"عشبة ومطر" للإماراتية وداد خليفة دعوة للعودة إلى الجذور العربية

الهوية والانتماء في مواجهة التكنولوجيا والتطورات السريعة.
الجمعة 2024/02/09
العربية هوية وانتماء (لوحة: خالد الساعي)

في آخر إنتاجاتها الروائية، تسافر بنا الكاتبة وداد خليفة إلى خبايا الأسر الإماراتية واجتهادها للحفاظ على هويتها في مواجهة العولمة والانفتاح، من خلال حكاية “عشبة ومطر” التي تشدد على أهمية الاعتزاز بالهوية والمحافظة على الانتماء للعائلة والوطن والمجتمع.

عن دار العين للنشر في القاهرة، صدرت الرواية الثالثة للكاتبة الإماراتية وداد خليفة بعنوان “عشبة ومطر”.

وقدمت الكاتبة الإماراتية لروايتها الجديدة بالقول إن “الرواية هي ذاكرة إنسان بريء من عنف السياسة والمال والاقتصاد عاش على صدر شواطئ وطنه حالما بكسرة عنفوان، غامر مع أمواج بحره ليرى اليقين، وتوجه للصحراء ليلبس لغة الضاد وجاهد ليبقى صوت الإيمان بذاكرته مسارا للنور، ولكن هاجمه الموت وذهب ليقين آخر”.

حصرت الكاتبة شخصيات روايتها بعدة أبطال هم  شخصية عشبة وشخصية مطر وشخصية المربية تيريزا التي اعتبرت جزءا من العائلة، وأعطت لكل شخصية فصلا كاملا لتقدم نفسها، ولكن بترابط جميل ومشوق يعكس مدى وضوح رؤية الكاتبة للحياة وفهمها بشكل يفاجئ القارئ ويجعله يتضامن مع تلك الشخصيات، ليتابع مسيرتها ضمن مسار واقعي ذي بعد قومي وعربي.

"عشبة ومطر" رواية وطنية حملت الحلم العربي منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 ونقلت صدق مشاعر الشعوب العربية
"عشبة ومطر" رواية وطنية حملت الحلم العربي منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 ونقلت صدق مشاعر الشعوب العربية

“الزمان لا يحتمل إلا إثنين تناغما وتعانقا، رغم أنهما ضدان”. حول هذه الفكرة تدور معظم الروايات وعلاقات شخوصها ببعضهم البعض. فشخصية مطر، وهذا اسمه، شاب تربى على المثل والأخلاق العربية وعلى الاعتزاز بهويته ولغته رغم تخرجه من جامعة  كامبريدج  البريطانية”.

لم ينس الشاب وصايا والدته عشبة التي كانت تحثه دائما على التشبث بالانتماء لجذوره وهويته العربية والخليجية: “حافظ يا مطر على نخلتك، إنها نخلة مرصعة بالزمرد، مثقلة أعذاقها بالياقوت، تربتها قلبك، يراها غير الناطقين بالعربية ولا تراها أنت. إنها تسكن قلبك، تتغذى بوجدانك وانتمائك واعتزازك، كلما تمسكت بلغتك واعتززت بها، ازداد اخضرار زمردها وكبرت أعذاقها”.

ويتضح لنا بتواتر أحداث الرواية أن مطر باحث في الآثار وتاجر، يعمل في بيع واقتناء الآثار، يقدر قيمتها لأنها تختزل تاريخا مهما. كان يهوى جمع الآثار والمقتنيات القديمة (الأنتيكة) ويبحث في تاريخها وحكايات الأيدي التي صنعتها، لم يتعامل مع تلك القطع كتاجر بل كعاشق لها.

أما عشبة والدة مطر والتي كانت تدعوه بـ”ماء السماء”، فربته صغيرا كما أراد له والده قبل أن يرحل عنه صغيرا، زرعت فيه قيم الانتماء والاعتزاز بهويته والمحافظة عليها، عاشت كل مراحل التغيرات والحروب في الوطن العربي وكانت قضية فلسطين هاجسها متابعة كل تطوراتها.

ظلت هذه الأم متمسكة بعروبتها معتزة بها تتفاعل مع المتغيرات السياسية في الوطن العربي منذ زمن الرئيس جمال عبدالناصر في مصر، وصولا إلى اتفاقيات كامب ديفيد وانعكاس ذلك على كل المنطقة العربية، وكذلك قيام اتحاد الإمارات العربية وما طرأ من تغيرات في المجتمع الإماراتي بعد إعلان تأسيس الدولة على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واستقدام الهنود وغيرهم من جنسيات للعمل في الإمارات، وتأثير ذلك على المجتمع الإماراتي من خلال هؤلاء الوافدين الحاملين معهم ثقافتهم ولغتهم، وانعكاس ذلك حتى على اللغة العربية التي اقتحمها هؤلاء وأدخلوا بعض مصطلحاتهم عليها وعلى المجتمع الإماراتي.

أما شخصية تيريزا، فهي معينة منزلية ومربية هندية لدى عائلة مطر، لعبت دورا في تربية الشاب مطر. أتقنت المربية اللغة العربية التي حرصت الوالدة عشبة على ترسيخها، صارت تنتمي للعائلة بحبها لهم، تتفانى في خدمتهم وتدخل البهجة إلى البيت رغم حزنها على ابنتها التي أنكرتها لأنها تعمل خادمة، عملت جاهدة لتكمل ابنتها دراستها في كلية الطب وتخرجت منها طبيبة تعمل في أرقى مشافي لندن، لكن تيريزا بعد نكران ابنتها لها وجدت في عائلة مطر ما يخفف عنها هذا الفقد، خاصة أن تيريزا تتمتع بثقافة لا بأس بها مما أهلها لفهم محيطها والتفاعل معه إلى أن صارت جزءا منه.

دعوة للحفاظ على الذات والهوية وإحياء لغة الضاد التي باتت مهددة خاصة بعد التطور التكنولوجي السريع

ويمكن أن نقول إن رواية “عشبة ومطر” رواية وطنية عربية حملت الحلم العربي منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، ونقلت بشفافية صدق مشاعر الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية إيمانا من الكاتبة بالانتماء العربي والهوية العربية.

رواية “عشبة ومطر” صرخة فيما تبقى من ضمير عربي حي، ودعوة للأجيال القادمة للعودة إلى جذورهم العربية، ودعوة للحفاظ على الذات والهوية وإحياء لغة الضاد التي باتت مهددة خاصة بعد التطور التكنولوجي السريع، لكنها لا تغلق نوافذ التغير ورياحها شرط ألا يقتلعنا من جذورنا ونصبح شعوبا هجينة لا هوية لها ولا انتماء.

ويجدر بنا أن نشير إلى أن وداد خليفة جمعة النابودة المولودة في الإمارات العربية المتحدة، حاصلة على بكالوريوس علوم إدارية وسياسية في جامعة الإمارات. عملت في مجال التربية والتعليم لمدة حوالي 18سنة، ثم انتقلت إلى الإدارة المدرسية لخمس سنوات. وهي حاصلة على عدد من الجوائز المهمة منها جائزة خليفة للمعلم، لعام 2000، وجائزة حمدان بن راشد للأداء التعليمي المتميز لعام 2003.

لدى الكاتبة عدد من المؤلفات، منها كتاب بحثي بعنوان: تاريخ الخليج العربي، بالاشتراك مع د.راشد أبوزيد، عام 1998. وكان قد صدر للروائية وداد خليفة رواية “زمن السيداف” بجزئيها الأول والثاني ورواية “خبايا اللال” رواية توثق تاريخا من الأطماع والنزاعات وسط الرمال.

14