عبدالإله زيراط مخرج يتخذ من الأب ثيمة رئيسية في أفلامه

"المسخوط" فيلم طويل للمخرج يجسد عقوق الآباء والأبناء.
السبت 2024/08/10
طريق إلى الموت يرمم العلاقة بين الأب وابنه

يهتم المخرج المغربي عبدالإله زيراط بالتركيز على مواضيع ورسائل مهمة في أفلامه القصيرة منها والطويلة، ومن هذه المواضيع العلاقات بين الآباء والأبناء وما يشوبها من تعقيد وصراع دائم بين الأجيال، وهو في فيلمه الأخير “المسخوط” يحاول تفكيك هذه الفكرة من خلال قصة درامية يعالجها بطريقة كوميدية.

الرباط - تدور أحداث فيلم “المسخوط” للمخرج المغربي عبدالإله زيراط حول أب يطلب من ابنه مرافقته وحده إلى إحدى القرى التي يتمنى أن يموت فيها، تتصاعد الأحداث طوال السفر حيث الطريق مليء باللقاءات المختلفة والغريبة مع شخصيات تخلق أحداثًا تزيد من توتر وغضب الابن على أبيه الذي يسعى لمصالحته، فتشحن الخلافات إلى أن تتحول إلى غضب ثم تمرد وبعد ذلك تصفية حسابات عائلية تنتهي بحدث غير متوقع. العمل من سيناريو منير باهي، وبطولة كل من رفيق بوبكر ومحمد خوي، وإنتاج ذاتي للشاب منير كرمود.

وفي هذا السياق كان لصحيفة "العرب" لقاء صحفي مع المخرج المغربي عبدالاله زيراط حول كواليس تصوير الفيلم، حيث يوضح المخرج أن فيلمه الجديد “هو عمل كوميدي ذو إنتاج ذاتي، وهو ثاني فيلم طويل لي كمغامرة جديدة تختلف عن أفلامي السابقة من حيث الأسلوب الفني والتقني. أما ما ألهمني لكتابة وإخراج قصة عن شاب يعادي والده فمن الصعب الإجابة على هذا السؤال السهل الممتنع. في الحقيقة عندما نقدم فكرة فإنها بالنسبة إلي تأتي نتيجة رغبة عميقة في ترك اللاوعي يعبر عن نفسه، حيث تحدثت دائما عن الأب في أفلامي القصيرة الأولى، والتي بلغ عددها أحد عشر، وكان الأب دائما حاضرا فيها كرغبة طبيعية وغير واعية في الحديث عن الأب والعلاقة المعقدة والمتناقضة بينه وبين باقي أفراد العائلة".

ويتابع “في هذا الفيلم أطرح تساؤلا مهما: ماذا ستفعل إذا كان والدك يواجه خطر الموت في أي لحظة؟ سواء كنت على علاقة جيدة معه أو كنت في صراع معه؟ أعتقد أن الحديث عن الحالة الثانية أكثر إثارة، فالفيلم يروي العودة الإجبارية للابن إلى والده الذي لم يعد بينهما أي رابط أو تواصل".

ويصف زيراط العلاقة بين الشخصية الرئيسية ووالده بالقول "يمكننا الحديث عن حبكة الفيلم بمعناها الحرفي وعن تطورها من خلال رحلة استكشافية متصاعدة الإيقاع. فمن جهة لدينا أب غامض حياته مليئة بالألغاز والبحث عن المصالح، ومن جهة أخرى لدينا ابن سريع الغضب وغير صبور ومتعصب ودون رحمة، بينما لكل منهما هدف محدد، فالأب يريد الموت بسلام في المكان الذي يختاره، والابن لا يتمنى سوى رؤية والده يموت في أسرع وقت ممكن ليعود إلى منزله وينسى هذه القصة. ومع تطور الأحداث سيفهم الجمهور لماذا يكره الابن والده كثيرا، بينما يضطر البطلان بعد العديد من المواقف المتعددة والمضحكة إلى التعرف على بعضهما البعض وتسوية حساباتهما والتسامح ولكن من خلال نهاية معاكسة".

أما بخصوص الدور الذي تلعبه العلاقة بين الشخصيات في تعزيز حبكة الفيلم فيقول المخرج إن “الشخصيات الثانوية التي يلتقيها البطلان على الطريق هي التي تقوده، فلكل منها دور ووظيفة مباشرة مرتبطة بالرحلة الاستكشافية وحالة الأب الصحية، حيث نبرز أن الابن كان دائمًا على اتصال بصديق للعائلة يوجهه بشأن ما يجب عليه فعله والطريق الذي يجب أن يسلكه إذا مات الأب خلال سفرهما، أما الشخصيات الأخرى فهي نتاج الصدفة، لكنها تدفع الابن بشكل خاص لتفريغ غضبه، وبمجرد تحقيق الهدف يقرر الأب أخيرًا أن يطلب العفو بعد أن يطلب منه الابن تفسيرا".

