عمانيون يرصدون تراثهم الشفوي ويدونونه عبر السينما

"حكاية صورية" أفلام وثائقية لحفظ التراث العُماني.
الخميس 2021/08/26
توثيق لتاريخ عريق

يظل الفيلم السينمائي الوثائقي فيلما يقاوم الزمن، ووثيقة يعاد اكتشافها في وقت لاحق، ويبقى التناوش بين مصطلحي “التسجيلي” و”الوثائقي” لكن استعمالاته تبقى بجوهر واحد، إذ تسهم هذه النوعية من الأفلام في الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي، وهو ما تفطن له مجموعة من الشباب العمانيين الذين يحاولون رصد تراثهم الشفوي وتوثيقه عبر السينما.

صور (عمان) - يستمد الفيلم الوثائقي شرعيته من الحياة نفسها، فالأيام هي التي تشكل مادته الخام الأولى بما تحمله من أحداث يعود المخرج إلى وضعها ضمن رؤاه الفنية بأساليب متعددة، لهذا فالفيلم الوثائقي يُمكن اعتباره عالما مصغرا، يتقرّر الطريق إلى رسائله بأسلوب مختلف مع كل مشاهدة جديدة.

وهذه الوسيلة في التعبير يعود تاريخها إلى الأفلام الأولى التي صنعها الإخوة لوميير عام 1895، تلك الأفلام التي قامت على فكرة تسجيل الصورة المتحركة، أي التقاط اللحظة من الزمن وإعادة تقديمها أمام الجمهور، لحظات كانت حاسمة في صناعة السينما، حيث كانت إعلانا بالانتقال إلى عصر الصورة المتحركة بعد أن فقدت الصورة الفوتوغرافية الدهشة التي قابلها بها العالم لحظة حدوثها.

لكن الأفلام الوثائقية يمكنها أيضا أن تكون وسيلة للحفاظ على التراث، حيث باتت من الأساليب المتبعة لتوثيق عناصر ثقافية مادية وغير مادية، ولحفظها من التلف والنسيان، وإضافة إلى ذلك باتت تمثل وثائق بصرية يمكن الاستفادة منها بالاطلاع أو البحث والتثقيف والتعليم، وهو ما انتبه إليه مجموعة من الشباب العمانيين الذين استغلوا السينما الوثائقية في التوثيق للتراث.

حكايات من صور

إنتاج الأفلام الوثائقية إحدى الوسائل لحفظ التراث المروي كما أنها تعيد تصوير الأحداث التاريخية والذاكرة البصرية

يتواصل العمل في إنتاج سلسلة من الأفلام الوثائقية القصيرة بعنوان “حكاية صورية” والتي توثق التاريخ الشفوي المروي من قبل كبار السن والمعاصرين عن تاريخ ولاية صور، وهي ضمن مبادرة شبابية من أبناء ولاية صور للحفاظ على تاريخ ولايتهم وعراقتها، وقد تم إنتاج حلقتين من الحكاية.

وقال علي بن ناصر العريمي أحد الشباب المبادرين في العمل إن فكرة هذه المبادرة تمثل تجسيدًا لدور التراث الثقافي غير المادي، وهي تهدف إلى حفظ التراث العُماني المروي من النسيان والسهو في خضم تسارع وتيرة الحياة.

ويعد إنتاج الأفلام الوثائقية، وفق العريمي، إحدى الوسائل والأدوات التي تحقق حفظ هذا التراث المروي كما أنها تعيد تصوير الأحداث التاريخية والذاكرة البصرية بوسيلة سهلة التسويق والانتشار ويمكن الاستفادة منها كمرجع تاريخي موثق للأجيال القادمة.

يقول العريمي إن “المبادرة تأتي تحت إشراف وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية ممثلة بالمديرية العامة للشباب ضمن برنامج ‘يشهدون’ حيث تركز السلسلة الوثائقية على إبراز الشخصيات المعاصرة وتوثيقها وإنتاج مادة علمية ومرجع تاريخي لتزويد مكتبات المدارس والكليات والمهتمين والمختصين والعمل على الحفاظ على المصطلحات والمفردات المستخدمة في تلك الفترة وتوثيق المعالم التاريخية والشواهد الباقية قبل الاندثار والنسيان”.

