عبدالواحد مجاهد لـ"العرب": إلغاء سيني بلاج خسارة للطبقة الشعبية المحبة للسينما

غياب الدعم الرسمي يضر بهذه التظاهرة الفنية المغربية.
الخميس 2024/10/10
عروض سينمائية مجانية خسرها المغاربة

المبادرات السينمائية الموجهة للفئات المهمشة نادرة في المغرب، من بينها مهرجان سيني بلاج الذي حقق في دوراته الخمس السابقة نجاحا واضحا، لكنه توقف هذا العام بسبب غياب الدعم المالي، وهو ما يؤكده مدير المهرجان عبدالواحد مجاهد من أنه خسارة للطبقة الشعبية ولا بد من وقفة حازمة لعودته واستمراره.

الرباط - تعتبر المهرجانات السينمائية في المغرب منصات حيوية لتسليط الضوء على الإبداع الفني وتعزيز الثقافة السينمائية المحلية، إذ تتعرض العديد من هذه المهرجانات مثل مهرجان “سيني بلاج” في الهرهورة لمشاكل الدعم الذي يظل معرقلا رغم نجاحها المستمر للدورة الخامسة على التوالي.

هذا الوضع يعكس تباينا في سياسات الدعم والتشجيع، فبينما يحظى بعض المهرجانات بدعم ملحوظ تُمنع أخرى من الحصول على الدعم اللازم لمواصلة فعالياتها، ويعكس هذا التوجه عدم التوازن في تقدير أهمية الثقافة السينمائية، ويثير تساؤلات حول المعايير المستخدمة في توزيع الدعم، ما يستدعي إعادة النظر في السياسات الثقافية لتعزيز الاستدامة في القطاع السينمائي المغربي.

وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع المخرج عبدالواحد مجاهد مدير مهرجان “سيني بلاج” حول أسباب إلغاء الدورة السادسة من المهرجان، التي كانت مقررة من 27 إلى 31 أغسطس الماضي، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها أعضاء الجمعية، حيث أكد أنهم كانوا يخططون لتنظيم برنامج ثقافي غني يسهم في إثراء المشهد السينمائي المغربي ويشكل إضافة نوعية للمهرجان، لكن “نقص الدعم المالي بسبب ضعف ميزانية الجماعة المحلية ومحافظة جهة الهرهورة، كان سببا رئيسيا في أن أُلغي المهرجان، رغم أن الدورة الخامسة كانت ناجحة بكل المعايير”.

تأجيل "سيني بلاج" لا يصب في مصلحة المهرجان أو المدينة أو المسؤولين إذ كان يلعب دورًا هامًا في تنشيط المنطقة الساحلية
تأجيل "سيني بلاج" لا يصب في مصلحة المهرجان أو المدينة أو المسؤولين إذ كان يلعب دورًا هامًا في تنشيط المنطقة الساحلية

وأوضح: “في الدورات السابقة كانت جماعة الهرهورة ووزارة الداخلية ووزارة الثقافة من الداعمين الرئيسيين، لكن هذا العام تخلت اللجنة المكلفة بالمهرجان عن دعمه وكأن بعض الأعضاء يحملون مواقف شخصية تجاهه، بينما في الوقت نفسه حصلت مهرجانات أخرى على دعم مالي كبير، رغم أن مهرجان سيني بلاج قد حقق سمعة دولية بفضل شعاره الفريد ‘السينما والبحر’. حاولنا تجاوز التحديات المالية التي واجهتنا، لكن للأسف لم نتمكن من ذلك هذا العام، لذلك تم إلغاء المهرجان بسبب قلة الدعم المالي المخصص، ما دفعنا لفتح المجال للموسيقى كبديل عن السينما، وهو فرق كبير بين فنون السينما المتنوعة وفن واحد فقط”.

ويذكر مجاهد تأثير إلغاء المهرجان على الترتيبات الأخرى موضحا: “تم إبلاغ الضيوف البارزين مثل الروائي محمد الأشعري الذي كان سيشارك في لجنة التحكيم، وكذلك أعضاء اللجنة والضيوف المكرمين. كانت صدمتهم كبيرة، وجميع الترتيبات التي أعددناها ذهبت هباء”.

وبشأن خططهم المستقبلية لتفادي المشكلات المالية، رأى مدير المهرجان أن “أي مهرجان لا يجب أن يعتمد على دعم الدولة فقط، بل يحتاج إلى دعم الرعاة والمستشهرين، خصوصا في مدينة مثل الهرهورة، حيث أن الثقافة لا تقتصر على الموسيقى وحدها، بل تشمل المسرح والفنون التشكيلية والسينما التي تنشط الحياة الثقافية، ومن المهم أن يساهم رجال الأعمال والمستثمرون في دعم الأنشطة الثقافية إلى جانب دعم الدولة”.

وشدد مجاهد على أن “تأجيل المهرجان خاصة الدورة السادسة التي كان من المتوقع أن تكون مميزة يتسبب في تضرر سمعة المهرجان ويعرقل مسيرته الثقافية، حيث يسهم المهرجان في تعزيز السياحة والفنون في مدينة الهرهورة وباستضافته أكثر من 150 فنانا ترك خلال دوراته السابقة أثرًا اقتصاديًا وثقافيًا وسياحيًا مهما، لذلك فإن تأجيله لا يصب في مصلحة المهرجان أو المدينة أو المسؤولين، إذ كان يلعب دورًا هامًا في تنشيط المنطقة الساحلية”.