قصة درامية تتم معالجتها من خلال مواقف كوميدية وحوارات هزلية عن طريق أحداث مليئة بلحظات شديدة الجدية وأخرى ترفيهية
◙ قصة درامية تتم معالجتها من خلال مواقف كوميدية وحوارات هزلية عن طريق أحداث مليئة بلحظات شديدة الجدية وأخرى ترفيهية

وفيما يتعلق بالرموز والرسائل التي يحاول زيراط إيصالها من خلال هذا الفيلم، يوضح المخرج "توجد رسالة دائما وهناك أيضا قراءة متعددة بالتأكيد، بينما لم أكن أبدا موافقا على تصريح أحد الممثلين العظماء عندما سُئل عما إذا كانت أفلامه ترسل رسائل، فرد قائلاً إنه إذا أراد إرسال رسائل سيفعل ذلك عبر البريد أو شيء من هذا القبيل. وفي الحقيقة سواء أحببنا ذلك أم لا، بوعي أو دون وعي، لدينا دائما شيء لنقوله ورسالة لنرسلها. من جانبي يعتبر الفيلم مليئا بالرموز، فالأب هو رمز والابن أيضا وكذلك الشخصيات الأخرى، والديكور".

ويستدرك "لكن ليس من المثير أن أشرح، وما أحاول قوله هو أنني أعتبر الفيلم كلوحة يجب عرضها وترك الجمهور يقرأ ما رسمته، فبمجرد عرض الفيلم على الشاشة الكبيرة تصبح للجمهور قراءاته المتعدد، لكن لا يجب أن ننسى أن العمل ليس سينما المؤلف، حيث أن الهدف الأول هو الترفيه وإثارة عواطف الجمهور الواسع، لأنه فيلم عائلي".

ويوازن المخرج المغربي بين الدراما والكوميديا في فيلمه "المسخوط"، حيث عبر عن ذلك بقوله "القصة درامية لكن تتم معالجتها من خلال مواقف كوميدية وحوارات هزلية عن طريق أحداث مليئة بلحظات شديدة الجدية وأخرى ترفيهية، فعادةً ما تسخر الكوميديا من العناصر المظلمة أو السلبية. أما التحديات التي واجهتها أثناء تصوير المشاهد فأظن أن العدو رقم واحد في تصوير أي فيلم هو الوقت، فسرد قصة مدتها ساعة ونصف الساعة في أسبوعين أمر شبه مستحيل، لكن مع إدارة جيدة وتنظيم جيد وتحضير ممتاز يمكن تحقيق نتيجة مرضية. يعتمد ذلك على دقة السيناريو، ومن خلال تجربتي كنت أعلم جيداً أن اختيار فيلم الطريق لن يكون سهلاً كما يظن الناس، بل إنه صعب جداً والتحدي كان إنهاء التصوير في أسبوعين بميزانية منخفضة".

ويعتقد المخرج أنهم "كفريق عمل بالكامل قد تغلبنا على الصعاب بفضل تعاون وتفاني الجميع في أداء مهامهم، وكذلك كان لنا الحظ الكبير في العمل مع ممثلين محترفين بكل ما للكلمة من معنى، وعلى رأسهم محمد خوي ورفيق بوبكر، فعندما تصور فيلمًا في سباق مع الزمن تكون جميع المشاهد صعبة خاصة عندما أطلب من الممثلين اللعب بمشاعر مكثفة، وأن يكونوا مركزين للغاية دون توقف. المهمة تبدو صعبة لكن دوري تقديم الدعم للطاقم الفني والتقني لأداء مهامه في جميع الظروف".

ويضيف "قمت بتصوير في مناطق مدينة بنسليمان وكان ذلك رائعا، حيث وجدت مناظر طبيعية كنت أراها وأعجب بها في الأفلام الإيرانية، وكنت دائما أحب التصوير في الأرياف. ويجب أن أقول إن الفيلم مزين بمناظر جميلة واختيار أماكن التصوير ساهم في خلق جو يؤثر على تطور الشخصيات، تبدأ بمناظر قاحلة وجافة من خلال العلاقة بين الأب والابن، ثم ننتقل إلى مناظر عدائية من خلال الجبال والطرق الصعبة والعقبات، وبعدها تواصل مستحيل من خلال طرق بها أسلاك كهربائية عالية تعكس التوتر بين الأب والابن لتنتهي بمناظر خضراء وجميلة توحي بالاستقرار بينهما". ويكشف المخرج لـ"العرب" أن "هناك المزيد من المشاريع التي تصب في هذا الاتجاه، كالفيلم الذي أنا بصدد العمل عليه بعنوان 'شذرات' وهو إخراج مشترك مع المخرجة فاتن جنان محمدي".

14