علامات قوية على قرب انضمام سلطنة عمان إلى مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل

سلطنة عمان تمتلك جميع المواصفات التي تجعلها أوّل المرشّحين للانضمام إلى مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل الآخذ في التوسّع بسرعة غير متوقّعة. فبالإضافة إلى امتلاك مسقط رصيدا سابقا من العلاقات غير الرسمية مع تل أبيب، فإنّ لها من الدوافع المصلحية المباشرة ما يجعلها حريصة على البحث عن شريك اقتصادي جديد خلال فترة التعافي القادمة من جائحة كورونا، حيث ستعمل مسقط على استخدام كل الإمكانيات وتفعيل جميع الشراكات للخروج من وضعها المالي الصعب.
مسقط – تضع تحاليل سياسية وقراءات إعلامية لجملة من المعطيات الموضوعية، سلطنة عمان على رأس المرشحين للانضمام إلى مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل عاجل وذلك قبل تسليم إدارة ترامب مقاليد السلطة لفريق الرئيس الجديد جو بايدن في العشرين من شهر يناير القادم.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلي، الأحد، بأن اعتقادا يسود لدى صناع القرار في إسرائيل بأن سلطنة عمان ستكون هي الدولة التالية التي ستقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وذلك بعدما تم الإعلان نهاية الأسبوع الماضي عن اتفاق إسرائيل والمغرب على التطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية بينهما.
واستندت مثل تلك التوقّعات للمواقف الإيجابية التي أعلنتها مسقط لمسار التطبيع الذي بدأته الإمارات ثم البحرين واتّسع ليشمل السودان وليبلغ أخيرا المملكة المغربية.
والجمعة الماضية أعلنت عمان ترحيبها باتفاق تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وجاء في بيان لوزارة الخارجية العمانية “ترحب سلطنة عُمان بما أعلنه الملك محمد السادس عاهل المغرب الشقيق في اتصالاته الهاتفية بكل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس”. وأضاف البيان “تأمل سلطنة عمان أن يعزز ذلك من مساعي وجهود تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط”.
ويرى مطّلعون على الشأن العماني أنّه، بعيدا عن الحسابات السياسية، تظل للسلطنة مصالح مباشرة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل خصوصا في الفترة الراهنة وما يميّزها من أزمة مالية دفعت السلطنة إلى اللجوء إلى الاقتراض لسدّ العجز في ميزانيتها.
وبحسب هؤلاء، فإنّ ربط علاقات طبيعية مع إسرائيل يفتح لعمان آفاقا اقتصادية خلال فترة التعافي القادمة من جائحة كورونا، حيث ستكون السلطنة بحاجة لشراكات اقتصادية أوسع نطاقا، كما ستعمل على جلب السياح من وجهات جديدة، وهي تعلم نشاط الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال السياحة عبر العالم.
التطبيع لن يحرج عمان أمام إيران التي لا يمكنها سوى التسليم بما تختاره مسقط حفاظا على العلاقة الثمينة معها
وكشفت الهيئة أنه من المرجّح أيضا “أن تنضم السعودية إلى ركب السلام حتى قبل عملية تسليم السلطة في البيت الأبيض”. ونقلت عن مصادر القول إنّ السعوديين يرغبون في أن تسبقهم بلدان أخرى إلى التطبيع مع إسرائيل قبل أن ينضموا هم بأنفسهم إلى عملية السلام.
وأبدت الرياض تعاونا في تطوير العلاقات بين كلّ من الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة مقابلة، وذلك على الأقل من خلال فتح مجالها الجوّي أمام رحلات الطيران التجاري المنتظمة بين تل أبيب ودبي والمنامة.
وكشف مسؤول إسرائيلي رفيع أنه تجري اتصالات مع دول مسلمة أخرى للتطبيع مع إسرائيل وفي مقدمتها باكستان وإندونيسيا، إلى جانب النيجر ومالي وجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر وبروناي وبنغلاديش وجمهورية المالديف.
وتبدو الإدارة الأميركية الحالية شديدة الوثوق من انضمام دول أخرى، على رأسها السعودية، لمسار التطبيع. وعبّر عن ذلك مؤخّرا صهر الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنر بالقول إنّ “تقارب إسرائيل والسعودية والتطبيع الكامل بينهما في هذه المرحلة هو أمر حتمي، لكن من الواضح أنه ينبغي العمل على الجدول الزمني”.
وبالنسبة لسلطنة عمان فإنّ تطبيع علاقاتها مع إسرائيل سيكون بمثابة ترسيم وتطوير لعلاقات قائمة بالفعل منذ فترة خارج الأطر الرسمية. فالسلطنة هي الدولة الخليجية الوحيدة التي استقبلت على أراضيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في زيارة علنية قام بها إلى مسقط في أكتوبر 2018 واستُقبل خلالها من قبل رأس هرم الدولة السلطان السابق قابوس بن سعيد.

كما سبق لمسقط أن استقبلت سنة 1994 رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين. وبعد سنتين من ذلك زار شيمون بيريز السلطنة عندما كان يشغل منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء، وذلك في 1996 السنة التي تمّ خلالها توقيع اتفاقية عمانية إسرائيلية لفتح مكتبين للتمثيل التجاري.
ويحمل تطبيع سلطنة عمان للعلاقات مع إسرائيل طابعا استثنائيا مختلفا عن تطبيع جميع دول المنطقة بالنظر إلى العلاقات المتينة التي احتفظت بها مسقط مع طهران، وذلك على طرف نقيض من العلاقات المتوتّرة القائمة بين إيران ودول الخليج باستثناء الكويت التي يمكن وصف علاقاتها بالجمهورية الإسلامية بالفاترة.
ومع ذلك فإن عمان لن تكون إذا أقدمت على التطبيع مع إسرائيل في موقف محرج إزاء إيران، إذ يبدو أن السلطنة تمكنت من فرض رؤيتها بشأن العلاقة، بحيث تكون “الصداقة” العمانية الإيرانية بمعزل عن علاقات عمان مع أي دولة أخرى ترى مسقط أن لها مصالح في تطوير العلاقات معها.
ولا تمتلك إيران من خيار سوى التسليم بما تراه عمان في هذا المجال إذ لا يمكن لطهران أن تكون في موقع من يملي شروطه على مسقط، وتعتبر مجرد الحفاظ على مستوى العلاقات الحالي معها سواء طبّعت مع إسرائل أو لم تفعل، إنجازا بحدّ ذاته وذلك كي لا تضيف طرفا جديدا لقائمة أعدائها الكثر في المنطقة.
وسبق أن تجسّد تسليم إيران بخيارات عمان في مجال سياستها الخارجية بشكل عملي خلال زيارة نتنياهو للسلطنة قبل نحو سنتين. وبينما كانت التوقّعات آنذاك تشير إلى أنّ منسوب الغضب الإيراني من الزيارة سيكون مرتفعا، جاءت النتيجة عكس المنتظر حيث سكتت طهران وإعلامها الرسمي عن تلك الزيارة وكأنّها لم تكن.