عبير ضحية الكسل النسوي أم الذكورية المستباحة؟

الأحزاب التقليدية تقف حائطا منيعا أضعف من عزيمة المرأة على المطالبة بأبسط حقوقها، ودفع بالذكورية نحو المزيد من التسلط.
الأحد 2025/01/05
المرأة تعاني قانونيا واجتماعيا وذهنيا

صرّحت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون، في أحاديث سابقة بأن المرأة اللبنانية حصلت على جزء من حقوقها، وقد أنجزت تعديلات في القوانين تنصفها إلى حد ما، منها قانون تجريم التحرش الجنسي، وتعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون حق المرأة اللبنانية بنقل جنسيتها إلى أولادها.

ويتّضح من تصريح رئيسة الهيئة الوطنية مدى معاناة المرأة قانونيا واجتماعيا وذهنيا في المجتمع اللبناني للحصول على حقوقها. لهذا لم يعد مستغربا تلك القصص الحزينة مثل مقتل الإعلامية عبير رحال، القضية التي تخرج إلينا يوميا لتحدثنا عن السلطوية الذكورية بحقّها، والتي في الكثير من الأحيان تنتهي هذه القصص بقتل الضحية.

وشهدت منطقة إقليم الخروب جنوب العاصمة اللبنانية، ظهر الخميس السادس والعشرين من ديسمبر الماضي، جريمة مروّعة أودت بحياة الإعلامية عبير رحال، وذلك على يد زوجها خليل مسعود إثر خلافات شخصية ومالية بين الطرفين.

ووقعت الجريمة على مقربة من محكمة شحيم الشرعية، حيث أطلق الزوج النار على عبير من مسافة قريبة مما أدى إلى وفاتها على الفور. ولاحقا عثرت القوى الأمنية على جثة خليل داخل سيارته في منطقة معينة، حيث أقدم على الانتحار بإطلاق النار على نفسه بمسدس حربي.

لبنان يتغنى بأنه يكاد يكون الدولة الديمقراطية الوحيدة ضمن دول الجوار، إن لم نقل في الشرق الأوسط، ولكنّ هذه الديمقراطية مجتزأة في النصوص ومريضة في النفوس

بغض النظر عن تفاصيل الحادثة، وعن الأسباب الخاصة (غير المبررة) التي أدت إلى قيام الزوج بقتل زوجته، إلا أنّ هكذا جريمة لم تزل حاضرة بقوة في المجتمع اللبناني، والتي غالبا ما تبدأ تحت مسمى “عنف أسري” وتنتهي بجريمة قتل. وأفادت منظمة “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” بأن حادثة عبير هي الحادثة المأسوية رقم 27 مع نهاية هذا العام، بينما تزداد عاما بعد عام حالات العنف الأسري، وغالبا ما تكون المرأة هي الضحية.

عبير لن تكون الأخيرة، ولن تصبح “عبرة لمن يعتبر”، لأنّ مثل هكذا خبر في لبنان يتوقف عنده المتابع مستنكرا ومتعاطفا مع الضحية، أما عمليا، فلا شيء. لأنّ هكذا خبر لا يرتبط بالجاني أو المجني عليها، بل يشكل جزءا من التركيبة “الفسيفسائية” اللبنانية، التي توضّح طبيعة تركيب المجتمع اللبناني الذي يتداخل فيه الكثير من التعقيدات التي تدفع فيه المرأة الثمن.

على رأس هذه التعقيدات الصبغة “الذكورية” المسيطرة التي تفرض نظرة دونية تجاه المرأة، وكأن بمكان ما زواجُها بهذا الرجل يجعلها من ممتلكاته، حيث له حق التصرف بها. لهذا تتوزّع المسؤوليات التي تؤدي إلى إنتاج جرائم متشابهة يوميا في لبنان، وقد يكون لصمت المرأة، أو عدم مشاركتها في الجمعيات التي تعمل على حمايتها جزء من مسؤولية هدر حياتها.

