عبدالناصر درويش نجم كوميدي خليجي الهوى فلسطيني الأصل لا يعرف الحدود

كوميديان من الطراز الرفيع، لم تخفت نجوميته منذ سنوات عديدة، اعتاد جمهور الخليج العربي على رؤيته في كل موسم رمضاني، هو نجم الكويت الذي يعتبره الجميع كويتيا وخليجيا بامتياز، عبدالناصر درويش الممثل الكوميدي ذو الأصول الفلسطينية، الذي يطل علينا في الموسم الرمضاني الحالي 2021 بعملين دراميين مختلفين، ليخطف الأنظار بخفة دمه المعتادة.
جحا في عصرنا
يؤدي درويش في مسلسله الأول دور “جحا” هذه الشخصية الفكاهية من التراث الشعبي القديم، والتي يختلف المؤرخون حول أصلها ومسارها التاريخي، فمنهم من نسبها إلى أبي الغصن دجين الفزاري، وهو أحد رجالات العصر الأموي، الذي يُعتبر من أقدم الشخصيات التي جسدت شخصية جحا، ومُعظم قصص جحا الفكاهية نسبت إليه، أما في عصر الخليفة هارون الرشيد فقد نُسبت شخصية جحا إلى أبي نواس البغدادي. أما في الأدب التركي فقد نُسبت قصص جحا المضحكة إلى الشيخ نصرالدين خوجة الرومي الذي عاش في عصر المغول، وتلك القصص لم تكن على مستوى الأدب التركي فحسب بل تعدت إلى الأدب العالمي أيضًا.

عطاء درويش في المسرح والتلفزيون جعله يتحول إلى واحد من النجوم الذين يوصفون بـ”نجوم شباك التذاكر”، لأنه قادر على أن يستقطب الجمهور الخليجي والعربي أيضا
أعاد درويش الحياة لشخصية جحا هذا العام، بعد ما أهملتها الدراما العربية منذ زمن بعيد، لكنه كعادته يقدم كل شيء بطريقته ونكهاته الفنية المميزة، فهو قدم جحا بأسلوب كوميدي مختلف عن أدواره السابقة، وبطرافته التي اعتاد عليها الجمهور العربي والتي كانت ظاهرة بأدائه الرائع.
المسلسل الجديد يحمل عنوان “ياما كان وكان” واجتمع لكتابة أحداثه مجموعة من المؤلفين، وشاركت فيه نخبةٌ من النجوم من أبرزهم أحمد السلمان، ومبارك المانع وسلطان الفرج وأحمد العونان وميس كمر وغيرهم.
أما في العمل الدرامي الثاني يطل علينا درويش من بوابة الكوميديا الإماراتية، حيث حلّ هذا العام ضيفًا عليها، وبطلا رئيسا في مسلسل حمل عنوان “علاء الدين”، من تأليف الكاتب والمنتج الإماراتي جمال سالم، وإخراج المخرج السوري بطال سليمان، ويشارك درويش البطولة عدد من النجوم الإماراتيين والعرب، منهم نصر حماد، علي التميمي، سلطان الفرج، نيفين ماضي وغيرهم.
ولد درويش في الكويت العام 1958 وعاش ودرس فيها، حيث التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج من قسم التمثيل والإخراج، وبدأ حياته المهنية وهو في منتصف العشرينيات من عمره في تلك الدولة التي كانت ومازالت رائدة في الدراما التلفزيونية والمسرح الكوميدي، ونجح في الحقلين معا، وظهرت موهبته فورًا من أول أدواره، وجذب الجمهور إليه وأصبح في وقت قياسي نجما خليجيا من الصف الأول.
البداية على مستوى التلفزيون كانت في العام 1979، حين شارك في المسلسل التلفزيوني “مذكرات جحا”، ولكن حينها لم يأخذ دور البطولة مثل العام الحالي، واكتفى بدور حارس “تيمور لنك”، لكنه أثبت حينها للجميع موهبته الفنية رغم صغر سنه، فيما بعد اتجه إلى المسرح، وشارك في مسرحية “خروف نيام ميام”، وفي نفس العام شارك أيضا بمسرحية حملت عنوان “دكوش يغزو وادي القمر”، ولم يبتعد عن التلفزيون كثيرا حيث كان له دور مهم في مسلسل “بدور الزمان”.

