على أسوار قلعة حلب عروض سينمائية تستعيد ألق الماضي

في قلعة حلب عاش الشاعر العربي أبوالطيب المتنبي وكذلك أبوفراس الحمداني، ومنها حكم سيف الدولة مملكة صارعت الروم طويلا، في جنباتها دارت قصص في الأدب والحب والغيرة والقتال. وفيها صورت أفلام تاريخية قديمة وحديثة حكت مرويات عن هذه المدنية الخالدة وقلعتها الشامخة لمخرجين كان من بينهم السينمائي العالمي بازوليني. وبعد مئات من السنين يعود أحفاد هؤلاء ليستذكروا إبداعات أجدادهم ويقدموا فنا جديدا على أسوارها، من خلال إقامة تظاهرة سينمائية في الهواء الطلق قدمت أحدث ما أنتج في السينما السورية لجمهور حلب.
بدأت رحلة السينما في سوريا عام 1908 من خلال عروض سينمائية جوالة في مدينة حلب، ثم دارت عجلة الإنتاج فيها بالتوازي مع مدينة دمشق. وفي حلب الكثير من الإبداع السينمائي الذي ظهر فيها متألقا على مستوى العالم.
فمنها سافر الطالب مصطفى العقاد في خمسينات القرن العشرين ليدرس فنون السينما في الولايات المتحدة، ويقدم لاحقا أفلاما سينمائية في عاصمة السينما العالمية هوليوود، وليصبح بعد تقديمه فيلميه الخالدين "الرسالة" و"أسد الصحراء عمر المختار" أيقونة السينما السورية والعربية في سماء السينما العالمية.
وفي بادرة لوزارة الثقافة ممثلة في المؤسسة العامة للسينما في سوريا، لإعادة الحياة السينمائية لمدينة حلب إلى شكلها الطبيعي، نظمت تظاهرة لسينما الهواء الطلق أقيمت بالتعاون مع مديرية ثقافة حلب، والتي انطلقت مساء الخامس من سبتمبر بعرض فيلم "الإفطار الأخير" لمخرجه الشهير عبداللطيف عبدالحميد وسط حضور جماهيري كثيف، حيث حضر العرض جمهور زاد عن الطاقة الاستيعابية لمقاعد الحضور كما خطط المنظمون.
السينما قيمة إنسانية
على امتداد ثلاثة أيام بدءا من الخامس من سبتمبر الجاري، ستكون أسوار قلعة حلب الشهيرة على موعد مع عروض سينمائية سورية حديثة، حيث خطط لعرض فيلم "الإفطار الأخير" في اليوم الأول وهو من بطولة عبدالمنعم عمايري وكندة حنا، وفيلم "حكاية في دمشق" للمخرج أحمد إبراهيم أحمد من بطولة غسان مسعود ولجين إسماعيل وجيانا عنيد في اليوم الثاني.
ويعرض فيلم "نجمة الصبح" للمخرج جود سعيد في ثالث أيام التظاهرة، وهو من بطولة محمد الأحمد ولجين إسماعيل. والأفلام الثلاثة من أحدث ما قدمته المؤسسة العامة للسينما من إنتاجات سينمائية، وهي الأستوديو الإنتاجي شبه الوحيد للسينما السورية منذ ما يقارب الخمسين عاما.
◙ السينما في سوريا يجب أن تقدم للجمهور نوعية من الأفلام تتقاطع مع المشكلات الاجتماعية للمواطن العادي
مدير ثقافة حلب جابر الساجور وجد في التظاهرة فعلا خلاقا في إعادة الحياة السينمائية إلى الوجود لدى المواطن العادي، ويقول في حديثه لـ"العرب" إن "من أهم ما حققته التظاهرة بعد تقديم الفيلم الأول فيها، هو تحقيق الحضور العائلي للجمهور، فمن يرى الجمهور الذي تابع الفيلم سيجد أن معظمه كان عائليا، أب أو أم وأولادهما أتوا لكي يشاهدوا فيلما سينمائيا يقدم جرعة كبيرة من الفائدة والقيمة الفنية".
