علاقات انتهازية بين الشباب الجامعي تقود إلى جرائم القتل باسم الحب

يؤكد خبراء علم الاجتماع أن العلاقات العاطفية التي تنتهي بارتكاب جرائم القتل لم تكن مبنية أساسا على الحب وإنما على المصلحة، مشيرين إلى أنه في حالة الشباب الأسوياء يبقى التعامل مع انتهاء العلاقة بشكل طبيعي من خلال الحزن أو الانزواء لفترات طويلة. وتدل حادثتا الزقازيق والمنصورة على وجود درجات من عدم الاتزان في سلوكيات الشابين اللذين أقدما على قتل رفيقتيهما.
القاهرة - أعادت جريمة مقتل طالبة بكلية الإعلام بجامعة الزقازيق بشمال شرق القاهرة على يد زميلها الذي كان يريد خطبتها إلى الأذهان ما تعرضت له نيرة أشرف التي أقدم زميلها على نحرها أمام جامعة المنصورة للسبب ذاته، وأثارت في حينه جدلاً واسعًا انتهى بصدور حكم بإعدام الجاني، ما يطرح تساؤلات حول تكرار الواقعة.
تشترك جملة من العوامل في الحادثين، فقد وقع الجانيان في حب فتاتين جامعيتين، وكان الانتقام لرفض الاستمرار في علاقة الحب مبرراً للقتل، ولم يكن أهالي الفتاتين يدركون أن المجتمع الجامعي الذي يحظى بقدر من الانضباط يمكن أن يتحول إلى ساحة دماء وتتسع فيه رقعة القتل جراء علاقات عاطفية مضطربة.
تلقت النيابة العامة المصرية إخطارًا من الشرطة بارتكاب المتهم إسلام محمد جريمة قتل المجني عليها سلمى عمدًا، حيث طعنها عدة طعنات بسكين كان بحوزته بالقرب من محكمة الزقازيق في أثناء دخولها إلى محل عمل إحدى صديقاتها، وأُلقي القبض على المتهم حال دخوله العقار محل الواقعة.

هالة منصور: العلاقات بين الطرفين في الجامعة تقوم في أغلبها على المصلحة
وأوضحت التحقيقات أن المتهم اعترف بالقتل بدافع الانتقام من الضحية لسابق ارتباطهما بعلاقة عاطفية قام خلالها بمساعدتها، إلا أنها تخلت عنه وأنهت العلاقة دون رغبته، ما أثار حفيظته فاختمرت في ذهنه فكرة قتلها، وهي المبررات التي قادت إلى مقتل الطالبة نيرة أشرف من قبل.
يشير عدم تورط الجناة في الحادثين في جرائم أخرى تمهد للإقدام على الذبح أو الطعن إلى أن المشكلة قابلة للتكرار لأن هناك حالة من الخلل الذهني تدفع إلى الإقدام على ارتكاب العنف، ما يشكل هاجسا للكثير من الأسر المصرية التي تخشى على فتياتها مما يتعرضن له في الجامعة، وما له من آثار مع قرب انطلاق العام الدراسي الجديد.
لا تجد سميرة محمد، وهي والدة لطالبة انتهت للتو من المرحلة الثانوية وتستعد لدخول إحدى الجامعات الحكومية سبيلاً سوى دفع ابنتها إلى البقاء إلى جانبها خشية عليها مما قد تتعرض له، لافتة إلى أن حادثي الزقازيق والمنصورة شكلا هاجسا لها، فابنتها قضت فترة دراستها خلال المرحلة الثانوية بالمنزل ولم تختلط مع الكثير من الشباب وتخشى عليها من الوقوع فريسة بيد أشخاص لديهم دوافع انتقامية.
وتضيف في تصريح لـ”العرب” أن الجامعة لم تعد المكان الآمن الذي تتوافر فيه كافة العوامل لتقويض الجريمة، والمشكلة لا تتمثل فقط في انتشار الأمن الجامعي من عدمه لكن في أن الشباب يتعرضون لثقافات مختلفة وتتزايد معدلات العنف أمام أعينهم وتبقى دوافعهم أكبر نحو إلحاق الضرر بأقرانهم.
وترى أن توعية الفتيات من جانب الأسرة لا تكفي لضمان عدم تعرضهن لحوادث شبيهة مفاجئة وغير متوقعة من جانبهن، كما أن عقول الشباب تسبق ما يدور في أذهان أرباب الأسر الذين تربوا في ظل أوضاع اجتماعية مختلفة عمّا هو حاصل الآن، وبعض الأسر تفتقر إلى القدرة والوقت الكافي لمراقبة بناتها، خاصة وأن تكرار الحادث في غضون أسابيع قليلة يسهم في فقدان الثقة في منظومة التعليم الجامعي ويؤدي إلى المطالبة بعزل الفتيات عن الشباب جراء المخاوف الأسرية.
عدم إدراك الشباب بأن للفتاة الحق في الاستمرار في العلاقة أو رفضها يدفع نحو المزيد من ارتكاب هذه الجرائم
يؤكد خبراء العلاقات الاجتماعية أن غياب ثقافة الرفض لدى الشباب وعدم إدراك أن الفتاة لديها الحق الأصيل في الاستمرار في العلاقة أو رفضها وإن كان ذلك من دون مبررات يدفع نحو المزيد من ارتكاب هذه الجرائم، لأن المرحلة العمرية التي يمرون بها تسيطر عليها قرارات طائشة وغير مدروسة، في حين تغيب الكثير من حقوق المرأة في المجتمع وليست هناك قناعة لدى الثقافة الذكورية السائدة باحترام رغبتها.
ورفضت أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها في شمال القاهرة هالة منصور الاعتقاد السائد بأن الجرائم الأخيرة جرت بدافع الحب، وترى أن العلاقات بين الشبان والفتيات في الجامعة تقوم في أغلبها على المصلحة واستغلال الطرف الآخر بحثًا عن تحقيق أهداف أو إشباع رغبات أي من الطرفين، وعندما يفشل أي منهما في الوصول إلى ما يهدف إليه يتجه إلى استخدام العنف الذي قد يأخذ أشكالا متباينة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن ما يمكن وصفة بـ”الحب التمثيلي” ينتشر بشدة بين الشباب في المراحل الجامعية، وإيهام الفتيات بأن هناك درجات من الاهتمام والرغبة في التملك لتحقيق أهداف بعينها، وفي حالتي المنصورة والزقازيق فإن الشابين لديهما درجات واضحة من عدم الاتزان الذي يقود إلى القتل.
وبالنظر إلى تفاصيل الحالات التي أخذت قدرا كبيرا من الاهتمام المجتمعي فإنها تشي بأنها علاقات غير سوية من المجني عليهن نتيجة اختيار شخصيات مريضة للارتباط بها أو عبر الجناة أنفسهم الذين يوهمون الفتيات بالحب وحين انتهاء المصلحة تظهر الحالة الانتقامية التي تعبر عن خلل نفسي.