صوته المميز يبرز في الكثير من الأعمال القريبة من قلوب الناس، كالرسوم المتحركة، وبرامج الإذاعة والتلفزيون التي قدّمها
في العام التالي لاقى نجاحا واسعا من خلال مسرحية “فرسان المناخ” التي تم عرضها طوال العام، ما مهد له الطريق لتقديم أربع مسرحيات مختلفة هي “الشاطر حسن”، و”وخر لا يعاديك”، و”عماكور طاح بالتنور”، و”المتوحشة”، وظهر ايضًا في المسلسل التلفزيوني “شمس الضحى” الذي ألفه وكتب أشعاره الكاتب المصري الراحل سيد حجاب، وتولى إدارة الإخراج الفنان الكويتي الراحل كاظم القلاف، وقد ضم المسلسل كوكبة من نجوم الكويت والخليج مثل هدى حسين، عبدالناصر الزاير، زينب الضاحي.
حافظ درويش على التوازن الفني ما بين المسرح والتلفزيون لسنوات عديدة، وعلى سبيل المثال شارك أواسط الثمانينات في مسلسل “الانحدار”، والسهرة التلفزيونية “بين نارين” ومسرحية “محاكمة علي بابا”، وقدم مسرحية “البمبرة”، ومسرحية “رجل مع وقف التنفيذ”، وشارك بمسلسل “إلى من يهمه الأمر” من تأليف لطيفة الرجيب وإخراج يوسف حمودة.
ومع مرور الوقت ازداد تألقه وتوسع معه إنتاجه الفني، فأصبح يقدم أكثر من عمل في العام الواحد، ولم يكتف بذلك فقط، حيث دخل مجال الإخراج وكان دخوله مهنيا بامتياز حيث صعد السلم من البداية حين عمل كمساعد مخرج في ثلاث سهرات تلفزيونية هي “أوراق الخريف”، و”الحصاد المر”، و”أيام ضائعة”، وفي نفس العام قدم أدوار ملفتة مثل دوره “ابن حماد” في مسلسل “ضيعة أم سالم”، ودوره بشخصية “يعقوب” في مسلسل “عائلة فوق تنور ساخن” الذي عمل فيه كمساعد مخرج أيضًا. واستمر عطاء درويش مسرحيا وبات من بين النجوم الذين يصفون بـ”نجوم شباك التذاكر”، ونحن نتحدث عن مرحلة كان المسرح الكويتي مزدهرا ويستقطب الجمهور الخليجي والعربي أيضًا، ومن المسرحيات المهمة التي قدمها درويش في بداية تسعينات القرن الماضي “وراهم وراهم”، و”بلنتي”.
ملك الأدوار النسائية

تألق درويش وتأثيره الإيجابي في الحياة الفنية فيها، دفع الإمارات إلى تكريمه بمنجه جنسيتها. واليوم يقدّم مسلسل «علاء الدين» هذا العام من إنتاج إماراتي
على الصعيد المسرحي درويش كان شريكا فنيا للكثير من الأسماء الكبيرة في الخليج العربي عمومًا، وقف على خشبة المسرح مع الممثلة القديرة حياة الفهد في بداية التسعينات في مسرحية “عبيد في التجنيد”، وأيضا أمضى سنوات عديدة رفقة النجم داود حسين وحصدا معا النجاح في مسرحيات متعددة أشهرها “انتخبوا أم علي” و”بيب بيب والذيب”.
قلة قليلة من الممثلين الذين تجرأوا على تقمص أدوار نسائية، وأغلب الفنانين العرب الذين خاضوا هذه التجربة، كانوا في إطار الكوميديا، درويش أشهر فنان خليجي قدم أدوارا نسائية على المسرح وفي التلفزيون أيضا، ولاقى نجاحا وتشجيعا كبيرين من الجمهور الخليجي، ومن تلك الأدوار دور”جميلة” في مسرحية “الشرطية الحسناء”، ودور “شهلة” في مسرحية “قدها ونص” وغيرها من الأدوار التي جذبت الجمهور وجعلته مواظبا على الحضور إلى المسرح.
عمل في مجالات فنية متنوعة، واستخدم صوته المميز في الكثير من الأعمال التلفزيونية ومنها برنامج الرسوم المتحركة “قطوطة وكلوب”، كما كانت له مشاركات في الراديو بعدة برامج، وبرامج تلفزيونية أخرى مثل “طارق شو” و”قرقيعان”.
شكل درويش مع النجم الكويتي حسن البلام أحد أنجح وأشهر الثنائيات الفنية، حتى أن الجمهور أصبح ينتظرهما من موسم رمضاني لآخر ليستمتع بالكوميديا التي يقدمانها بتجانس كبير جدًا، وكانت البداية في مسلسل “كاني وماني”، وكانا قد التقيا في الكثير من الأعمال، ولكن هذا المسلسل كان من بطولتهما المطلقة، وقام بتأليفه كلٌ من الشاعر الغنائي ساهر والكاتب علي سلطان، وأخرجه الفنان السوري منير الزعبي.
