عبير موسي زعيمة الحالمين بجمهورية تونسية ثالثة

بعد أشهر قليلة من الإطاحة بنظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي قرر القضاء حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي. حينئذ ظن أنصار النظام السابق قبل خصومه أن صفحة الدستوريين أو “الدساترة” كما يعرفون محليا، قد طويت وإلى الأبد.
في تلك الأيام “الثورية” الصاخبة لم يكن أحد باستطاعته الدفاع عن الحزب العريق الذي كان له الفضل في بناء تونس الحديثة وساهم بقوة في حصول تونس على استقلالها من فرنسا، لكن ذلك لم يدم طويلا، حيث تم في 2013 الإعلان عن تشكيل الحركة الدستورية التي تحولت في ما بعد إلى الحزب الدستوري الحر بقيادة المحامية عبير موسي التي نجحت خلال فترة قصيرة في إعادة هيكلة الحزب في مختلف مناطق البلاد حيث تم تركیز أغلب الجامعات للحزب في كل المحافظات، واستكملت مختلف الدوائر الخاصة بالحزب في أغلب المدن.
موسي تقول اليوم بكل ثقة إن الحزب الدستوري الحر “سیكون حزبا منافسا في الاستحقاق الانتخابي المقبل”، مذكّرة بأن حزبها خاض غمار الانتخابات المحلية الماضیة بقائمات في 31 دائرة بلدية ونجح في 28 منها وتصدر القائمات الفائزة في دائرتین اثنتین. وقالت مرارا إن “الحزب الدستوري الحر سيحتفل بمئوية تأسيسه سنة 2020 والدساترة في الحكم”.
بانتظار الاستحقاق الانتخابي
في الحقيقة إن هذا النجاح الذي حققته في زمن قياسي يعود إلى المناصب التي تولتها موسي داخل الحزب في السنوات القليلة التي سبقت سقوط النظام، حيث تولت عام 2009 منصب الأمينة العامة المساعدة للتجمع الدستوري الديمقراطي مكلفة بشؤون المرأة، وعبير موسي متحصلة على الأستاذية في الحقوق وعلى شهادة الدراسات المعمقة في القانون الاقتصادي وقانون الأعمال وهي محامية لدى محكمة التعقيب.
ولدت موسي في مارس 1975، بمدينة جمال التابعة لمحافظة المنستير مسقط رأس الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، الذي يتهمها كثيرون بتقليده.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فبراير الماضي فيديو لموسي وهي تركب الحصان، حيث تم استقبالها على أنغام الطبل والمزمار وهو تقليد كثيرا ما اعتمده بورقيبة في الاجتماعات الشعبية، كان ذلك خلال افتتاحها لفرع جديد لحزبها في مدينة القلعة الكبرى التابعة لمحافظة سوسة.
واليوم تتصدر موسي نتائج سبر الآراء، حيث احتلت في مارس الماضي المرتبة الرابعة ضمن الشخصيات الأقدر على تولي منصب الرئاسة، للمرة الأولى منذ تأسيس حزبها. ولفت دخول موسي لهذا السباق الانتخابي الافتراضي انتباه المتابعين للشأن السياسي التونسي، وعزز الحديث عن تزايد شعبيتها نتيجة تحركاتها السياسية والإعلامية.
خصومة مرّة مع النهضة
تعرف موسي بمواقفها المناوئة لحركة النهضة الإسلامية التي تحرص على الإشارة إلى رموزها بـ”الخوانجية” وهي التسمية التي كانت تطلق على الإسلاميين خلال عهد بن علي.
وتحمل موسي حركة النهضة مسؤولية ما حل بتونس من أزمات منذ 2011 وتتهمها علانية بدعم الإرهاب، حيث لم تتردد في رفع قضايا وشكاوى ضد رئيس الحركة راشد الغنوشي وعدد من القيادات الأخرى بتهمة دعم تنظيمات متطرفة وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر.
وقالت في تصريحات إن مصطلح “الإسلام لا يتنافى مع الديمقراطية”، مصطلح فضفاض ولا أساس له من الصّحة ولا يمكن أنّ يخلف إلا نموذج مدرسة الرقاب، في إشارة إلى المدرسة القرآنية التي أثارت جدلا الفترة الماضية. وانطلاقا من هذه المواقف باتت موسي خيار التونسيين الرافضين للمشروع المجتمعي لحركة النهضة الإسلامية، لاسيما بعدما “خيب نداء تونس” آمالهم بالتحالف مع الحركة الإسلامية. ويرى مراقبون أن الحزب الحر الدستوري قد يكون بديلا حقيقيا لحزب نداء تونس خلال الانتخابات التشريعية القادمة في مواجهة حركة النهضة.
