل هذه الدقة لم تعجب البعض، فقد اعترض رياضيون على تقنية “عين الصقر”، عندما احتسب حكام بعض المباريات أهدافاً بعد التأكد من صحتها عبر هذه التقنية.

لماذا لا يجد بعض البشر أن دقّة الرؤية لصالحهم؟ ولماذا يفضّلون إبقاء الصورة مشوّشة ضبابية؟ وما الجدوى من مناطحة عناد الصقور؟ هذا هو السؤال.

24