عبدالعالي حساني شريف.. مرشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية لا يريد قصر المرادية

لم يكن أشد المتشائمين بخصوص إفرازات المؤتمر الثامن لحركة مجتمع السلم الجزائرية يعتقد أن الرئيس الحالي عبدالعالي حساني شريف سيفاجئ الجميع بسحب البساط من تحت أقدام ابن بلدته وولي نعمته عبدالرزاق مقري، ويقطع عليه الطريق بإعلان الترشح للانتخابات الرئاسية باسم حركة حمس الإخوانية، ويبخّر طموحات الرجل وأحلامه، وهو الذي كان يتهيأ منذ أشهر ومن خارج أسوار الحركة ليكون مرشحها ومرشح الإخوان الجزائريين.
نفذ الرئيس الحالي لحركة حمس حساني شريف انقلابا أبيض داخل أكبر وأعرق الأحزاب الإخوانية في البلاد، بإعلان الترشح لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر القادم، واضعا بذلك النخب الإخوانية وكوادر الحركة أمام منعطف جديد، سواء بالقطع مع التيار الراديكالي المهيمن عليها منذ العام 2012، أو بالانخراط المتجدد في خيار المشاركة والعودة إلى فلسفة التغيير والإصلاح من الداخل.
ويبدو أن مخرجات المؤتمر الثامن لحمس المنعقد العام الماضي، لم تسر وفق ما خطط له رئيسها السابق مقري، فهو على تعمده احترام مواثيق حمس التي تحدد عمر القيادة بعهدتين، بغية إضفاء انطباع لدى الرأي العام بأن حمس تكرس مبدأ التداول على منصب الرئاسة، قام بتزكية أحد أعوانه وابن بلدته (محافظة المسيلة)، ليكون على رأسها ويحفظ استمرار هيمنة جناحه عليها، على أن يكون هو الذي يمهد له الطريق ليكون مرشحها في الانتخابات الرئاسية، غير أن التحول جاء سريعا ومفاجئا وكان مقري ضحيته الأولى.
منذ دخولهم نطاق الشرعية بدخول نظام التعددية في البلاد مطلع تسعينات القرن الماضي كرّس الإخوان حالة من الانضباط الداخلي، وكانت الانشقاقات تتم في صمت ودون ضجيج أو خصومات معلنة، وحتى التغييرات في مواقع القيادة لم تخرج عن سياق جناحين الأول يتبنى خيار المشاركة مع السلطة والتغيير من الداخل، وآخر لم يعد يروقه ذلك ويعمل على خلق قوة منافسة للسلطة وللطبقة الحزبية.
ثوب مقري
سار الرئيس السابق على تكريس هذا النهج، حيث سخّر كتلته النيابية (61 نائبا) لمعارضة مشاريع السلطة حين لم يتوصل إلى شراكة متوازنة معها، وهو ربما ما لم يعد يقنع القيادة التي أفرزها المؤتمر الثامن، في ظل وجود منافسين أقوياء استطاعوا في ظرف وجيز زحزحة حمس عن مواقعها والتقرب أكثر من السلطة.
ويبدو أن حساني شريف أراد التأكيد من خلال الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة أن حركة مجتمع السلم لن تستمر في ثوب مقري، وأن الرجل الذي يدرك أن حظوظه لا يمكن أن تنافس مرشح السلطة يريد إعادة رسم موقع حمس وعقيدتها في المستقبل، ولم يأت ليكون غطاء لمقري.
وأفصح حساني عن هذه النية بعد انتخابه على رأس حمس، حيث صرح لمنبر عالمي إخواني بأن “حركة مجتمع السلم مدرسة سياسية متميزة، وقد أرست تقاليد عريقة في الفكر والسلوك السياسي المنفتح يشهد له القريب والبعيد، وأنها حركة تثمن الحوار وتختار التصالح وتدعو إلى التوافق من خلال اليد الممدودة التي أطلقناها، وتعني جميع مكونات الحياة السياسية في الجزائر”، وهي رسالة صريحة تتضمن استعداد الرجل لإعادة بعث الروابط مع فلول الإسلام السياسي في الجزائر.
