عقاب من التحالف الدولي وراء نهاية حقبة الكبير على رأس مركزي ليبيا

تعيين محافظ جديد بعد تلقي ضوء أخضر من عواصم إقليمية ودولية.
الأحد 2024/08/25
تعيين محمد الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي يعتبر انتصارا للمجلس الرئاسي

لم يكن قرار تغيير الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في ليبيا قرارا داخليا اتخذه المجلس الرئاسي بمفرده، بل أبرز تخلي العواصم الغربية المؤثرة في المشهد الليبي عن الرجل، بعد ترؤسه للمؤسسة المالية في ليبيا.

طرابلس - كشفت التطورات الأخيرة في ليبيا تخلي العواصم الغربية المؤثرة عن محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بعد أن كان إلى وقت يعتبر رجل واشنطن ولندن على رأس المؤسسة المالية السيادية الأكبر في البلاد.

وترى أوساط ليبية أن إقدام المجلس الرئاسي على إقالة الكبير وتعيين محمد الشكري محافظا جديدا بالاستناد إلى قرار صادر عن مجلس النواب منذ ديسمبر 2017، جاء بعد الحصول على ضوء أخضر من عواصم إقليمية ودولية مؤثرة في المشهد الليبي.

وأعلن علي شتيوي، عضو لجنة المجلس الرئاسي لاستلام وتسليم إدارة المصرف المركزي، أن المجلس الجديد لإدارة المصرف المركزي تسلم مهامه كاملة.

وقال إن مجلس الإدارة الجديد سيباشر عمله من مقر المركزي ابتداء من الأحد، مشيرا إلى أن محمد الشكري سيكون على رأس المجلس، محافظا للمصرف المركزي. وأردف أنه لم تعد للكبير أي علاقة بالمركزي، وفي حال اعتراضه عليه اللجوء إلى القضاء.

وبحسب مراقبين، فإن تنصيب الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي يعتبر انتصارا للمجلس الرئاسي ومن ورائه حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وهزيمة نكراء لمجلسي النواب والدولة اللذين كانا أعلنا رفضهما لقرار الرئاسي بتعيين الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي بدلا من الصديق الكبير.

المواقف المعلنة من الدول الغربية كانت تصب في مصلحة المجلس الرئاسي، وتحمل في ثناياها قرار الإطاحة بالصديق الكبير

وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة السبت أنها استلمت مهام تأمين مقر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، وقالت في بيان لها إن الاستلام جاء تنفيذا لتعليمات وزير الداخلية المكلف عماد مصطفى الطرابلسي وفق الاتفاق بشأن استلام مهام تأمين المقر، مشيرة إلى أن الاستلام جرى في حضور مدير أمن طرابلس ومدير الإدارة العامة للدعم المركزي ورئيس قسم شرطة النجدة بطرابلس.

وتم أثناء عملية الاستلام تنظيم جولة داخل مقر المصرف وتوزيع الدوريات وفق الخطة الأمنية الموضوعة لتأمينه.

وفي الأثناء تحدثت مصادر مطلعة عن مغادرة المحافظ المعزول الصديق الكبير الأراضي الليبية عن طريق معبر رأس جدير في اتجاه تونس بعد أن تأكد من وجود تيار قوي تتزعمه عواصم غربية وتهدف من ورائه إلى الإطاحة به بسبب ما رأى فيه البعض تحالفا بينه وبين سلطات المنطقة الشرقية.

وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري قد قالت في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الإثنين الماضي، إن قرار المجلس الرئاسي تغيير محافظ المصرف وتشكيل مجلس إدارة أحادي الجانب.

الإطاحة بالصديق الكبير من منصب محافظ ليبيا المركزي لا تختلف كثيرا عن الإطاحة بمصطفى صنع الله من منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط

 ويتغذى هذا التوجه من التصور القائم بأن محافظ المصرف المركزي لا يتصرف بشفافية ولا حكمة منصفة للشرق والغرب.

وفي بيان لها بعد قرار الرئاسي قالت بعثة الأمم المتحدة إنها تجري اتصالات مكثفة مع كافة الأطراف المعنية بهدف الوصول إلى حل سلمي للأزمة المتعلقة بالمصرف المركزي، كما عبرت عن رفضها لاستعراض القوة العسكرية في المناطق المأهولة بالسكان، محذرة من أن هذه التحركات تعرض حياة المدنيين وأمنهم للخطر، كما لم يعلن كالعادة عن بيان مشترك بين الدول الثلاث (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) وألمانيا وسويسرا للدفاع عن هذا الطرف أو ذاك. 

ولاحظ المراقبون أن بيانات صدرت عن سفارة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا لدعم موقف بعثة الأمم المتحدة، ولكن دون رفض.

وبدا واضحا أن تحالفا دوليا كان وراء عزل الكبير بشكل غير قانوني وغير دستوري، واعتمادا على قرار أصدره مجلس النواب قبل ست سنوات ثم ألغاه الأسبوع الماضي، بما يشير إلى أن قرار المجلس الرئاسي جاء بمثابة العقاب ضد الكبير لخطأ ما ارتكبه في نظر الأطراف الدولية السابقة التي كانت تدعمه طيلة توليه المنصب منذ نوفمبر 2011.

وبحسب المراقبين، فإن المواقف المعلنة من الدول الغربية كانت تصب في مصلحة المجلس الرئاسي، وتحمل في ثناياها قرارا حاسما بالإطاحة بالكبير الذي كان يعتبر قريبا من واشنطن ولندن قبل أن تقررا رفع الغطاء عنه لأسباب تتعلق بموقفه من حكومة الدبيبة وتعاونه مع النواب، بالإضافة إلى اتهامه من قبل سلطات طرابلس بالتورط في إغراق السوق بالأوراق النقدية المزورة المطبوعة في روسيا.

واعتبر المراقبون أن الإطاحة بالصديق الكبير من منصب محافظ ليبيا المركزي في أغسطس 2024 لا تختلف كثيرا عن الإطاحة بمصطفى صنع الله من منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في يوليو 2022 والتي أثارت جدلا واسعا آنذاك، لاسيما أنها جاءت من خارج التوافقات بين مجلسي النواب والدولة وتحققت باتفاق سري بين الدبيبة والقيادة العامة للجيش الوطني.

ولا يستبعد متابعون للشأن الليبي أن تكون الإطاحة بالكبير بداية مرحلة جديدة يسعى من خلالها المجلس الرئاسي لحل مجلسي النواب والدولة وفق مرسوم رئاسي تمهيدا للإعلان عن خارطة سياسية يتم التوافق بشأنها مع قوى داخلية وخارجية.

2