ويؤكد أن السلسلة الثقافية تهدف إلى إنتاج 15 حكاية صورية، يتم من خلالها التركيز على الجوانب التاريخية لمدينة صور والقصص والمعالم الأثرية والحياة الاقتصادية والاجتماعية والعادات والتقاليد والمصطلحات والطقوس التي تتفرد بها الولاية وأبرز الشخصيات التي أسهمت في نسج تاريخها.

ويوضح أن العمل يقوم على طاقات شباب الولاية وهممهم، كما قامت الشركة العُمانية للنقل البحري “أسياد” بدعم أربع حلقات من السلسلة تتناول تاريخ صور البحري تأكيدًا على أصالة التراث البحري العُماني وريادة العُمانيين في الملاحة البحرية قديمًا وحديثًا.

ويمكن اعتبار هذه الوثائقيات من الأفلام التاريخية التي تلتزم بالصورة الوثائقية، وتجعل التاريخ ماثلا أمام المشاهدين ويمكن معايشته من خلال الصور الناطقة التي تقدمه بصيغة “سرد بصري”، وهو ما يؤسس للتاريخ المرئي أسوة بالتاريخ الشفهي والمكتوب.

عمل فني احترافي

لحظة تأمل تختزل كل التراث العربي الأصيل
لحظة تأمل تختزل كل التراث العربي الأصيل

يشير العريمي إلى أن الحلقة الأولى من السلسلة تأتي بعنوان “نزغة الشراع” لتتحدث عن طريقة إعداد السفينة وتجهيزها للإبحار وكيفية اختيار البحارة وتوزيع الأدوار ثم انطلاق الرحلة إلى الشمال باتجاه البصرة.

 أما الحلقة الثانية فهي بعنوان “دورة البنديره” وتتحدث عن تنقل السفن من البصرة باتجاه سواحل باكستان والهند وصولًا إلى زنجبار وتتناول البضائع والسلع المتبادلة وأهم الموانئ التي ينزل فيها النوخذة الصوري.

وحملت الحلقة الثالثة عنوان “المجدمي” وتتحدث عن الهيكل التنظيمي للسفينة وتوزيع الأدوار وأهمية المجدمي على ظهر السفينة وآلية اختياره، فيما جاءت الحلقة الرابعة بعنوان “رحلة المنجروف” وتحكي عن رحلة نهر سيبورانجا وأهمية تجارة خشب المنجروف بالنسبة إلى السفن الصورية ومما أسهم في بناء المنازل والتبادل التجاري مع دول الخليج.

ولضمان إيصال الحكاية إلى الفئة المستهدفة من الشباب والمختصين والمهتمين يقول العريمي “لقد تمت الاستعانة بمخرج العمل أنور الرزيقي الحاصل على عدة جوائز في إنتاج الأفلام السينمائية القصيرة، حيث عكف المخرج على التركيز لإنتاج عمل فني احترافي مشوق سهل الانتشار والاستعانة بمؤرخين ومعاصرين لوصف المشاهد بشكل دقيق والعمل على إعادة تمثيل لبعض المشاهد المهمة بالإضافة إلى الاستعانة بفريق تصوير عالي الجودة من شباب الولاية”.

ويتابع “إلى جانب ذلك قمنا بالاهتمام بالترجمة والمونتاج والتعليق الصوتي من قبل مختصين في المجال، وأما في ما يخص المعالجة والتوثيق التاريخي فتمت الاستعانة بالكاتب خالد بن علي المخيني (قبطان متقاعد) ومؤلف كتاب الطريق إلى صور لعلميات التوثيق التاريخي والحفاظ على منهجية العمل ودقة المعلومات المطروحة والإضافة عليها مما يضمن أصالة العمل وجودته”.

14