علي باسل مصطفى يُشرّح الوجع السوري في لوحات تجريدية

رغم دراسته الحقوق والاقتصاد، وفي مرحلة لاحقة علم النفس، إلاّ أن الفنان التشكيلي السوري علي باسل مصطفى اختار الرسم أسلوب حياة ونجاة من أدران المعيش اليومي، يعبّر من خلاله عن رؤاه الجمالية الناقلة والناقدة معا لإكراهات الحياة في زمن الحرب، فأتت لوحاته في مجملها تجريدية مبهمة كحال الواقع السوري المأزوم.
دمشق - كساحر يُلوّح بأصابعه على الأشياء الجامدة فيجعلها تتحرّك وتنطق، هكذا هو الفنان التشكيلي علي باسل مصطفى الذي يغمسُ أصابعه بالألوان ليخلق منها حياة ثانية كما يُحبها أحيانا، وكما يراها بعين قلبه أحيانا أُخرى.
بدأ مصطفى رحلتهُ مع الفن بعمر الخمس سنوات، فكانت التفاصيل تُشاهد بعينه مُكبّرة، واضحة، مُجرّدة من كلّ شيء يحجبها، ولم تغفل هذه العين عن رؤية ما تغطيه الأثواب من تفاصيل تنادي بصوت عال “أنا هنا فليُعرني أحدكم انتباهه.. هناك ندوب على جسدي وقلبي لا تُرى، وهناك دموع مخنوقة لم تُذرف بعد، وضحكات مُكبلة شُلّت نبرة صوتها”، هكذا لبّى النداء، فكشف عن كل الندوب، ورسم الوجع فجعلهُ ينطق بلغة الرسم.
كانت أول بداية علنية لمصطفى في الرسم بعمر السبع سنوات عبر مسابقة في مدينة دمشق شارك فيها أربعة عشر طفلا من كافة المحافظات السورية حصل فيها على المركز الثاني، ثم استمر بتطوير ذاته بدعم كبير من الأهل في مجتمع كانت الدراسة والشهادة هي الهاجس الأول للجميع أما الفن فشيء بعيد عن الاهتمام.
وفي عمر الأربعة عشر عاما شارك في أول معرض فردي في المركز الثقافي بحمص دون أن تحمل اللوحات أيّ طابع خاص فكانت بين التعبيري والتجريدي والبورتريه. وعندما بدأت الحرب في سوريا كانت نقطة الفصل عند معظم الناس، لكنه استمر في ما بدأ فيه وظل الرّسم هاجسه الأول وكانت لوحاته تسلط الضوء على المشاكل الاجتماعية والإنسانية المدفونة والتي نادرا ما يتمّ ذكرها مع وضع حلول لها.
ويقول مصطفى “في 2014 صنعتُ لنفسي بصمتي الخاصة بلغة الجسد، تحديدا جسد الأنثى، فهي الأم والأخت والصديقة ممّا جعلني عرضة للنقد بسبب طبيعة المجتمع المُحافظ”.
ويوضّح “مع العلم أن فن لغة الجسد موجود في الشرق منذ أقدم الحضارات كاليونانية والفينيقية سواء في شكل منحوتات أو لوحات تصوّر الجسد ضمن طابع ديني ودنيوي، إلا أنّ هذا النمط اختفى مع بداية القرن الرابع عشر في الشرق لينتقل إلى دول الغرب، وحتى الفنانين العرب المختصّين في هذا النوع من الفن اتجهوا إلى الغرب بسبب العادات والتقاليد والانتقادات التي يتعرّض لها الفنان المختصّ بلغة الجسد”.
وفي العام 2016 شارك الفنان السوري الشاب في معرض مُشترك بحلب، وفي 2017 أقام ثاني معرض فردي له بدمشق، وهو يؤكّد أنّ دراسة الفن أكاديميا في البلدان العربية محدود السقف، كما يُشير إلى تعدّد الإشكاليات التي تخصّ الموهوبين بالفن على مختلف أنواعه كالمسرح والعزف والفن التشكيلي، فالذي يريد الدخول إلى أي كلية تختصّ بالفن يُطالبونه أولا وأساسا بالشهادة الثانوية قبل الموهبة.
وهو أحد الفنانين الذين رُفضوا في كلية الفنون الجميلة بسبب إخلاله بشرط مُدة الشهادة وكان ردّ اللجنة على طلبه “حرام ألا تكون معنا، لكن هكذا هي القوانين في البلد”، وبالنسبة إلى السفر والاستقرار خارج سوريا كانت الفكرة مرفوضة لديه لأن بصمته يجب أن تكون قوية ومُميّزة داخل سوريا بداية وليس خارجها.
وهو يرى أن الموهبة هي الأساس، فالدراسة الأكاديمية دون موهبة هي تحصيل حاصل، وفي ذلك يقول “لم أشاهد إلى يومنا هذا أي تطوير في الدراسة الأكاديمية للأسف. وهي غير قادرة على إنتاج أي شيء جديد دون الموهبة. والموهبة قادرة لوحدها على تحمّل أعباء الممارسة والتعب بالحب والشغف، فالدراسة الأكاديمية هي المكملة للموهبة وصقل لها وليس العكس، والفن في رأيي لا يدرّس، فعندما نقول هذا الشخص موهوب، فهو موهوب بالفطرة”.
وعن المدرسة الفنية التي يعتمدها في تشكيل مفرداته الفنية، يقول “هناك أنماط معيّنة للفن، الرسم تحديدا، وهي عدة مدارس منها التجريدية والواقعية والرومانسية والتعبيرية والتصويرية، لكن المتّفق عليه أن أصعب هذه المدارس هو الرسم التجريدي، فهو عبارة عن خلق شيء من لا شيء وإقناع المشاهد بأن ذلك الشيء موجود دون تجسيم يعتمد على ما تخفيه اللوحة، والفن التجريدي صعب التحكّم فيه، وقلة من الفنانين من اشتغلوا عليه وتميّزوا فيه، وأرى نفسي واحدا من هؤلاء دون ادعاء أو مبالغة”.
وفي العام 2019 أقام مصطفى ثالث معرض فردي له في صالة صبحي شعيب للفنون التشكيلية بحمص، اعتمد فيه على أربعة ألوان فقط كتجربة جديدة مزجت أنماط المدارس التجريدية والتعبيرية والتصويرية، مستخدما فيها الألوان المائية والأكريليك التي وظفها لموضوعاته الوجدانية والإنسانية وللوحات البروتريه الأخرى، حيث اختار لها شخصيات أدبية وسياسية تركت بصمة مشرقة في المجتمع السوري.
وعلي باسل مصطفى من مواليد مدينة طرطوس ومقيم بين دمشق وحمص، درس الحقوق والاقتصاد بالإضافة إلى دراسته علم النفس، وحاصل على عضوية جمعية السلام الألمانية التابعة للأمم المُتحدة، فكان مُمثلا لسوريا كسفير للمحبة والسلام، ويعتبر أيضا من الفنانين القلائل في الوطن العربي الذين تتّسم لوحاتهم بالجرأة وتصوير الجسد العاري، وهو يقوم حاليا للتحضير إلى معرض جديد له في مصر.