ويضيف "من يحضر إلى المكان سيجد أن جمهور الفيلم قد تابعه وهو على بعد عشرات الأمتار فقط من عدد كبير من المقاهي التي يجلس فيها جمهور آخر يهدر وقته في الحديث، ويدفع المال لكي يدخن الأرجيلة (الشيشة). والفرق بين الشريحتين كبير، فهنا هدر الوقت وهنا مشاهدة أفلام ذات قيمة إنسانية كبرى، تقدم فائدة معرفية لمن يريد".
وعن ضرورة وجود هكذا تظاهرات لتنشيط الحياة الثقافية يتابع الساجور "لا ندعي أننا بهذه العروض السينمائية سوف نقضي على وجود الفن السيء، خاصة أننا جميعا نعي أن المواطن العادي قد اختطف منذ سنوات من الطقس السينمائي، بعد تغول التلفزيون ومن ثم هيمنة الجوالات ومواقع التواصل الاجتماعي على حياته، وصار الشخص مستلبا لها، لكننا مع ذلك نؤمن في وزارة الثقافة بأن جهدا حقيقيا وفاعلا يجب تقديمه لكي ننقذ المواطن العادي من غلواء هذه الحالة، ونعود به إلى متابعة السينما والكتاب بالحالة الطبيعية التي تحقق زيادة المعرفة لديه وتطوير الحس الجمالي عنده".
أدوار السينما
صالح السلتي، فنان حلبي مخضرم شارك في فيلم “ميديا” للمخرج الإيطالي الشهير بازوليني عندما صور قسما منه في قلعة حلب عام 1969، وكان حاضرا في العرض الافتتاحي للتظاهرة، يقول "جميل أن تعود السينما إلى حلب من خلال هذه العروض الهادفة. قبل ما يزيد عن المئة عام عرضت في حلب أفلام سينمائية عالمية، ومنها بدأت الحياة السينمائية في سوريا، والتي لم تتوقف يوما".
ويضيف "كانت لدينا في ستينات القرن العشرين صالتا عرض سينمائيتين صيفيتين تقدمان عروضا سينمائية موسمية صيفية في الهواء الطلق، أستذكرهما اليوم وأتمنى أن تعودا للعمل وأتمنى أن يعود الجمهور ليشاهد الأفلام السينمائية المحلية والعالمية لأن السينما فن عظيم، به ترقى الأمم وتنهض للأعلى".
ويتابع السلتي عن فيلم الافتتاح "عرض اليوم الأول كان جميلا، وهو لمخرج سينمائي كبير، فيه روح جديدة ولطيفة، تقبله الجمهور بكثير من الترحاب، حكى فيه مواجع وأحلام الناس العاديين، وأرى أن السينما في سوريا يجب أن تقدم للجمهور هكذا نوعية من الأفلام التي تتقاطع مع المشكلات الاجتماعية للمواطن العادي في يومياته وتفاصيل حياته اليومية وبما يلاقيه من مصاعب ومتاعب يومية".
ويشدد على أن "السينما في سوريا لها تاريخ كبير وقدمت العديد من القامات السينمائية الكبرى، بدأت عجلة الإنتاج فيها في مرحلة مبكرة منذ ما يزيد عن المئة عام، والقادم سيكون حافلا بتقديم إنتاجات سينمائية جديدة تحاكي لغة العصر والتطور الفكري والتقني الموجود في العالم".
ويتابع السلتي "أشكر وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما على إقامة هذه التظاهرة السينمائية، وفي هذا المكان الذي يحمل رمزية خاصة، وكلي ثقة بأن هذه العروض سوف تدفع بالعديد من الشغوفين بفن السينما لاحقا لتقديم رؤاهم الفنية الشابة بما يحقق أهدافهم الشخصية الفنية بما سيسهم في تحقيق تقدم السينما السورية عموما"