نشطت تيارات الفكر النسوية كحركة منظمة في الغرب منذ عام 1960 على يد الكثيرات من الناشطات المناديات بضرورة “الرفع” من مكانة المرأة، على رأسهن مارثا وينمان لير التي طرحت أفكارها في مقالتها تحت عنوان “الموجة النسوية الثانية” نشرتها في مجلة نيويورك تايمز سنة 1968. وتأثرت هذه الحركات النسوية بالأفكار السياسية التي سادت المجتمعات، هذا ما أدّى إلى تفرعها إلى الحركة النسوية الليبرالية والماركسية والراديكالية وغيرها.

عبير رحال لن تكون الأخيرة، ولن تصبح "عبرة لمن يعتبر"، لأنّ مثل هكذا خبر في لبنان يتوقف عنده المتابع مستنكرا ومتعاطفا مع الضحية، أما عمليا، فلا شيء

مسار من النضال لم ينحصر في الغرب، بل أطلّ على المجتمع العربي واللبناني حتى لو بصعوبة، إلا أنّ البعض من النساء العربيات واللبنانيات رافقن تلك الحركة وأدخلناها إلى مجتمعاتنا، وحاولن التغيير في التركيبة الذهنية للمجتمع، عبر المطالبة بتطبيق “الكوتا النسائية” في الانتخابات النيابية ولو إلى حين، فالهدف يكمن في إشراك المرأة في السياسة، عبر “تعويد” الرجل وإرغامه على انتخابها، ليشكل هذا بداية السير نحو الألف ميل للتحرر والمساواة. وأمام إرادة التغيير هذا، وقفت الأحزاب التقليدية في لبنان حائطا منيعا أضعف من عزيمة المرأة على المطالبة بأبسط حقوقها، ودفع بالذكورية نحو المزيد من التسلط.

ورافقت الحركات النسوية في عالمنا الكثير من الناشطات النسويات اللواتي أسسن الجمعيات النسوية منها “كفا” و”أبعاد” اللبنانيتان بهدف تسليط الضوء على معاناة المرأة مع المجتمع الذكوري، والمطالبة بضرورة تغيير الثقافة.

قد لا تنسجم المطالب النسوية الغربية مع المطالب العربية والشرقية لاختلاف عامودي في مقاربة الأمور والمواضيع من مختلف النواحي تحديدا الاجتماعية والدينية، إلا أنّ هذا لم يمنع المرأة العربية واللبنانية من رفع صوتها منادية بالمساواة أمام القانون إن لم نقل مساواة في أبسط الحقوق، وكانت لور مغيزل من أبرز الناشطات في حقوق المرأة في لبنان والعالم العربي.

يتغنى لبنان بأنه يكاد يكون الدولة الديمقراطية الوحيدة ضمن دول الجوار، إن لم نقل في الشرق الأوسط، ولكنّ هذه الديمقراطية مجتزأة في النصوص ومريضة في النفوس. فهناك الكثير من القوانين المدرجة في المجلس النيابي تشكل تميّزا حقيقيا بين الرجل والمرأة على رأسها “حق إعطاء الجنسية” لأبنائها حيث تحرم للمرأة بينما هي مبررة للرجل. فرغم النضالات الكثيرة للجمعيات التي تعنى بحقوق المرأة إلا أنّ المشرع النيابي في لبنان ظل يضع “فيتو” عليها، لا بل يرفض حتى إدراجها على جدول أعماله.

وتقع المرأة وتحديدا الزوجة في لبنان ضحية بين مطرقة الكسل النسوي الذي أنهكته المواد الدستورية التي تحتاج في الكثير منها إلى إجراء تعديلات حقيقية تحاكي حمايتها من الإجحاف بحقها وحقوقها، وسندان الرجل الذي لم يزل متمسكا بماض ذكوري يجعل منه دكتاتورا متسلطا لا رادع قانونيا ولا أخلاقيا لممارساته تجاه زوجته، وبين المطرقة والسندان قد نسمع بعبير جديدة ضحية عبثية الزوج والمجتمع والقانون معا.

15