ويتابع “للأسف لم نتلق أي دعم من جهات أخرى هذا العام، حيث كانت ميزانية الجماعة محدودة جدا والجماعة والولاية هما الداعمان الرئيسيان لنا في السنوات السابقة، لكن في هذا العام تم توجيه الدعم لمهرجان الموسيقى، ما أدى إلى حرمان مهرجان سيني بلاج من التمويل”.

ويشير مجاهد إلى أهمية المهرجانات السينمائية في المغرب قائلا: “تساهم المهرجانات السينمائية في تعزيز الوعي الثقافي، ويجب على كل مدينة سواء كانت صغيرة أو كبيرة أن تنظم مهرجانها الخاص، ولا يجب أن نكتفي بمهرجان مراكش الدولي الموجه للأجانب فقط، فنحن نركز على الجمهور المغربي خاصة الطبقات الشعبية التي لا تستطيع الوصول إلى القاعات السينمائية، ويعمل مهرجان سيني بلاج على تقريب السينما من المواطن، كما كانت تفعل النوادي السينمائية في المغرب في زمن الراحل نورالدين الصايل وسط تراجع دور القاعات السينمائية”.

نحن نركز على الجمهور المغربي خاصة الطبقات الشعبية التي لا تستطيع الوصول إلى القاعات لتقريب السينما من المواطن
نحن نركز على الجمهور المغربي خاصة الطبقات الشعبية التي لا تستطيع الوصول إلى القاعات لتقريب السينما من المواطن

ويختتم حديثه بالاعتذار قائلا: “أعتذر لكل من كان مدعوًا لحضور الدورة السادسة من المهرجان سواء من لجنة التحكيم أو الضيوف المكرمين أو الفنانين، وللجمهور الذي كان ينتظر المهرجان “.

ويقدم مجاهد اقتراحات لتحسين الدعم في المستقبل بالقول: “أدعو إلى إقامة شراكات بين جماعة الهرهورة والجمعية المغربية للفن بلا حدود، بالإضافة إلى شراكات مع الولاية ومجلس المدينة ومجلس الجهة، كما يجب أيضًا أن يساهم رجال الأعمال والمستثمرون لضمان استمرار المهرجان، كما يحدث مع المهرجانات الدولية مثل ‘كان’ و’فينيسيا’ و’سان سباستيان’، ومن المهم أن تدعم الدولة هذا المهرجان بطرق مختلفة لضمان استمراريته والوصول به إلى العالمية”.

ونلخص القول إن أهمية مهرجان سيني بلاج تتجلى في تعزيز الثقافة السينمائية المغربية وتوفير منصة للإبداع الفني، وهو ما يتطلب إعادة النظر في سياسات الدعم لضمان استدامته، حيث أن هذا الإلغاء المفاجئ للدورة السادسة يبرز التحديات الكبيرة التي تواجه الفنون في البلاد،

ويؤكد على ضرورة بناء شراكات فعالة مع رجال الأعمال والمؤسسات الثقافية، فالتوجه نحو تطوير الثقافة السينمائية ليس مجرد حاجة فنية، بل هو استثمار في الهوية الوطنية وتنمية السياحة الثقافية في مدينة الهرهورة. إن استمرارية المهرجانات السينمائية ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل تتطلب تعاونا مجتمعيا شاملا، ما يستدعي حث الجميع من فنانين ورجال أعمال ومؤسسات على الالتفاف حول هذه الفكرة لضمان بقاء صوت السينما المغربية مسموعًا ومؤثرًا على الصعيدين المحلي والدولي.

ومدير المهرجان عبدالواحد مجاهد هو مخرج فيلم “ضاضوس” الذي نجح في تحقيق إنجازات بارزة في الساحة السينمائية المغربية خلال عام 2023، حيث تصدر قائمة أكثر الأعمال تحقيقا للإيرادات، متفوقا على العديد من الأفلام الأجنبية الشهيرة، مما يعكس انتعاشا ملحوظا في صناعة السينما المغربية وثقة الجمهور في الإنتاج الوطني رغم أنه إنتاج خاص ولم يحصل على دعم المركز السينمائي المغربي.

وحقق الفيلم إيرادات بلغت 8 ملايين و700 ألف درهم، ويتناول الفيلم قصة شاب يخرج من السجن ويقرر تشكيل عصابة تتكون من النساء، إذ يعد هذا الاختيار لمجموعة نسائية في دور الأبطال تجديدا في السرد السينمائي المغربي، حيث يتم تقديم النساء كقوة فاعلة، ما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع المغربي. كما أن القالب الكوميدي الذي يتبعه الفيلم يمنح المشاهدين جرعة من المرح، مما يسهم في جذب فئات واسعة من الجمهور.

وتجاوز “ضاضوس” في إيراداته أفلامًا أميركية وهندية، ما يُظهر قدرة السينما المغربية على المنافسة بقوة في ظل العولمة السينمائية، إذ تعتبر هذه النتائج مُشجعة لصناعة السينما في المغرب، حيث تدفع المنتجين والمخرجين لمزيد من الابتكار والتطوير.

ومن الضروري أن تستمر صناعة السينما المغربية في استكشاف مواضيع جديدة وجريئة، مع التركيز على تحسين الجودة الإنتاجية والتسويقية للأفلام، كما يجب تشجيع السينمائيين على العمل في بيئة تنافسية تسهم في تطوير السينما ككل.

14