عمالقة التجارة الإلكترونية يتنافسون على غزو أفريقيا

تحولت أفريقيا إلى ساحة تنافس لعمالقة التجارة الإلكترونية الباحثين عن توسيع نفوذهم في منطقة جغرافية تشهد نموا متسارعا في استخدام التكنولوجيا وتزايدا كبيرا في معدل النمو السكاني، وطلبا متصاعدا على المنتجات الاستهلاكية، والذي فتح الباب أمام مصر لأن تكون نقطة انطلاق مركزية بحثا عن أسواق جديدة في القارة.
القاهرة – أطلق عملاق التجارة الإلكترونية الأميركي أمازون منصة رقمية جديدة له بمصر، فاتحا الباب أمام التسجيل من خلال الأداة المخصصة لإدارة أعمال البائعين المركزية بموقعه الأساسي ليستحوذ على حصة أكبر من السوق المصرية.
وتعمل مجموعة أمازون بمصر منذ 2017 عبر موقع “سوق. دوت كوم”، الذي يتخذ من دبي مقرا له، وأصبح يمتلك 15 محطة توصيل وفريق عمل محلي يتخطى 3 آلاف فرد والعشرات من المخازن، ما يثير تساؤلات حول مآرب خطوتها الجديدة.
وتأتي خطوة أمازون ضمن سياق أكبر تسعى من خلاله إلى احتكار سوق البيع الإلكتروني بمصر وجعلها نقطة ارتكاز نحو السوق الأفريقية التي تشهد انفتاحا على التجارة الإلكترونية منذ الجائحة التي قلصت من حركة الأفراد ورغباتهم في الشراء المباشر.
وتستهدف الشركة تدشين موقع آخر باسم “أمازون جو” مخصص للقارة السمراء، يكون مقره الرئيسي العاصمة الإدارية الجديدة بشرق القاهرة.
وبحسب دراسات مستقلة عن السوق المحلية تضاعف حجم التجارة الإلكترونية بمصر 400 في المئة منذ الجائحة لتبلغ ملياري دولار، بينما ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في غرض التجارة والعمل إلى 45 في المئة.
وقال الخبير الاقتصادي وليد جاب الله لـ”العرب” إن “خطة أمازون جاءت بعد سلسة تقارير من المؤسسات الدولية التي تؤكد تحسن مناخ الاستثمار بمصر وتوجه العديد من الشركات العالمية لإيجاد مقار إقليمية لها بالعاصمة الإدارية الجديدة”.
وليس ذلك فحسب، بل عودة القاهرة إلى الحضن الأفريقي بإنشاء مشروعات مشتركة للطرق وخطوط طيران مباشرة كان دافعا مهما، الأمر الذي ييسر انطلاق البضائع من مصر إلى عواصم القارة.
ودعت مصر أخيرا إلى إطلاق منصة للتجارة الإلكترونية لقارة أفريقيا من أرضها بمشاركة القطاع الخاص كأحد روافد إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، التي أطلقتها القمة الاستثنائية في نيامي بالنيجر قبل عامين.
ويضيف جاب الله أن مصر ترتبط حاليا بسلسلة من الروابط التجارية بالقارة، التي تجعلها مكانا مفضلا للمستثمرين مستقبلا، خاصة في ظل سياسات جديدة في بلدان أفريقيا هدفها تعزيز التبادل التجاري بين دولها.
ولا يتعدى جحم المبادلات التجارية بين دول القارة 12 في المئة حاليا والتي تقل كثيرا عن مناطق التجارة الحرة للدول الأوروبية والآسيوية وأميركا اللاتينية التي تسجل 70 و45 و27 في المئة على الترتيب.
ولا يمكن عزل اختيار أمازون بالذات لتكون نقطة انطلاق لأفريقيا عن سياسات الحكومة المصرية الرامية لتقديم مميزات للشركات الصغيرة والمتوسطة، والاعتماد عليها كأحد محركات النمو الاقتصادي والعملاق الأميركي في التجارة الإلكترونية يعتمد في البضائع التي يبيعها في الأساس على تلك النوعية من المؤسسات.
وتعاني الشركات المتوسطة والصغيرة دائما من مشكلات في التسويق وتوصيل البضائع، مع عجزها عن تدشين حملات إعلانية ضخمة تعرف الزبائن ببضائعها أو امتلاك وكلاء في الخارج يمكنهم تسويق البضاعة وتوصيلها.
وينافس موقع جوميا التابع لشركة روكيت إنترناشيونال العالمية في أفريقيا والمنطقة العربية أيضا، وقررت إدارته مؤخرا ضخ استثمارات جديدة بنحو 600 مليون دولار في دول القارة ومن بينها مصر.
