عشوائيات فيلم "ريش" تثير أزمة الوصاية على صورة مصر

القاهرة- في الوقت الذي تفاخرت فيه وزارة الثقافة المصرية بفيلم “ريش” الحاصل على جائزة النقاد في مهرجان كان واحتفت بصنّاعه لقي هجوما من البعض عقب عرضه في مهرجان الجونة بزعم أنه كشف جانبا من عورات المجتمع ممثلة في العشوائيات.
وتقدم المحامي سمير صبري الأربعاء ببلاغ إلى النائب العام وإلى نيابة أمن الدولة العليا في مصر ضد مخرج “ريش” وكاتب السيناريو والمنتج، معتبراً أن الفيلم “أساء إلى الدولة المصرية والمصريين”.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان عضو مجلس النواب أحمد مهنى تقديم طلب إحاطة في البرلمان موجها إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم بشأن عرض فيلم رآه “مسيئا إلى مصر ولا يقدم صورتها الداخلية الحقيقية ويساعد على تشويهها عالميا”، مطالبا بمحاسبة من تسببوا في خروج الفيلم إلى النور.

جلال نصار: إرضاء الحكومة على حساب الموضوعية يمس بالحريات
ويقول مراقبون إن من يجدف بقاربه ضد التيار السياسي في مصر ولو من باب الثقافة والسينما قد لا يضمن نجاته من انتقادات من يعتقدون أنهم أوصياء على الدولة والحفاظ على صورتها الرمزية.
وتدحرجت أزمة فيلم “ريش” مثل كرة الثلج وانتقلت من مهرجان سينمائي يعرض أفلاما متباينة تحوي وجهات نظر صناعها وأفكارهم وباتت أزمة سياسية، لأن الفيلم قدم صورة من قاع المجتمع على غرار أفلام سابقة مثل “حين ميسرة”، و”هي فوضى” أطلقت مبكرا تحذيراتها المجتمعية من خطورة تراكم ظاهرة العشوائيات.
وبدأت الأزمة عندما أعلن بعض الفنانين انسحابهم من العرض الخاص للفيلم في مهرجان الجونة الذي اختتم فعالياته الجمعة، اعتراضا على ما وصفوه بمشاهد سلبية عن مصر، مع أنهم اعترفوا بعدم مشاهدته كاملا، ونقلوا غضبهم المفتعل إلى العديد من الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو ما تفاعل معه الجمهور دون رؤية الفيلم.
وتؤكد الأزمة أن مزاج البعض من الفنانين دخلت عليه تغيرات كبيرة، وبات ملوثا بالسياسة أكثر من اهتمامه بالسينما وتقييم أعمالها على أسس فنية، فهناك اعتقاد بوجود فريقين، أحدهما مع والآخر ضد النظام الحاكم، وثمة فرز غير معلن يتم لكليهما تحدد نتيجته فرص نجاح أصحابه في العمل مع شركات إنتاج تديرها أجهزة تابعة للدولة.
وجاءت المشكلة في التعامل مع “ريش” ومؤلفه ومخرجه عمر الزهيري على أنه عمل سياسي وجرى تطبيق مقاييس الوطنية عليه واستخدام بعض صكوكها الشعبوية، كأن مصر خلت من العشوائيات وقضت تماما على مشكلتها، وأن مجرد فيلم يحمل وجهة النظر الفنية لصناعه قد يتسبب في تشويه ما يتم من إنجازات على الأرض.
وكشفت الأزمة عن ارتفاع أصوات قطاع من الشعبويين في مصر ومن يعتقدون أنهم أوصياء عليها، مقابل خفوت أصوات العقلاء ومن يريدون أن تزدهر قوتها الناعمة عبر الفن والثقافة ويراهنون على أن السينما من أهم هذه الأدوات.
وقال الإعلامي المصري جلال نصار إن اقحام السياسة في الفن يقود إلى تضليل الرأي العام لأن إرضاء الحكومة على حساب الموضوعية والمهنية والمنطق يكرس الاصطفاف الذي لا يقود إلى تحقيق تقدم ملموس على مستوى الحريات.
وأضاف لـ “العرب” أن كل نظام يرغب في تحسين أوضاع شعبه عليه فتح مساحة للإبداع الفني من دون تسييس القضايا المجتمعية، وما حدث من بعض الفنانين والمزايدين على مواقع التواصل لا يخرج عن كونه “متاجرة بالوطنية”، مع أنهم ليسوا مطالبين بالتجريح في عمل إبداعي لمجرد إثبات وطنيتهم.
ويقول متابعون إن التوظيف السياسي لأيّ عمل إبداعي يحتاج إلى عقول متفتحة، فالنظام المصري يمكنه أن يستثمر فيلم “ريش” لإظهار أن هذا الواقع موجود ويعمل حثيثا على تغييره من خلال مشروعات تنموية عملاقة تستهدف تحسين مستوى المعيشة والتخلص من العشوائيات المسيئة.
ويضيف المتابعون، إذا كانت أجهزة الدولة في مصر تعترف بوجود فقر وحياة بائسة وتعمل على تغييرها ببرامج اجتماعية طموحة، فلماذا ينتفض دعاة الوطنية، ومن خطأ إجبار منتج أو مخرج على تقديم عمل فني يلتزم بالخط السياسي حرفيا حتى لا يتحول العمل إلى منبر خطابي معارض أو مؤيد، فالنظام يملك آليات كثيرة يمكنه أن يظهر بها إنجازاته، ولو لم يكن الفن انعكاسا للواقع سيكون مطعونا في فائدته.
وأوضح نصار لـ”العرب” أن دعاة الوطنية المزيفة لو تمعنوا في محتوى الفيلم لوجدوا أنه يخدم النظام الحاكم ولا يشوه صورة الدولة بدليل أن لجنة الرقابة الفنية لم تمنعه، وهذا يُحسب للنظام وأدواته حيث يملك مشروعات كبرى يحاول بها محو الصورة السلبية التي يتحدث عنها فيلم “ريش”، فمن أين يأتي الاتهام بتشويه الصورة.