الموقف الجديد تلقفته حركة النهضة مبكرا من خلال إعلان دعمها لمرشح حمس في الانتخابات الرئاسية لتضع بذلك بوادر تحالف إسلامي لم يكن الرئيس السابق يوليه اهتماما، لاعتقاده بأن وعاءه الانتخابي وخزانه الشعبي يكفيانه للمناورة، دون الاعتماد على قوى سياسية يرى بأنها هي التي تستفيد من تحالفها مع حمس، وليس حمس التي تستفيد منها.
ولفت حساني إلى أن حركته “لا تحمل أيّ عداوة أو خصومة مع أيّ جهة، سواء كانت حزبية أو رسمية أو مجتمعية، وما وقع من خلافٍ سابق بيننا وبين إخواننا في حركة البناء الوطني فهو الآن من الماضي، ونحن في أجواء أخوية، وفي خطوات وحدوية، وما يجمعنا أكثر مما يفرّقنا، وهناك خطوات عملية جارية في هذا المسعى المبارك على اعتبار أن وحدة التيار الإسلامي واجب شرعي وضرورة مبدئية”.
يظهر أن رئيس حمس الجديد بصدد ردم الهوة بين التيار المنشق، وتجاوز الخصومات المتراكمة خلال السنوات الأخيرة مع حركة البناء ومع فعاليات إسلامية أخرى، من خلال العمل على بلورة قطب سياسي، حتى ولو أن الهدف يبقى بعيد المنال، بعدما اختارت قيادة حركة البناء تأييد المرشح المحتمل للسلطة، الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون.
ولتأكيد الرؤية التي يريد ضخها في جسد أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر شدد حساني على أن “التنافس على الخيارات والرجال في المؤتمرات التي تمر بها الحركة، وهي كغيرها من الحركات والأحزاب السياسية في العالم العربي والإسلامي، باعتبارها تجارب بشرية، تتنافس على قضايا اجتهادية وتقديرية، وهي ظاهرة صحية عندما تكون ضمن إطار التنافس الشريف واختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد، وحتى هذا حدث فيه نوع من التنافس الصامت قبل المؤتمر، إلا أن التوجه الغالب لدى عموم المؤتمرين والمؤتمرات حسم الأمر بطريقة مثالية هادئة، نشعر من خلاله بنوع من العناية الإلهية التي أنزلت السكينة علينا جميعاً، فخرجنا منه بصورة جمالية مشرفة”.
وبين الخطاب والواقع في حركة حمس مساحة شاسعة، فمنذ رحيل المؤسس الأول محفوظ نحناح دارت العديد من المعارك الطاحنة في صمت، وحين عُيّن الوزير المسجون عمار غول في حكومة الرئيسي الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ذكر عن نحناح قوله “بضاعتهم ردت لهم”، في إشارة إلى الوجوه التي تغلغلت في صفوف حمس لأغراض مختلفة.
ومن الراحل محفوظ نحناح إلى حساني شريف تداولت العديد من الشخصيات الإخوانية على قيادة حمس وسط خلافات صامتة، مما أدى إلى انشقاق العديد من الأجنحة، حيث توجه عمار غول لتأسيس حزب “تاج”، وعبدالمجيد مناصرة لتأسيس “جبهة التغيير” العام 2012، ثم عبدالقادر بن قرينة لتأسيس “حركة البناء الوطني”، وحتى من اختار البقاء في صفوف حمس مثل أبوجرة سلطاني، فهو ليس في توافق مع الأجنحة التي استحوذت على مواقع القيادة.
وعبّر حساني عن إيمانه بموجة الربيع العربي كحركة للتغيير السياسي، من خلال التصريح بأنه “بعد الانقلاب على الربيع العربي، سادت حالة سياسية عامة اجتاحت المنطقة تسببت في إشاعة الشعور العام بخيبة الأمل الكبيرة في التغيير الشامل والحقيقي، بفعل التدخلات الأجنبية ومنصاتها في الثورات المضادة، وما وقع في الجزائر لم يكن بعيدا عن هذه الأجواء”.