كما قامت بزيادة عدد أفراد التوصيل والشحن بنسبة 80 في المئة في احتفالها بعيد ميلادها التاسع في يوليو الماضي.
وربما كان تزايد نفوذ جوميا في السوق المصرية وازعا لأمازون للتواجد السريع بوحدة جديدة، فجوميا تواصل التعاقد مع البنوك المحلية لتقديم خدمات الدفع الإلكتروني.
وأطلقت جوميا في الربع الأخير من 2020 خدمة فوود للوصول إلى ألفي مطعم وبقالة وتغطية 100 في المئة من محافظتي القاهرة والجيزة نهاية العام الحالي.
وتأتي خطوة أمازون في توقيت مدروس مع تدشين طريق القاهرة ــ كيب تاون الذي يمتد بطول 10.2 ألف كيلومتر في تسع دول أفريقية هي السودان وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوي والغابون وينتهي في جنوب أفريقيا، ما يجعل مصر في المستقبل محورا لنقل البضائع إلى القارة التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة.
وتمثل الطرق التقليدية أحد العناصر الأساسية للانتشار للتجارة الرقمية، خاصة بعد فشل مشروع برايم آير ببريطانيا والذي ضم 100 متخصص لم ينجحوا على مدار خمس سنوات في رسم وتنفيذ خطة التوصيل لشحنات أمازون عبر الطائرات المسيرة.
وتمثل السوق الأفريقية إحدى المناطق التي تستهدفها شركات التجارة الإلكترونية، فالعمل بالأسواق الأوروبية محفوف بالمخاطر المتعلقة بخصوصية البيانات، وأمازون ذاقت من مرارة تلك المشكلة كثيرا وتعرضت لغرامة بنحو 887 مليون دولار لانتهاك قانون الخصوصية الأوروبي.
أمازون تطلق موقعين للتجارة الرقمية للسوقين المصرية والأفريقية لمنع انفراد المنافسين بالأسواق الجديدة
وتتوقع شركة ماكنزي الأميركية وصول قيمة التجارة الإلكترونية في أفريقيا إلى نحو 75 مليار دولار خلال خمسة أعوام بما يساهم في توفير ثلاثة ملايين فرصة عمل بالقارة بحلول 2025.
ولا تريد أمازون لمنافسها الصيني القوي علي بابا أن ينفرد بالمنطقة، خاصة بعد إعلان الأخير عن شراكة استراتيجية مع شركة الاتصالات السعودية أس.تي.سي لضخ استثمارات تقدر بمليار دولار لتقديم الخدمات السحابية العامة عالية الأداء في بالبلد الخليجي.
وتم اختيار العاصمة الرياض مركزا إقليميا للإدارة والتدريب للمجموعة الصينية العملاقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي قائمة أكبر خمس شركات في التجارة الإلكترونية عالميا تتواجد 3 شركات صينية هي علي بابا وأليباي وتاوباو، ولديها جميعا خطط توسعية في أسواق جديدة خاصة المناطق التي تمثل سوقا بكرا مليئة بالزبائن.
وتتسم أفريقيا بغياب الشركات الضخمة في التجارة الإلكترونية القادرة على منافسة العمالقة الكبار في المجال، رغم وجود 264 شركة ناشئة بها تعمل في مجال التجارة والتسويق الإلكتروني وينشط بعضها في 23 دولة.
وحاول مستثمرون مصريون صغارا دخول الحلبة قبل عامين بتدشين منصة خاصة بالمنتجات المحلية وتسويقها خارجيا في 2019 تحت اسم “سفينة”، لكنها لم تحقق الصدى المرجو في ظل غياب الترويج الجيد للمنصة وتعريف الزبائن بها.
وتكررت المحاولة أيضا عبر منصة “جودة” المتخصصة في مساعدة المشاريع المتوسطة والصغيرة، لكنها اتسمت بضعف التأثير رغم ضمها 9 أقسام و64 فئة تغطي كل أنواع المنتجات والاحتياجات اليومية للمواطنين، وإعفاء المبادرين بالتسجيل من العارضين، والتجار من الاشتراك السنوي.
ويجذب تنامي استخدام الإنترنت في أفريقيا الذي بلغ 46 في المئة من إجمالي السكان وضعف الصناعة المحلية عن تلبية احتياجات الأسواق من السلع المزيد من آفاق النمو للتجارة الإلكترونية في دولها خاصة مع الخيارات المتعددة التي توفرها للأسعار، وقدرتها على جلب البضائع من أي مكان وتوصيلها حتى باب المنزل.