عرض مسرحي سوري يبحث عن قاتل شكسبير من بين شخصياته التي كتبها

"ما لم يكتبه شكسبير" صراع جديد بين شخصيات المسرحي الإنجليزي.
الاثنين 2023/06/12
شخصيات أنهكها الألم

في لعبة مسرحية مشوقة وضمن عرض تخريج طلبة جديد لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قدم عرض جديد بعنوان “مالم يكتبه شكسبير”. حمل العرض حكايات شخصيات ألفها شكسبير ويعرف الجمهور جزءا من مصائرها، ولكن بروح مغايرة وتصورات معاصرة.

“تعال يا شكسبير/ تعال وطهرنا من جميع آثامنا/ تعال وأعد صياغة مصائرنا/ تعال وأعد لنا رشدا فقدناه لكثرة آلامنا/ تعال وأعد كتابتنا/ تعال أعدنا صحائف بيضاء تنضحُ طهرا ونقاء/ تعال فقد اكتفينا ظلما وطغيانا وسفكا للدماء/ تعال فقد مزقنا اختلافنا وفرقتنا أعراقنا/ تعال فقد أمسينا أضحوكة للدهر وقتلتنا آمالنا”.

نداء تطلقه شخصيات أنهكها الألم واعتصرتها لحظات نزف روحي أطاحت باتزانها وغدت ذرات ضعيفة تتخاطفها الريح، شخصيات كانت متخيلة لكنها غدت بملامحها التراجيدية وبعد أزمنة الوجود من لحم ودم. من لا يعرف ماكبث وعطيل ولير وهاملت وأوفيليا وجولييت وروميو وحتى حفار القبور وريتشارد عند الكاتب شكسبير. كل هؤلاء اجتمعوا ليعرضوا أمامنا آلامهم ويطلقوا نداءاتهم علهم يصلون إلى مرحلة التطهير الروحي المشتهاة.

شخصيات شكسبير

العرض استطاع تفجير علاقات حية مبتكرة بين شخصيات شكسبير التي جمعها في ظرفي مكان وزمان استثنائيين
العرض استطاع تفجير علاقات حية مبتكرة بين شخصيات شكسبير التي جمعها في ظرفي مكان وزمان استثنائيين

“ما لم يكتبه شكسبير” عرض قدمه المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لتخريج طلاب دفعة هذا العام، وقدم على المسرح الدائري. عنوان العرض مباغت يحمل الدهشة والتشويق. بداية تنوس بين الواقعي المعاصر والتأريخي عندما يطلب مخرج من مجموعة ممثلين التجهز لبداية بروفة لعرض مسرحي، وما هي إلا لحظات حتى نرى أربع عشرة شخصية حول طاولة كبيرة تقرأ حوارات شخصياتها.

في الحالة المفترضة التي يقدمها العرض ثمة سؤال كبير من صاحب هذه الدعوة إلى هذا المكان ولماذا لا يكتب اسمه عليها ولماذا تغيب إحدى الشخصيات عن الحضور، ويبدأ النقاش والجدل. وما هو إلا وقت بسيط حتى تبدأ سلسلة الأحداث بالتصاعد شيئا فشيئا وصولا إلى درجة الصخب الهستيري الذي يتشكل حول كل الشخصيات ويصل العرض إلى عصف أحداث يطرح تساؤلات في الشرف والعفة والخيانة والحب والغدر والفقدان وغيرها من بواطن النفس العميقة.

خمس عشرة شخصية مسرحية ألفها شكسبير تنتمي إلى فئات وشرائح وأديان تختلف وتأتلف تتصارع وتتقارب تضعها الفرضية كلها في مسار مقيد. شكسبير مات مقتولا من قبل إحداها وستبقى روحه هائمة حتى يقتص من القاتل. لتبدأ جذوة الصراع بالتوقد ومع دخول ريتشارد يكون الصراع قد بلغ ذروته باتهامه بالقتل كونه من استطاع فتح الباب المقفل من الخارج.

يخلق النص الذي كتبه خالد النجار ذروة درامية غاية في العلو، فالجميع محكومون بأن يجدوا القاتل لكي ينجوا بأنفسهم من جحيم الانتظار والخوف، لتبدأ رحلة المكاشفات والبوح الداخلي ونتعرف من خلالها على تفاصيل عنها وعن مسارات درامية جديدة تخصها أوجدها النص بشكل جديد مباغت حيث ربطها بشكل جدلي يقدم ذرى درامية تتقدم بالحدث المسرحي نحو الأمام والأعلى.