ويعتقد هؤلاء أن موسي كانت أكبر المستفيدين على الساحة السياسية من فضيحة الجهاز السري لحركة النهضة الذي كشفت عنه هيئة الدفاع عن المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين جرى اغتيالهما في 2013. ووجهت الهيئة اتهامات مسنودة بأدلة تدين حركة النهضة في عملية الاغتيالات.
ووظفت موسي هذا الملف إضافة إلى ملف مدرسة الرقاب القرآنية التي أغلقتها السلطات بتهمة تلقين الأطفال أفكارا متشددة.
وتعهدت عبير موسي في صورة فوزها بالأغلبية الساحقة في الانتخابات التشريعية بعدم التحالف مع حركة النهضة وهو ما يصفه بعض الخبراء بغير الواقعي باعتبار أن قانون الانتخابات الحالي لا يسمح لأي حزب بتحقيق فوز ساحق. ويرى هؤلاء أن التحالف مع حركة النهضة التي تتصدر نتائج سبر الآراء المتعلقة بالانتخابات التشريعية، أمر حتمي لتشكيل حكومة ائتلافية.
وترد موسي على تلك الآراء بالقول “إن الحزب الدستوري الحر سيتحالف مع الشعب التونسي من أجل كنس منظومة ربيع الخراب” في إشارة إلى حركة النهضة.
شخصية خطرة
يدرك خصوم موسي من اليساريين والإسلاميين معا، أنها باتت تشكل خطرا حقيقيا عليهم، لذلك اتفقوا على محاربتها إعلاميا بتوجيه اتهامات الشعبوية والإقصاء وغيرها.
أن يهاجم الإسلاميون واليساريون أيضا موسي أمر عادي أما أن تتعرض لحملات تشويه أكبر من قبل شخصيات وأحزاب محسوبة على نظام بن علي فذلك ما يثير الاستفهام والاستغراب. لا يتردد محمد الغرياني آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي، حزب بن علي، في وصف خطاب موسي بالمنحرف وبأنه لا يمثل العائلة الدستورية، مضيفا أن الحزب الدستوري الحر ينشط ضد المنظومة الحالية رغم أنه مستفيد منها سياسيا وإعلاميا.
ويرى الغرياني أن موسي تستفيد من تداعيات وصعوبات المرحلة الانتقالية، مبيّنا أنه في كل الديمقراطيات يجد الخطاب الشعبوي نسبة معينة من التعاطف لأنه يستثمر في الآلام الاجتماعية والاقتصادية دون تقديم حلول.
وتعيش تونس منذ “الثورة” أزمة اقتصادية وأرهقت سياسات الحكومة لتجاوزها التونسيين الذين بات عدد لا بأس منهم يحن للنظام السابق حيث كان مستوى المعيشة أفضل، إضافة إلى الوضع الأمني المستتب وغياب مظاهر التشدد الديني الذي تتهم النهضة بالوقوف وراءه.
رافضة للمرحلة كلها
بالنسبة لموسي الحل هو في عودة نظام رئاسي قوي بدل البرلماني المعدل، لحماية الوطن من الاختراق الخارجي ولتنمية البلاد عبر استرداد هيبة الدولة ومكانتها التي ضاعت بعد سيطرة الإسلاميين على مفاصلها. ويرى أنصار موسي أن النظام البرلماني المعدل الذي جاء به دستور 2014 قاد إلى إضعاف أداء مؤسسات الدولة وسلطة القرار نتيجة اختلال التوازن بين صلاحيات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان في وقت تحتاج فيه تونس إلى سلطة قوية تقطع مع سياسات الأيادي المرتعشة، في معالجة الأوضاع العامة.
لا تعترف موسي بالقوانین الصادرة في المرحلة الماضیة، بما في ذلك القوانین التي صادق علیها البرلمان في السنوات القلیلة الماضية، خاصة قانون الجماعات المحلیة الذي “يعد في ظاهره داعما للامركزية والمبادرة الحرّة، لكنه يؤسس لتفكیك مؤسسات الدولة. ولا تقف عند تعديل الدستور، بل تقترح دستورا جديدا للمرور إلى الجمهورية الثالثة.
وفي 9 أبريل الحالي الذي يوافق العيد الوطني للشهداء، نظم الحزب الدستوري الحر مسيرة تحت عنوان “دستور جديد للمرور إلى الجمهورية الثالثة”.
وتؤكد موسي أن حزبها لن يرضى بالوضع المتردي في البلاد، وأنّ أنصاره لن يفرطوا في سيادة تونس واستقلالها بعد أن أصبحت رهينة لإملاءات صندوق النقد الدولي.
وتشدد على أن الحزب يعمل حاليا على الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر القادم، للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس نواب الشعب، ثم تمرير مشروع الدستور الجديد.