عالم الموضة يصبح أكثر اخضرارا بفضل الزراعة البيئية

الطلب على القطن المستدام يشهد تزايدا ملحوظا.
الخميس 2023/11/02
الإقبال على الأزياء المستدامة يتزايد

أصبحت الملابس الصديقة للبيئة أكثر شعبية وصار الناس يشعرون بالقلق بشكل متزايد بشأن تأثير الموضة السريع على البيئة، حيث تُعرف صناعة الأزياء باستخدامها المكثف للموارد الطبيعية وإنتاجها العالي للنفايات. وجاءت مبادرات القطن المستدام لتزيد الاهتمام بالقطن المتجدد. وتطمح المفوضية الأوروبية إلى تطبيق جميع اللوائح المخطط لها والتي تتطلب من شركات الأزياء إنتاج الملابس بطريقة أكثر استدامة.

إزمير (تركيا) - تنتشر سنابل القمح والشمندر السكري الجاف بين نباتات القطن. وتغطي مساحة من الأراضي الزراعية قرب ساحل بحر إيجة في تركيا. ويساعد ذلك على الاحتفاظ بمغذيات التربة ورطوبتها حتى خلال فترات الحرارة الحارقة.

وتذبل النباتات تحت أشعة الشمس في الحقول المجاورة، حيث يُزرع القطن دون الغطاء الواقي.

وقال باشاك إرديم وهو مدير مزرعة حقول القطن التي تملكها شركة تصنيع القطن سوكتاس ومقرها محافظة أيدين، إن “التربة الأكثر صحة تنتج قطنا أفضل”.

ومرّت أربع سنوات منذ أن نجحت شركة سوكتاس لأول مرة في تحويل هكتار واحد من الأراضي إلى الزراعة المتجددة (أي باعتماد الأساليب القائمة على الطبيعة لاستعادة الأرض وتحسين قدرتها على تخزين الكربون). وأصبحت التربة تمتص أكثر من 18 طنا من الكربون لكل هكتار سنويا.

وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية للغازات الدفيئة الصادرة عن حوالي 15 سيارة تعمل بالبنزين، وفقا لآلية للحساب تابعة لوكالة حماية البيئة الأميركية.

وقال إرديم لمؤسسة تومسون رويترز خلال جولة في حقول الشركة “نرى النتائج تتحسن كل عام”.

وتعرّفت سوكتاس في 2018 لأول مرة على الزراعة المتجددة من خلال علامة ستيلا مكارتني التي تشتري من الشركة، والتي تمتلك الآن 90 هكتارا من الأراضي المتجددة.

16

تشريعا تعتمد حاليا يمكن أن تحدد الحد الأدنى من معايير المتانة وقابلية إعادة التدوير لأي منتج يدخل الاتحاد الأوروبي

وتُعرف صناعة الأزياء باستخدامها المكثف للموارد الطبيعية وإنتاجها العالي للنفايات. وكثّفت جهودها خلال السنوات الأخيرة للحد من تأثيرها البيئي وبصمتها الكربونية، حيث حدد ميثاق صناعة الموضة التابع للأمم المتحدة هدف إزالة الكربون بحلول 2050 على مستوى هذه الصناعة.

وبينما ركزت الجهود على الحد من النفايات، تدعم العلامات التجارية والمصممون بشكل متزايد مشاريع في الزراعة المتجددة للمساعدة في تقليل الانبعاثات الناتجة عن صناعة المنسوجات التقليدية، مثل القطن والصوف.

وحدد مشروع تجريبي للقطن المتجدد في تركيا أنشأه الصندوق العالمي للطبيعة إمكانية تخزين ما يصل إلى 15 مرة أكثر من الكربون في التربة مقارنة بعزله بشكل عام.

وقالت جوكشي أوكولو مديرة القطن في شركة تكستايل إكستشاينج، وهي منظمة غير ربحية تعمل مع صناعات الأزياء والنسيج للمساعدة على تقليل تأثير المواد على البيئية، إن “التربة تصبح أكثر إسفنجية وحيوية”. وأضافت أن الزراعة التقليدية تقتل المواد العضوية الممتصة للكربون عند الإفراط في حرث الأرض.

وذكرت أوكولو أن الزراعة المتجددة تعتمد القليل من الحرث للمساعدة في الحفاظ على تركيبة التربة البيولوجية، بالإضافة إلى زراعة محصول يغطي الأرض ليحميها.

وأكد إرديم أن محصول القمح والفاصوليا والشمندر السكري في حقول سوكتاس ضاعف محتوى المادة العضوية في التربة خلال أربع سنوات، وأن القطن يحتاج إلى كميات أقل من الأسمدة والمياه كل عام.

الاقتصاد الدائري

القطن المستدام أكثر كلفة
القطن المستدام أكثر كلفة

وفقا لاتحاد الصناعة البريطاني، يتزايد الطلب على القطن المنتج بشكل مستدام الذي يمثل ما يقرب من 20 في المئة من إمدادات القطن العالمية في 2020.

