عمران خان يتوصل لحل مشكلات شعبه عبر متابعة الدراما التركية

تحول رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى مروج للدراما التركية التي تمجد التاريخ والبطولات العثمانية، بعد متابعته الدؤوبة لها وتأثره الشديد بها، استكمالا لسياسته الداعمة بشكل كلي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولو على حساب مصالح مواطنيه في الدول العربية.
إسلام أباد - أعرب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن إعجابه الشديد بالمسلسلات التركية، خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية محلية السبت، وبدا متابعا باهتمام لآخر إنتاجات الدراما التركية، إلى درجة أثارت التساؤل: متى يجد الوقت لحكم بلاده؟
ووفق ما ذكر موقع “أحوال تركية”، بدا رئيس الوزراء الباكستاني الذي يواجه انتقادات حادة بشأن إدارته للبلاد وفقدان التوازن في سياسته الخارجية، مطلعا على تفاصيل الدراما التركية ومتابعا لكافة حلقاتها، كما نصح شعبه بمتابعة المسلسلات التركية لتثقيفه والاقتداء بالنماذج “الحسنة فيها” على غرار مسلسلات “الوعي التركي” و”الصعود الإمبراطوري العثماني الثاني” مثل “يونس إمره” و”قيامة أرطغرل”، وتدخل شخصيا لتوجيه لجنة الإعلام الباكستانية لبث هذه المسلسلات.
وذهب رئيس الحكومة الباكستاني بعيدا في إعجابه بالرئيس التركي، فبدلا من أن يوجه بتطوير صناعة درامية محلية بطريقة إبداعية تحافظ على خصوصية المجتمع الباكستاني وتركز على قيمه وتراثه والنماذج الإيجابية فيه، يدعو لاستنساخ التجربة التركية بحذافيرها ويسعى لدعمها بكل الطرق.
وتمثل المسلسلات إحدى أدوات القوة الناعمة التركية، ومنصّة دعائية لحزب العدالة والتنمية، وهي أهمّ أدوات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتسويق نظامه وسياساته، على المستوى المحلي بالتوازي مع المستويين الإقليمي والإسلامي.
وأكد مختصون بالتاريخ أنها قامت بتشويه حقائق تاريخية واختلاق أخرى لخدمة أهداف سياسية، لاسيما في ما يخص المنطقة العربية وتدخلها في ليبيا، وقد مهدت للدور التركي في المنطقة قبل سنوات وسبقت تصريحات السياسيين وقراراتهم.
وبات حزب العدالة والتنمية الإسلامي يُدرج أجندته السياسية في بعض المسلسلات بتعليمات من أردوغان.
وتحول خان لاعب الكريكت السابق، خلال اللقاء التلفزيوني، إلى مروج لسياسة أردوغان عبر الدراما التركية، ويُخطط لحل مشكلة “تعرض المجتمع للدمار بسبب الاستخدام الخاطئ للهواتف المحمولة” بإنتاج مسلسلات باكستانية على غرار تلك التي تنتجها تركيا، مثل “يونس إمره” و”قيامة أرطغرل”، لتقوم بمهمة “وسائل ترفيه بديلة للشعب”، فربما قد تنسيه مشكلاته الحياتية والمعيشية عبر استرجاع أمجاد الماضي.
ويعتبر محللون سياسيون أن خان يحدد مواقفه السياسة كما لو أنه ظل لأردوغان، على غرار مشاركته في تصعيد قضية الرسوم الكاريكاتورية في فرنسا.
وقدّمت باكستان دعما نادرا لتركيا في هجومها على المقاتلين الأكراد في سوريا العام الماضي، بينما قدّم أردوغان دعمه لعمران خان في قضية إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند.
كما استجاب خان لرغبة تركيا في جرّ بلاده مع ماليزيا، وبمشاركة من إيران وقطر، إلى عقد قمة في ديسمبر من العام الماضي، كان عنوانها الرئيسي منافسة دور السعودية وبناء تحالف مواز لها يضم أكبر الدول الإسلامية.
ورغم أن رئيس وزراء باكستان انسحب في آخر لحظة قبل بدء القمة، ما فسره البعض بأنه للحفاظ على خيط رقيق في العلاقة مع الرياض، لكن لم ينجح ذلك في تبريد خلاف آخذ في التوسع مع الرياض، وما يزال إلى الآن متأرجحا بين مواقف متناقضة، يميل إلى تركيا، وبات يروج لمسلسلاتها ويمجد الروايات التركية عن التاريخ والبطولات، وفي نفس الوقت يسعى إلى الحصول على دعم السعوديين للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة في بلاده.
واستثمرت أنقرة اتصالا هاتفيا أجراه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز مع أردوغان لتغيير خطابها تجاه الرياض وتهدئة الحملات الإعلامية، والترويج لمرحلة جديدة من الحوار والتعاون مع الرياض.