نجاح “كاني وماني” أجبر الثنائي درويش والبلام في العام التالي على تقديم مسلسل جديد بعنوان “دندرمة” تحت إدراة المخرج والممثل وائل رمضان، وهذا العمل هو الآخر أيضا من تأليف ساهر وعلي سلطان، وحقق نجاحا أكبر على مستوى الخليج العربي، ليثبت الثنائي أنهما أهل للمنافسة مع الثنائي السعودي الناجح حينها ناصر القصبي وعبدالله السدحان في سلسلتهما الشهيرة “طاش ماطاش”.
استمر النجاح بين درويش والبلام بعدها وكان يتصاعد مع مسلسل “عماكور”، وبلغ ذروته في مسلسل “فص كلاس” عام 2010، وحينها قررا الابتعاد قليلًا وتقديم أعمال منفردة خاصة بكل منهما، فقدم درويش مسلسلات ناجحة وكانت بطولته المطلقة، منها مسلسل “سعيد الحظ”، و”بو دروش” و”خف علينا”، وعادا من جديد عام 2015 ليجتمعا في مسلسل “حارش ووارش” الذي قام البلام بإخراجه بنفسه وأيضا كان النجاح حليف الثنائي في هذا المسلسل.
في العام 2018 شارك درويش رفقة نجوم الخليج مثل هيا الشعيبي وانتصار الشراح وأحمد العونان، في مسلسل “بلوك غشمرة” وتدور أحداثه حول حلقات منفصلة يناقش فيها بعض القضايا الاجتماعية بأسلوب كوميدي، وقام بإخراج المسلسل المخرج الشهير في مجال الفيديو كليب والبرامج التلفزيونية أحمد الدوغجي.
يقول البلام عن درويش إنه يرتجل في التمثيل أكثر مما يقرأ النص المكتوب له، الأمر الذي حوّل الكثير من المشاهد التي جمعتهما في المسلسلات إلى مشاهد مسرحية ولكن بإطار تلفزيوني، ويضيف إن أغلب المخرجين يتركون تلك الارتجالات تدور أمام الكاميرا وغالبًا ما يتم أخذها، وهذا ما لاحظه الجمهور بالفعل.
وفاء الإمارات
في السينما خاض درويش تجربة وحيدة لم تنل النجاح الكافي، وأيضًا لم تكن بطولته المطلقة، حيث أن العمل اعتمد على البطولة الجماعية لمجموعة من النجوم العرب منهم ميساء المغربي ومنى الشداد، وسعود أبوسلطان، وأحمد الجسمي وآخرين.
درويش يقدّم شخصية جحا هذا العام، بعد ما أهملتها الدراما العربية منذ زمن بعيد، لكنه كعادته يقدم كل شيء بطريقته ونكهاته الفنية المميزة، فكانت طرافته التي اعتاد عليها الجمهور العربي ظاهرة بأدائه الرائع، في المسلسل الذي حمل عنوان "ياما كان وكان"
أنتج الفيلم عام 2006 وكان بعنوان “طرب فاشن” وتدور قصته حول مغني شاب مشهور يؤدي دوره أبوسلطان، وتحاول زوجته ميساء المغربي أن تكون مطربة مشهورة مثله، وتدور الأحداث في إطار كوميدي أخرجها المنتج والمخرج السعودي محمد دحام الشمري.
طيلة حياة درويش المهنية لم يبتعد عن المسرح إلا رغما عنه، والابتعاد الأخير كان بسبب جائحة كورونا التي قضت على النشاط المسرحي تقريبا في جميع أنحاء العالم، فقد اعتاد جمهوره كل عام أن يشاهد مسرحية كوميدية جديدة، آخرها كانت مسرحية “الثلاجة” عام 2019.
ولا ينسى عشاق المسرح في الخليج أن عبدالناصر درويش كان منذ البداية أحد أعمدة المسرح في الكويت، فلم يتأخر بعد تخرجه من معهد التمثيل عن المبادرة إلى تأسيس فرقة مسرحية مع محمد الرشود وعبدالرحمن العقل وانتصار الشراح ومحمد العجيمي. وتلك الفرقة نهضت بالمسرح إلى جوار الرعيل الأول الذي مثله عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وإبراهيم الصلال وسعاد العبدالله وحياة الفهد. وقد تم تكريم عبدالناصر درويش بعد مسيرة فنية حافلة ومنحته دولة الإمارات العربية المتحدة جنسيتها على إثر الحضور الكبير الذي حققه في مجتمعها خلال الأعوام الماضية.