عشاق الوزن الثقيل وعشاق الوزن الخفيف

إذا لم تكن واحدا من الملايين التي تعاني المجاعة، وكنت تعيش على خط الفقر، فأنت غالبا تعاني من الوزن الزائد أو السمنة.
حتى وقت قريب، اعتبرت السمنة علامة على الصحة والوفرة والثراء. المصريون واليونانيون والرومانيون القدماء اعتبروا السمنة مظهرا من مظاهر الصحة والرفاهية. وفي أوروبا، خلال العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر، كان الأثرياء يرون بالجسم الممتلئ دليلا على الثروة.
وبما أننا تحدثنا عن القرن التاسع عشر، لا بد من ذكر الفنان الفرنسي الشهير بيير أوغست رينوار، الذي لقب بالفنان السعيد لتركيزه على رسم مشاهد الحياة اليومية السعيدة، محتفيا بالجمال والحسية الأنثوية في أعماله التي رسم فيها نساء ممتلئات، وكان يرى في أجسادهن رمزا للجمال والصحة والثراء.
وتقدّم الأقوام العربية بمجملها البدانة على النحافة، وتعتبرها معيارا جماليا صحيا. فالسمنة “تغفر الخطايا السبع”، وإن كانت العبارة تُنسب إلى هكتور بيرليوز، المؤلف الموسيقي الفرنسي من القرن التاسع عشر، الذي عرف بحسّه الفكاهي ورؤيته الفلسفية. فقد قال هذه العبارة للتعبير عن وجهة نظره بأن السمنة كانت تعتبر دليلا على الصحة والثراء في بعض الثقافات.
وإلى وقت متأخر من القرن العشرين، كانت الأمهات في الدول العربية حريصات عند اختيار زوجة لأحد أبنائهن أن يخترن الممتلئة والمكتنزة، ويشحن بوجوههن عن الرشيقة، وتعتبر نحافتها دليلا على مرض أو معاناة من مجاعة. وكان أمرا مقبولا أن تطلب الأم رفع ملابس الفتاة المرشحة للزواج من ابنها حتى تتأكد من عدم وجود غش؛ وأن تكون الفتاة لبست ملابس فوق بعضها لتظهر بمظهر السمينة مثلا.
في سوريا ولبنان، دافعت النساء عن الرشاقة بمثل يقول: “الرقّ للغزلان، والنصاحة للكدشان”. وبلغة يفهمها الجميع، أن الرشاقة للغزلان والسمنة للخرفان.
الحرب المستعرة بين عشاق الوزن الثقيل وعشاق الوزن الخفيف، حُسمت لصالح عشاق الرشاقة والنحافة. فبعد أن كانت الفتيات يحتلن للظهور بمظهر السمنة، دخلن في إضراب مرضي عن الطعام للتشبه بعارضات الأزياء، لينتهي الأمر بهن ضحايا “فقدان الشهية العصبي” أو “الأنوركسيا”. ومن أعراضه خوف غير عقلاني من زيادة الوزن، وإدراك مشوّه لوزن الجسم. فالفتيات المصابات بهذا المرض قد يحرمن أنفسهن من الطعام ويعانين من خسارة كبيرة في الوزن.
والمعركة التي حُسمت جماليا لصالح الرشاقة، حسمها العلم كاشفا عن مضار السمنة، التي تعتبر في الوقت الحاضر قضية صحية خطيرة تتطلب الوعي والاهتمام. وقبل كل ذلك تتطلب النقود.
ورغم انتصار عشاق الرشاقة على عشاق الوزن الثقيل، تشير دراسة جديدة، نشرتها مجلة طبية محترمة هي لانسيت، إلى ما أسمته “فشلا اجتماعيا مهولا” في معالجة مشكلة السمنة التي من المتوقع أن يعاني منها أكثر من نصف البالغين ونحو ثلث الأطفال واليافعين بحلول عام 2050.
هذه النسبة تعني أن أكثر من 3.8 مليار بالغ و746 مليونا من الأطفال واليافعين سيقعون ضحايا وباء السمنة التي يربط العلماء بينها وبين مشكلات صحية خطيرة مثل داء السكري وبعض أنواع السرطان وأمراض القلب.
وبعد أن كانت السمنة في الماضي دليلا على الثراء وحسن التغذية، أصبحت اليوم مرتبطة بالفقر ومظهرا من مظاهر سوء التغذية.