عقدة الحب في عيد الحب

حرب عربية على مواقع التواصل بسبب الاحتفاء بذكرى عيد الحب، إذ يقاتل كثيرون ليقنعوك بأن هذا العيد غريب عن العرب وأخلاقهم ودينهم، وأنه ذكرى لقديس مارق شذ عن أخلاق المسيحيين ووقع في الحب الحرام، فما بالك بأخلاق الإسلام والمسلمين.
بالتأكيد ليس مهما بالنسبة إليهم من أين جاءت هذه القصص، لكن المهم أن يقنعوك بأنهم حماة الدين والأخلاق، وأن على العرب أن يلتفتوا إلى تاريخهم ويحتفوا بأحداثه وتفاصيله ليخرجوا مما هم فيه من تخلف. كل هذا الكلام الكبير لأجل وردة، أو ضحكة من القلب.
لكن الحقيقة غير ذلك، فقد غرق العرب لعقود طويلة في تراثهم وشروحه وحواشيه، لكنهم لم يغادروا مربع التخلف والتيه، وظلوا يجترون الفتاوى الغريبة التي جلبت عليهم الهموم والسموم.
كل ما في الأمر أننا نكره أن نتواضع للحياة ونتصرف دون عقد ولا حسابات. فأنت حين تحتفل بعيد الحب، أو أي مناسبة خاصة صغيرة أو كبيرة، فأنت تحتفي بذاتك بعيدا عن عيون الناس وأمزجتهم وأحكامهم، هي لحظة خاصة بك تفتكّك منهم.
لا يمكن فهم هذا الهجوم على احتفائك بتفاصيلك الخاصة سوى ضمن فهم حقيقة تاريخ العرب وثقافتهم التي تريد أن تضع يدها على الحريات الخاصة بالناس؛ عليك أن تلبس على المقاس وتضحك وفق ضوابط وتتكلم بحساب وتنظر بحياء. أما هي فتتلصص عليك وتتسلل إلى ضميرك لتراقبه وتعزره وتجلدك فيما لو حدت قليلا عن حافة الطريق.
هي ثقافتنا هكذا، من يوم يومها، ثقافة تمنع أكثر مما تبيح، وتجز الرؤوس أكثر مما تسمح بالكلام الذي يخرج عن المسموح. وما هو مسموح بالأمس قد لا يكون مسموحا اليوم خاصة مع تزايد حراس الفضيلة.
أحيانا تغلّف ثقافتنا نفسها بالقبيلة والشرف، وأحايين بالدين والأخلاق، وأخرى بكراهية الآخر والتحذير من خطره على هوية هشة وفضيلة لا ترى نفسها إلا في المنع. ثقافة تعامل النساء كمصدر خطر داهم.
والعقدة من الغرب هنا أنه لا يهتم لتفاصيل الناس ولا يتتبع عوراتهم، ولأجل هذا يُقبل العرب على سينماته وحفلات نجومه ونجماته، ويمنون النفس بأن يزوروا مدنه الغارقة في الحرية، لكن حين يعودون إلى البيوت يلبسون جبة الواعظ المانع، فحياة السر غير حياة العلن، وما تبيحه لنفسك تمنعه عن غيرك، فأنت حارس فضيلة بوجهين متناقضين. وهنا مكمن أزمتنا وسر عدائنا للحياة.
يا ليت الذين أشبعوا الغرب لعنات في عيد الحب استفاقوا قبل هذا ورفضوا منتجاته التي لا يسوون شيئا دونها، والتي تملأ حياتهم بالطول والعرض. أوليس مفارقة أن تكون غربيا في تفاصيل حياتك، وتأتي على جزئية وتشبعها ذما وتخفي وراءها عجزك.