 فرضية العرض الخاصة وضعت شخصيات مسرحية تاريخية في سياق أحداث متأرجحة نعرف بعضا منها ونجهل بعضا آخر هو الجديد الذي أوجده النص. وكأن الكاتب قدم شخوصا في إطار غير منضبط فيما يعادل التقاسيم الموسيقية التي تخرج عن الوزن وتقدم في النهاية موسيقى.

 تميز العرض بحضور حالة الجسد بأعلى حالاتها، فالممثلون ملأوا المكان حركة وصخبا وهم يتجولون حتى في ممراته وأدراجه وشاركوا الجمهور بحيز من المسرح الذي كان ممتلئا على آخره. كما ظهرت حالات عديدة في المبارزة بالسيوف حيث أداها الممثلون بنجاح. سرعة الحدث والتوتر الذي كان في بعضها أوصل بعض الممثلين لأخطاء في اللغة الفصحى التي تشكل منها النص ووجود المشهد النهائي تحت شلال الماء في إشارة إلى التطهير كان موحيا.

مغامرة وجمهور نخبوي

أداء مسرحي يعانق العالمية
أداء مسرحي يعانق العالمية

ينطلق عروة العربي المشرف على عرض التخرج وصاحب الفكرة من مفهوم أن عروض التخرج لا تتجه نحو الجمهور العام إنما هي عروض نخبوية يتم فيها طرح أفكار بشكل خاص ومن خلال سوية أداء محددة لا تلائم القاعدة العريضة من الجمهور العادي. وهو يرى أن عرض التخرج يجب أن يقدم مساحات زمنية متساوية لكل المتخرجين. ويراهن في تجربته الأحدث في الإشراف على دفعة خريجين أنهم موهوبون استطاعوا بعد سنوات طويلة من الجهد والتعب أن يقدموا عرضا مسرحيا عالي المستوى يؤشر إلى مدى تمكنهم من مهاراتهم.

يتابع العربي فيكتب “عندما نقدم نتاج أي تجربة فنية من الطبيعي والبديهي جدا أن نتلقى المديح والذم القبول وعدم القبول الحب وعدم الحب أن نتلقى الكثير من الملاحظات إيجابا أو سلبا. وبالتأكيد كل هذه الآراء تعنيني وتقدم لتجربتي وتطورها. ولكن ما يعنيني أولا هو متعة خوض التجربة روحها شغفها عمق بحثها عصفها الذهني وما فيها من حب. تجربة ورحلة ‘ما لم يكتبه شكسبير’ كانت غنية بكل ما ذكر وتحديدا بأنها تجربة عمل وبحث مع طلاب ممثلين بطاقاتهم وشغفهم وبحثهم وأحلامهم وآمالهم والكثير من أحزانهم وأوجاعهم وقلقهم وهموم حياتهم”.

وتابع “سئلت يوما لماذا تحب تدريس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية؟ أجبت: لأنني أتعلم من الطلاب، لأن الطلاب يعيدون إلى روحي ألقها. وهذا ما كان في تجربة ‘ما لم يكتبه شكسبير’ من تأثير على روحي وعقلي. شكرا للمسرح وسحره وشكرا للمعهد العالي للفنون المسرحية ولطلاب هذه الدفعة المجتهدين والشغوفين الحالمين، أحبكم فردا فردا وأتمنى لكم النجاح والتوفيق في حياتكم المهنية. ‘ما لم يكتبه شكسبير’ صنعت بحب”.

يمثل عرض تخرج طلاب التمثيل حدثا مسرحيا سنويا هاما كونه يأتي بعد أربع سنوات من العمل الجدي والمتعب بين الطلاب والمعهد بكل كوادره لكي تكون النتيجة تخريج عدد جديد من الطلاب الذين يدخلون بعد العرض مرحلة الاحتراف المهني. العادة أن يحمل عرض التخرج سمات خاصة، منها الشكل النهائي الذي يطرح حالات إنسانية عميقة تقارب بل وتتماهى مع حالة التراجيديا التي تحيط بالإنسان، كما تغلب على عروض التخرج أنها طويلة الزمن حيث تقارب الثلاث ساعات لأنها معنية بتقديم مساحات زمنية لكل الخريجين بأزمنة متقاربة.