ويشدد خبراء علم النفس على وجود فوارق بين المرض العقلي والنفسي، وفي الحالة الأولى يصبح الشخص غير مسؤول عن تصرفاته وتظهر عليه أعراض الأمراض العقلية، والثانية تنتج عن عدم اتزان في التعامل مع المواقف والأشخاص وتصدر عن المريض أمور غير متوقعة، لكنه مسؤول عنها بشكل كامل.
وذكرت منصور أنه في حالة الشباب الأسوياء يبقى التعامل مع انتهاء العلاقة بشكل طبيعي من خلال الحزن أو الانزواء لفترات طويلة أو قصيرة، وفي حادثي الزقازيق والمنصورة هناك درجات من عدم الاتزان في سلوكيات الشابين، وفي تلك الحالة من المتوقع أن يتم نسج قصص عديدة في الخيال للانتقام وتنفيذها على أرض الواقع.
ويتفق البعض من الخبراء على أن ما حدث مؤخراً أمر غير معتاد وليس من الطبيعي تكراره بهذه السرعة في مصر، وأن انتشار الحادث الأول على مواقع التواصل الاجتماعي وتصويره أحدث ما يسمى بإعادة إنتاج السيناريو التوقعي للشخصيات غير المتزنة التي لديها منطق في التقليد وتفتح لها ومضات في خطوات سلكها البعض ولو كانت مرفوضة مجتمعيًا، ما يشكل خطراً لإمكانية وقوع أحداث مشابهة في المستقبل.
وأكدت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس في القاهرة سامية خضر أن المجتمع مسؤول عن انتشار مثل هذه الجرائم بين طلاب الجامعات بسبب إهمال قضايا الشباب الذين يشكلون ثلثي التعداد السكاني، وتعرض هؤلاء لمحتويات عنيفة بشكل متكرر يدفع إلى تجربة تنفيذها في غياب تام للتوعية المجتمعية والدينية والإعلامية.
ولفتت في تصريح لـ”العرب” إلى أن تزايد حالات التفكك الأسري يؤدي إلى ارتكاب الأبناء لجرائم عنف في مراحل عمرية متقدمة نتيجة حالات تشوه اجتماعي تعرضوا لها مع عدم قيام الآباء والأمهات بدورهم التربوي السليم، وهناك قناعة لدى أولياء أمور بأن مهمتهم تقتصر على كيفية تعليم الأبناء دون النظر إلى الجوانب التربوية.