ويشعر الباكستانيون بأنه تمّ خداعهم من قِبل أردوغان الذي يسعى الآن إلى تبريد الخلاف مع السعودية بعد أن جرّ باكستان إلى بناء تحالف لمنافسة الرياض على دورها الإسلامي، ما تسبب لإسلام أباد في مشكلات مع السعودية ودول خليجية أخرى.
وباتت سياسات عمران خان تراكم المشكلات على الباكستانيين أكثر من خدمتهم، حيث أظهرت أن إسلام أباد لم تعد الشريك المفضل للخليجيين، فقد أدرجت الإمارات الأسبوع الماضي باكستان على لائحة حظر السفر ضمن قائمة تضم 13 دولة إسلامية لن يتم إصدار تأشيرات لمواطنيها بعد الآن. وتأتي هذه الخطوة ضمن مسار الضغط على باكستان، التي تعتمد بشكل كبير على تصدير العمالة لزيادة التحويلات المالية والتخفيف من حدّة البطالة.
وتراجعت عائدات المسلسلات التركية في العامين الأخيرين إثر مقاطعة خليجية عربية لها نتيجة خلافات سياسية، بينما يقوم رئيس الوزراء التركي بجهود مكثفة للدعاية للمسلسلات وتعويض خسارتها.
ونصح مواطنيه المهتمين بالصوفية بمشاهدة المسلسل التركي “يونس إمره”، الذي انطلق بثه مدبلجا باللغة الأردية على التلفزيون الرسمي الباكستاني. وقال في تغريدة الثلاثاء عبر حسابه في موقع تويتر “أوصي المهتمين بالصوفية بمشاهدة مسلسل يونس إمره”.
وصرّح رئيس لجنة الإعلام والإذاعة في مجلس الشيوخ الباكستاني، فيصل جاويد خان، أن رئيس الوزراء عمران خان أراد أن يُبث مسلسل “يونس إمره” بعد انتهاء بث مسلسل “قيامة أرطغرل”.
وفي ديسمبر الماضي، أعطى رئيس الوزراء الباكستاني تعليماته لدبلجة حلقات المسلسل التركي “قيامة أرطغرل”، والتي بدأ عرضها بالفعل في أبريل خلال شهر رمضان.
وقالت وكالة الأناضول التركية الرسمية إنّ عمران خان أبدى إعجابه بالمسلسل التركي الشهير “قيامة أرطغرل”، قائلا إنه “سيعلم شبابنا الأخلاق والتاريخ الإسلامي”.
وسبق أن صرح الرئيس التركي أنّ “الأمير أرطغرل من الشخصيات الهامة التي قادت مرحلة ممتدة من إمارة صغيرة إلى دولة عظيمة”. وأضاف أنّ “أرطغرل أنار درب رجالات الدولة من بعده، وفي مقدمتهم ابنه عثمان، وذلك عبر حكمته وفطنته وعدله في الحكم”.
ويذكر أنّ أرطغرل شخصية غير متفق عليها تاريخيا في تركيا نفسها، وأن المسلسل الذي يمتد لمواسم والمئات من الحلقات خيالي بالكامل ولا يوجد تدوين لتلك المرحلة يسند الرواية، وكل ما يرد في الحلقات إنما هي رسائل مُبتكرة يُريد أردوغان توجيهها للداخل والخارج، ولا تمت للواقع التاريخي الحقيقي بأيّ صلة.
وتقول الأناضول إنّ أرطغرل بن سليمان شاه، زعيم قبيلة قايي، من أتراك الأوغوز المسلمين (التركمان)، ووالد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية (656هـ ـ 1258م/ 726هـ ـ 1326م).
وكشف موقع “أحوال تركية” في تقرير سابق، أنّ السلطة الحاكمة في تركيا تُوجِّه سيناريوهات مسلسل أرطغرل طبقا لسياساتها. وعلى سبيل المثال تمّت إضافة مشهد إلى المسلسل يلقي فيه البطل أرطغرل خطابا يتماشى مع الأجندة السياسية للحكومة الحالية، ويُضاهي تلك الخطابات التي يلقيها أردوغان من شرفة المقر الرئيس لحزبه بعد كل انتخابات.
واعتبر الكاتب مصطفى قيليتش في “أحوال تركية” أنّ أحداث مسلسل قيامة أرطغرل تكاد تتطور بالتوازي مع أحداث السياسة تماما، بحيث يمكن أن يلاحظ أي شخص، وهو يشاهد المسلسل، لغة الكراهية والإقصاء والشيطنة التي يستخدمها مسؤولون، وعلى رأسهم أردوغان، في خطاباتهم المنشورة على مختلف القنوات التلفزيونية.
ويتضمن المسلسل أيضا تلميحات وإشارات ثقيلة وعلنية إلى بنسلفانيا الأميركية، حيث يقيم فيها فتح الله غولن، الذي يتهمه أردوغان بتدبير الانقلاب المزعوم، إلى جانب الأحداث الجارية في سوريا، والأحزاب المعارضة في الداخل التركي.
ويتساءل كثير من الأتراك اليوم “هل كتب أردوغان خطابات الأمير أرطغرل بنفسه؟”.