عبداللطيف فردوس: ليس هناك مسرح مغربي أو تونسي أو مصري

إن التقسيمات الجغرافية التي أنتجتها خاصة وسائل الإعلام العربية في تناولها لمختلف الفنون سواء الكتابية أو المرئية وغيرها تعتبر مجانبة للصواب، فالمسرح مثلا هو المسرح سواء أكان في الغرب أم الشرق، يشتغل بنفس المكونات رغم الفروقات التي تمثل رؤية كل فنان وكل لغة وثقافة، لذا فالقول بمسرح مغربي أو مسرح مصري أو مسرح تونسي، وهكذا، يفتقد للدقة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس، الذي يقر بدوره بخطأ التقسيمات الجغرافية للمسرح، حول واقع المسرح في المغرب وفي العالم العربي.
يحمل المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس مسيرة مسرحية حافلة ما بين التأليف والإعداد والإخراج، ففي رصيده 42 عملا مسرحيا ما بين التأليف والإعداد، قدمت كلها على خشبة المسرح، وتم تصوير 7 منها لصالح التلفزيون المغربي، وقام بإخراج 9 أعمال مسرحية لفرقة النادي الفني المراكشي، ومسرحية واحدة لفرقة الوفاء المراكشية، ومسرحيتين لفرقة مسرح أيوب، كما قام بإعداد وإخراج 12 عملا مسرحيا موجها الشباب وللأطفال.
وفضلا عن هذا فإن فردوس له مساهماته السينمائية نذكر من بينها كتابة حوار وإعادة سيناريو فيلم “امرأة في الظل” لجمال بلمجدوب، وهو مستشار فني للأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تقدمها شركة الإنتاج ناسكوم، آخرها الفيلم السينمائي “الكورصة” لفركوس.
المسرح في المغرب
بداية يحدثنا فردوس عن المسرح المغربي، لافتا إلى أنه يفضل استعمال المسرح في المغرب عوض المسرح المغربي، ويوضح أن “المسرح واحد أينما حل أو ارتحل، ومهما تعددت وتنوعت الأشكال والمدارس يبقى دائما المسرح مسرحا، ويصعب أن يفقد صفته الأبدية بتلونه بفضاء جغرافي أو بخصوصيات محلية. صحيح أن المسرح في المغرب له خصوصيات، أهمها أنه كفرجة متجذر في الوجدان وفي التاريخ، بأشكاله الفرجوية التي عرفها ولا يزال، وهناك تجارب كثيرة تعمل على مسرحتها، أي نقلها من تعبير تلقائي مرتبط بالزمان والمكان، إلى لغة مسرحية أكاديمية، بقيادة ومبادرة خرّيجي المعهد العالي للفنون الدرامية بالمغرب وبعض الرواد، كما تتناوله بالدراسة بحوث وكتابات نقدية هامة. هذا الاشتغال الواعي المرتكز على التكوين والاحترافية العالية، هو أبرز خصائص المسرح في المغرب في الفترة الراهنة”.
ويضيف “لا أقول إن المسرح في المغرب لم يبرز إلا مؤخرا، لكنه في الماضي كان مجرد استثناءات معزولة وفردية. الآن أصبح هناك وعي شبه جماعي بأن دور المسرحيين هو تطوير الأشكال والأساليب، لإبداع صيغ تتلاءم مع حاجيات المجتمع وتطلعات المهنيين. بالإضافة إلى أننا أصبحنا نتكلم عن المسرح كمهنة دون إغفال بعده التنموي بشريا واقتصاديا. المسرح في المغرب حاليا يشغل وينتج ويروج ويكوّن جمهوره، وبإطلالة سريعة على برنامج التوطين المسرحي الذي أحدثته وزارة الثقافة، سيتضح مدى حضور هذا البعد، وبإيجاز أقول، إن خصوصيات المسرح المغربي غوص وإبحار وتطلع إلى آفاق أرحب”.
الآن أصبح هناك وعي شبه جماعي بأن دور المسرحيين هو تطوير الأشكال والأساليب، لإبداع صيغ تتلاءم مع حاجيات المجتمع
ويرى فردوس أن علاقة المسرح في المغرب بالمشهد المسرحي في العالم العربي، تمثل انخراطا واعيا، وانفتاحا لمد جسور التواصل والتفاعل بين تجارب مسرحية متنوعة. والمتتبع للساحة الفنية في العالم العربي، سيتأكد من الحضور الوازن للمغرب في التظاهرات والمهرجانات بالعالم العربي، حضور بعروض وبباحثين ونقاد. كما أن عددا كبيرا من المهرجانات في المغرب، وإن كانت محدودة الإمكانيات، فإنها لا تتردد في توجيه الدعوة وفي استضافة فرق من مختلف الدول العربية.
