عبقرية الفشل

الأول: هل تعلم أني عبقري في جدول الضرب، وبسرعة تفوق خيالك؟
الثاني: حسنا.. 26 ضارب 141؟
الأول: 1201.
الثاني: لا ليس صحيحا.
الأول: أعلم ذلك، ولكن ما رأيك في سرعة أدائي.. أليست مدهشة؟
هذه الطرفة تنطبق على واقعنا في شتى المجالات الحياتية، إذ نذهب عكس ما نريد قوله وفعله، ونشوش على أنفسنا بمختلف أساليب التورية فنكتشف غير ما نتوقعه في كل مرة.
الأدهى من ذلك أننا نقنع أنفسنا بصواب ما آلت إليه الأمور، حتى وإن كانت كارثية، ونبحث لها عن مبرر منطقي.
وفي هذا الإطار الناشز، أتذكر في تسعينات القرن الماضي معلقا رياضيا من بلد شقيق كان بصدد التعليق على مباراة في الكيك بوكسينغ، وهي شكل من أشكال الملاكمة الذي يعتمد على الركل واللكم.
وكانت تلك المباراة التي تضم مجموعة من الفنون القتالية المختلطة تدور بين ابن بلده ولاعب أميركي متمكن ويتمتع بقدرات هائلة جعلته يلطخ ذاك اللاعب العربي الشقيق، ويبطحه أرضا كل عشرين ثانية، مما يثير الشفقة ويجعلك تغتاظ من لجنة التحكيم التي لم تأمر بإنهاء المباراة.
أما ما يثير الضحك هو أن صاحبنا المعلق الفهلوي، يجهل قواعد اللعبة، ولا يدري بقوانينها، مما جعله مثل الأطرش بالزفة، ويردد في كل مرة، وفي غمرة تحمسه ومناصرته لمواطنه المترنح فوق الحلبة، عبارة "لاحظوا مشاهدينا الأعزاء قوة تحمل لاعبنا وإصراره على عدم الانسحاب".
واضح أن لدينا عبقرية رهيبة في إقناع الآخر قبل الذات، بأن خللا ما على مستوى الفرد والمجموعة، هو بمثابة التفوق في نقطة ما، علينا البحث عنها أو إيجادها مهما كانت مفقودة.
الأمثلة التي نفاجئ فيها أنفسنا بـ"تفوق ما" كثيرة ومثل الهم على القلب كما يقال. وتتخطى الأفراد إلى مستوى الحكومات في معالجة الأزمات، إذ "تبدع" في حلول البطاقات الذكية المخصصة لتوزيع المحروقات والمواد الاستهلاكية المفقودة أصلا.
ومن هذا المنطلق، لا بد أن نثني على قوة تنظيم الطوابير الطويلة التي تحرص جهات الإشراف على سلامتها من النشل والتحرش حتى وإن كانت المواد التي تقف الطوابير في انتظارها غير متوفرة.. المهم هو قوة التنظيم.
الفرق الرياضية التي تعود من المسابقات الدولية خالية الوفاض، نواسيها بعبارة “العبرة في المشاركة”.
الكتاب الفاشلون يصف أصدقاؤهم النقاد مؤلفاتهم بأنها “جادة وحثيثة وتؤسس لتيار مغاير”، والمهزومون يقولون في كل مرة إنهم استفادوا من الدرس، أما الفاسدون من مسؤولي الدولة فيقولون في تصريحاتهم إنهم سوف يضربون بـ”يد من حديد”.. وبالفعل: لا يفل الحديد إلا الحديد، أي أن الفساد يجب محاربته بفساد أقوى.
أما إذا كانت الجوائز تُمنح للشعوب، فأي الجوائز سوف تكون من نصيبنا يا ترى.. وبغض النظر عن “جائزة جلد الذات”، والتي هي من التحصيل الحاصل.