إحياء خمس عشرة شخصية مسرحية ألفها شكسبير تنتمي إلى فئات وشرائح وأديان تختلف وتأتلف تتصارع وتتقارب
إحياء خمس عشرة شخصية مسرحية ألفها شكسبير تنتمي إلى فئات وشرائح وأديان تختلف وتأتلف تتصارع وتتقارب

يقدم عرض التخرج كل الخريجين للجمهور في أحسن حالاتهم، على أن خيار القائمين على هذا العرض توجه نحو اختصار الزمن إلى النصف تقريبا. كذلك فإن جمهور عروض التخرج يكون دائما كبيرا، لأنها تجتذب أهل وأصدقاء كل خريج أو خريجة وكذلك فإن عددا من أهل الفن والإعلام وصناعة الدراما يحرصون على حضور هذه العروض للتعرف على الطاقات الفنية الجديدة التي ستكون في سوق العمل.

وكتب الليث حجو المخرج التلفزيوني الشهير الذي يحضر عروضا مسرحية وسينمائية مختلفة في سوريا بعد مشاهدته العرض “دائما ما كان للمعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا الفضل الأساسي في النجاحات الكبيرة التي حققتها الدراما من خلال الكوادر الفنية الهامة التي رفد بها المعهد هذه الدراما منذ تأسيسه حتى اليوم. بعد مشاهدتي أمس لعرض تخرج طلاب السنة الرابعة – قسم التمثيل، لا يمكنني إلا أن أتمنى لهذه الطاقات الهائلة أن تستمر وتتألق متجاوزة كل العقبات والصعوبات التي يمكن أن تواجهها ضمن شروط إنتاجية فنيا وماديا مجحفة أحيانا ولا توازي هذه الطاقات الجميلة”.

وتابع “لا خوف على الدراما السورية طالما وجد كل هذا الحب والشغف والإيمان بهذه المهنة وما تحمله من مسؤولية فكرية وأخلاقية وإنسانية، فكما أنجزتم نصكم ومشروعكم بهذا الحماس والحب، فلا شك سوف تصنعون المزيد من الإنجازات في ‘درامانا’ التي نحب ونفتخر بكم وبها. شكرا المعهد العالي للفنون المسرحية وكل من عَمِل ودرس به. شكرا طلاب السنة الرابعة، شكرا صديقي الأستاذ والمخرج المجتهد عروة العربي”.

أما هشام كفارنة المخرج المسرحي الشهير، وبعد تفاعله مع العرض، فإنه يرى فيه تجربة مبتكرة قدمت طاقات فنية خلاقة، وكتب “إنه بحث جاد انطلاقا من نصٍ محكم البناء صِيغَ بدراية وذكاء واستطاع تفجير علاقات حية مبتكرة بين شخصيات شكسبير التي جمعها في ظرفي مكان وزمان استثنائيين، وصولا إلى تحقيق الاستحواذ على تلق راق من قبل الجمهور عبر حلولٍ مشغولةٍ بحذق ومهارة تتناسب مع إمكانيات الطلاب واستعراض مبرر لمهاراتهم الجسدية المتقاربة رغم وجود بعض التفاوت الطبيعي عبر فضاء بسيط معبر استوعبهم وقد سخرت عناصره لخدمة المشهدية وانتهاء بمشهد السعي إلى التطهير الأرسطوي تحت المطر الذي يمحو الذنوب ويغسل القلوب، مع عاصفة تصفيق الجمهور.. وتصفيقي الحار بالقلب واليدين”.

“ما لم يكتبه شكسبير” عرض مسرحي مرتجل عن مجموعة نصوص مسرحية للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير قدم كعرض تخرج لدفعة العام 2023 من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق. صاغ فكرته وأشرف عليه عروة العربي بالتعاون مع حسن دوبا عن نص ألفه خالد النجار. تخرج فيه: باسل عنيد، براء بدوي، تيما الغفير، جعفر مصطفى، حسن كحلوس، خالد النجار، شيراز لوبيه، عمر نورالدين، فارس جنيد، لانا الحلبي مازن الحلبي، مراد أنطاكية، مرام إسماعيل، ميرنا المير وورد عجيب.

13