ويتابع المسرحي المغربي “لقد توسعت رقعة هذا الانخراط من الانفتاح على تونس والجزائر ومصر، لتمتد إلى دول الخليج، وبشكل جد محدود ومحتشم إلى بعض دول المشرق العربي التي نعرف جميعا أوضاعها السياسية والأمنية. إلا أن هناك وعيا في المغرب بخطورة الاكتفاء بالانفتاح على العالم العربي فقط مخافة التقوقع. المسرح بعده كوني، ولا يؤمن بالمحلية الضيقة، وهذا ما يفسر انفتاح المسرح في المغرب على دول أفريقيا غير العربية، وعلى أوروبا خاصة في قسمها الغربي، بل أصبحنا نجد محاولات جادة للانفتاح على الصين، وكدليل على ذلك المبادرة الجادة المتميزة والعلمية التي يقودها السينوغراف الدكتور طارق الربح”.
صمود وتجدد
يشير فردوس إلى أنه حينما عمل على مسرحة الرواية، كرواية “سيرة حمار” للمفكر حسن أوريد، و”تحفة الكوارتي” للقاص أحمد طليمات، كان دافعه هو نقل هذه الروايات إلى غير القارئ لها، وخاصة جمهور المسرح الذي لا يهتم بقراءة الروايات. ويضيف أن “العملية من هذا المنطلق كانت عبارة عن امتداد نحو متلق آخر، وكانت جسرا لربط الصلة بين الأجناس الأدبية والفنية. حينما تتحول الرواية إلى المسرح أو السينما أو التلفزيون، فمن المؤكد من أنها ستلامس جمهورا أوسع. ولنا في الروائع
الروائية العالمية مثال، والتي اكتسبت شهرة أوسع”.
ولا يقر فردوس بأن هناك أزمة في النص، بل يرى أن هناك أزمة في التعامل مع النصوص العربية المؤلفة، صحيح أن للاقتباس عن نصوص عالمية حضورا أقوى، لكنه لا يراه أزمة للنص العربي بقدر ما يعتبره انفتاحا على الغير.
على المسرح الجاد أن يصمد وأن يبقى لصيقا بقضايا مجتمعه الحقيقية، وأن لا يتخلى عن دوره النضالي التنويري
ويرى فردوس أن العلاقة بين المسرح والتلفزيون علاقة متشعبة ومركبة، ذات اتجاه واحد هو المتلقي. يمكن أن يكون التلفزيون وسيلة داعمة تفيد المسرح، عن طريق تخصيص وصلات إشهارية أو إخبارية للأنشطة المسرحية وخاصة العروض، مما سيساهم في تحفيز الجمهور على ارتياد القاعات المسرحية، وفي تجويد ثقافته المسرحية لتسهيل المواكبة والتفاعل مع العروض. لكن الطريقة التي تتعامل معها بعض القنوات التلفزيونية في تسجيل المسرحيات تبقى في معظم الحالات، إلا ما ندر، أقرب إلى النقل التلفزيوني منه إلى الإخراج المسرحي، تضعف القيمة الفنية للعمل المسجل. لكن إذا تعامل التلفزيون مع العروض بتوفير إمكانيات هامة خلال التصوير والتسجيل والمونتاج، يمكن أن يصبح في هذه الحالة قيمة مضافة تفيد العمل المسرحي، ولنا في “المسرح هذا المساء” بفرنسا نموذج لما يمكن أن يقدمه التلفزيون للمسرح كخدمة. عموما وكما يرى الناقد عبدالله دشين “العلاقة بين المسرح والإعلام متداخلة ملتبسة، وتخضع في بعض الأحيان لمنطق التوجيه المباشر أو غير المباشر، ولمنطق التأثير والتأثر”.
وحول تراجع دور المسرح كمؤثر ومحرض على الوعي والتنوير، وهجر الجمهور له، يقول فردوس “لا يمكن الانطلاق من القاعدة الجماهيرية لنقر بالتراجع، لأن هذه القاعدة ليست مطلقة بل نسبية، تختلف باختلاف مجموعة من المؤثرات، فمثلا في تونس نجد إقبالا على قاعات المسرح وتسابقا على تأدية ثمن التذكرة، والمثال هنا ليس للحصر، في هذه الحالة يصعب الحديث عن هجرة الجمهور، كما أن بعض العروض الشبابية في المغرب تقدم فرجتها بشبابيك مغلقة ونفاد التذاكر بيومين على الأقل من تاريخ العرض. ولنا في مسرحيات محمد الجم، وعروض حسن الفذ الدليل على ما أشير إليه. لهذا فإن مسألة التراجع من عدمه تبقى نسبية. والمسرح منذ نشأته كان دائما مضايقا من فرجات أخرى أكثر جماهيرية، عروض الاقتتال عند الرومان، العروض السينمائية بعد اختراعها، إلى غير ذلك، ومع ذلك بقي المسرح ولا يزال”.
وللخروج بالمسرح من ذلك، يضيف أنه على المسرح الجاد أن يصمد، وأن يبقى لصيقا بقضايا مجتمعه الحقيقية وليست الشكلية، وأن لا يتخلى عن دوره النضالي التنويري، وأن لا يتخندق في حسابات سياسوية ضيقة، وأخيرا الصدق والجرأة في تناول القضايا.