عقروا جملي

جمل قبيلة الحبّون في طبرق، أو "رفيق السلام" كما سمّاه صاحبه، انتهى إلى بطون مسلحي ميليشيا "الفأر" الذين أعدّوا من لحمه أطباق الكسكسي والمبكبكة.
الخميس 2021/03/25
عبدالعالي الحبّوني كان يرفع شعار السلام الذي يؤمن به

عبدالعالي الحبّوني شاب ليبي انطلق راجلا من منطقة مساعد على الحدود المشتركة مع مصر في رحلة شعارها السلام، وكان يمر على المناطق، ويجالس الناس، ويدوّن ما يشاهده وما يسمعه، وعندما وصل إلى مدينة طبرق، استقبله أبناء عمومته من قبيلة الحبّون، ورحبوا به وأكرموه بأن أهدوه جملا يواصل عليه رحلته لتمتد إلى رأس جدير آخر نقطة من الأراضي الليبية عند الحدود المشتركة مع تونس.

كان الحبّوني يرفع علما أبيض، قال إنه شعار السلام الذي يؤمن به ويتمنى أن ينتشر في كامل أرجاء البلاد بعد عشر سنوات من الحروب والدمار والصراعات، ويصطحب معه خيمة صغيرة ليرتاح تحتها كلما أخذ منه التعب مأخذه، إضافة إلى بعض الزاد، وهاتفا ذكيّا يستعمله في نقل تفاصيل مغامرته بالصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي.

في كل محطاته بالمنطقة الشرقية، قوبل الحبّوني بالترحيب، واستضافته القبائل، حيث كان مستقبلوه يتسابقون لاتقاط الصور التذكارية معه، وحدث نفس الشيء بالمنطقة الوسطى، حيث رحبت به قبائل سرت، ولما أدرك أنه غير مرحب به من قبل ميليشيات مصراتة، غيّر مساره إلى مناطق ومدن أخرى في اتجاه جنوب غرب سرت، وحين تعرضت صفحته على أحد مواقع التواصل إلى القرصنة، لتحميلها مواد مسيئة، اجتهد شباب بني وليد، وأعادوها إليه.

أدت تدخلات الأعيان والوجهاء إلى الإفراج عن الحبّوني، لكن جمله الذي كان يطلق عليه اسم "رفيق السلام" عقره المسلحون

تحولت رحلة الحبّوني إلى حدث مهمّ، تابعته وسائل الإعلام، ونظم فيه الشعراء الشعبيون قصائدهم، فالجميع متعطش للسلام، ولكل مبادرة تنحو إلى الوئام الاجتماعي، والليبيون يمكن أن يتحدثوا في أية قضية، وفي أي ملف، ويمكن أن يناقشوا أي مقترح وأية فكرة، إلّا وحدة بلادهم، فهي بالنسبة إليهم خط أحمر، ورغم اتساع مساحة البلاد، ورغم أن قيام الدولة الليبية بشكلها الحالي لم يتم إلا في العام 1951، إلا أن الاندماج الاجتماعي يجعلك تعتقد أن الجميع يعرف الجميع، وأن بينهم روابط قرابة لا تنقطع أبدا.

بعد أكثر من شهر، وصل الرحّالة إلى غرب البلاد، قاطعا حوالي 1900 كلم، لكن مسلحين من مدينة الزاوية، من أولئك المنفلتين المتمردين على مبدأ السلام، اعترضوا طريقه في بوابة «العقربية» وهو متجه من مدينة الرجبان إلى مدينة الجميل المتاخمة للحدود مع تونس، واحتجزوه، وافتكوا منه أمتعته الشخصية، بما فيها هاتفه الجوال والهدايا التذكارية التي حصل عليها في طريق رحلته الطويلة، وأهانوه في موقف يؤكد أن الميليشيات لا تزال العقبة الكأداء في طريق السلام والمصالحة، والتهديد المباشر للحل السياسي ولخارطة الطريق التي اتفق حولها الداخل والخارج، ما عدا المستفيدين من استمرار الأزمة.

أدت تدخلات الأعيان والوجهاء إلى الإفراج عن الحبّوني، لكن جمله الذي كان يطلق عليه اسم «رفيق السلام» عقره المسلحون، وتم تداول فيديوهات نحره على مواقع التواصل الاجتماعي ما أثار سخطا شديدا لدى أغلب الليبيين.

جمل قبيلة الحبّون في طبرق، أو «رفيق السلام» كما سمّاه صاحبه، انتهى إلى بطون مسلحي ميليشيا «الفأر» الذين أعدّوا من لحمه أطباق الكسكسي والمبكبكة.

24