ركوب الاحتجاجات
قال حساني “موجة الحراك الشعبي في الجزائر لم تتوقف إلا بالإرادة الطوعية بسبب جائحة كورونا، وولّد ذلك خيبة أمل في تحقيق كل المطالب السياسية المشروعة للشعب
الجزائري وإرادته في تغيير جذري للمنظومة التي كانت سائدة، وقد أصيبت الحياة السياسية بنوع من التصحر والانسداد في الأفق، بعد إعادة النظام السياسي تجديد أدواته، وفرض منطق التحكم في المشهد السياسي العام، في هاجس عودة الحراك الشعبي، فاستعمل كل أدوات الهيمنة، وهو ما لا يخدم الصورة العامة للبلاد، بل سيزيد في حالة الاحتقان التي لا تساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي”.
يعكس التصريح هواية حمس في ركوب الحركات الشعبية، على أمل أن توصلها إلى السلطة، فقد قفزت من قارب السلطة العام 2011، وتخندقت في صفوف المعارضة والربيع العربي، لاعتقادها أن الموجة التي أوصلت حركة النهضة التونسية والإخوان في مصر إلى السلطة ستدفع بها أيضا إلى السلطة، قبل أن تقوم السلطة بتطويق المنافذ في وجه أيّ تغلغل من ذلك النوع.
وفي 2019 كانت حمس ترفض الخروج الشعبي للشارع خوفا من الانزلاق، لكن لمّا اشتد عود الحراك الشعبي، ظهرت قيادات حمس موشحة بالرايات الوطنية تتصدر المسيرات الأسبوعية، ورفعت شعارات التغيير، قبل أن تتملص من موقفها لمّا شعرت بأن السلطة استعادت المبادرة، ورأت أن المشاركة في انتخابات رفضها قطاع عريض من الجزائريين أولى من الاستمرار في تغذية الاحتجاجات الشعبية، وتحولت إلى أول ناقد لما وصف بالجناح الراديكالي في الحراك الشعبي.
◄ التغييرات في مواقع القيادة تتبنى إما خيار المشاركة مع السلطة والتغيير من الداخل، أو العمل على خلق قوة منافسة للسلطة
وفي هذا السياق دَفْعُ حساني بشعار “آفاق جديدة.. جزائر منشودة ” إلى الواجهة السياسية ظاهره ما أسماه بأن “الانحباس السياسي يحتاج إلى فتح آفاق جديدة، وهي مسألة لا تعني الوضع الداخلي للحركة، بل هي مسألة عامة تتجاوز الحالة الجزائرية”، وباطنه بث عقيدة سياسية جديدة في حركة حمس، بعيدا عن التصورات التي راكمها عبدالرزاق مقري.
وإلى وقت قريب، كان رئيس حمس، يقول إنه “من السابق لأوانه الحسم في مسألة الانتخابات الرئاسية، فلا يزال الأفق السياسي غامضا، ولا تزال هذه المسألة السياسية الدقيقة حساسة، وستكون الحركة منفتحة على جميع الخيارات الممكنة، وستأخذ مؤسساتها كامل وقتها للإحاطة بهذا الاستحقاق من جميع جوانبه حتى نكون في الموقع المناسب، وفي الموقف المشرف، ونحن حركة ديمقراطية مؤسسية، وكل ما ستقرره سيتم تنفيذه بحذافيره”، وهو ما يطرح التساؤل عمّا تحقق من معطيات للحركة لمّا أعلنته مرشحها للاستحقاق المذكور، إلا إذا كان البحث عن أغراض أخرى إلا الفوز بكرسي قصر المرادية.
ورغم تعدد الأجنحة والتيارات منذ التأسيس إلى غاية نسخة حساني شريف فإن الثابت ما وصفه بـ “الوظائف الأساسية، التربوية والدعوية، والفكرية والسياسية، الاجتماعية والمجتمعية“، وهو ما تضطلع به مختلف التنظيمات والجمعيات التي أسستها أو تدعمها حمس من أجل تعبئة المجتمع في صفوفها.
ويؤكد هذا التوجه بالقول “الوظيفة التربوية والدعوية هي كل الأعمال والبرامج المدرجة ضمن مناهج الحركة التكوينية والتربوية والدعوية الموجهة إلى تربية الأفراد المنتمين إلى الحركة وتكوينهم، أو الموجهة إلى عموم المواطنين من خلال برامج نشر القيم والأخلاق والوعي، وهو المنهج الذي تركنا عليه الشيخ محفوظ نحناح، عليه رحمة الله، ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال في العالم”.