وتشمل أكبر مبادرات القطن المستدام “باتر كوتون” و”أورغانيك فيرترايك”. لكن جولز لينون مديرة الأزياء في مؤسسة إلين ماك آرثر قالت إن الاهتمام بالقطن المتجدد يتزايد، مع إقامة شراكات بين منتجي الدنيم الرائدين مثل “بوسا” و”دي إن إم”.

وأضافت لينون “يوجد مركز للنشاط لم نشهده من قبل. لكننا نحتاج أولا إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على المنتجات الحالية”، مشيرة إلى أن الانتقال إلى الاقتصاد الدائري يتطلب تقليل حاجة الصناعة إلى المواد الخام من خلال منح الأولوية لإعادة التدوير والاستخدام.

وفقًا لمعايير الاستدامة الطوعية عالميًا شهد انتاج القطن معدل نمو سنوي بنسبة 39 إلى 40 في المئة بين عامي 2008 و2019

وتابعت “نريد أن تأتي الاحتياجات المتبقية مهما كانت من مصادر متجددة”.

ووفقًا لتقرير صادر عن المعهد الدولي للتنمية المستدامة في عام 2019، شهد القطن المنتج وفقًا لمعايير الاستدامة الطوعية عالميًا معدل نمو سنوي بنسبة 39 إلى 40 في المئة بين عامي 2008 و2019. وجاء حوالي 92 في المئة من القطن المتوافق مع معايير الاستدامة الطوعية من آسيا بقيادة الهند والصين وتركيا.

وشكل القطن المتوافق مع معايير الاستدامة ما لا يقل عن 14.1 في المئة من إجمالي إنتاج القطن في عام 2016، ويختار المستهلكون والشركات في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد القطن المنتج وفقًا لمعايير “في إس إس”، مثل “بتر كوتون” أو القطن المصنوع في أفريقيا، وفقًا للسوق العالمية لتقرير أسعار القطن والاستدامة.

وأفادت أكبر العلامات التجارية والشركات الخاصة بالقطن أن 85 في المئة أو 720 ألف طن من القطن لديها مصدر أكثر استدامة (متوافق مع معايير الاستدامة أو معاد تدويره) في عام 2020، بزيادة 300 ألف طن عن عام 2017.

واقترح التقرير أن يحصل المزارعون على أسعار أعلى بنسبة تصل إلى 50 و20 في المئة من دخل المحاصيل للقطن المتوافق مع معايير الاستدامة، مقارنة ببيع القطن التقليدي، وذلك بسبب زيادة الجودة والممارسات الفعالة من حيث التكلفة المرتبطة بالامتثال.

ولا يزال الحد الأدنى من الأسعار وأقساط التأمين المرتبطة بخدمات الاستدامة أقل من مستويات الأسعار في الأسواق الدولية أو التي تحددها حكومات البلدان المنتجة.

وقال فيفيك فورا كبير المنتسبين في المعهد الدولي للتنمية المستدامة “يزداد الطلب على القطن المستدام حيث يتطلع العملاء إلى اتخاذ قرارات شراء مسؤولة وتستخدم العلامات التجارية الاستدامة لتمييز منتجاتها في السوق، ويأتي معظم الطلب من أوروبا وأميركا الشمالية، لكن الوعي آخذ في الازدياد في الأسواق النامية والناشئة الكبيرة مما يشير إلى أن النمو سيستمر”.

المفوضية الأوروبية تطمح إلى تطبيق جميع اللوائح المخطط لها والتي تتطلب من شركات الأزياء إنتاج الملابس بطريقة أكثر استدامة بحلول 2028.

وتطمح المفوضية الأوروبية إلى تطبيق جميع اللوائح المخطط لها والتي تتطلب من شركات الأزياء إنتاج الملابس بطريقة أكثر استدامة بحلول 2028.

ويُعتمد حاليا 16 تشريعا يمكن أن تحدد الحد الأدنى من معايير المتانة وقابلية إعادة التدوير لأي منتج يدخل الاتحاد الأوروبي ويطلب من شركات الأزياء جمع نفايات المنسوجات.

وقالت أنيتا تشيستر رئيسة قسم الأزياء في مؤسسة لودز، وهي منظمة خيرية تساعد في تمويل تغطية مؤسسة تومسون رويترز للمشاريع الخضراء “قد يعني هذا دفعة كبيرة لانتقال ممارسات التوريد الشاملة بفضل أهمية سوق الاتحاد الأوروبي”.

وأشارت تشيستر إلى قلة الإجراءات لتشريع الزراعة المتجددة لأنها لا تزال في المراحل الأولى من اعتمادها. لكن بعض السياسات الحالية قد تساعد في دعم التحول، ومنها قانون صحة التربة الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي.

انتقال عادل

Thumbnail

قالت تشيستر إن المعايير والشهادات موجودة، وهي تشمل التحالف العضوي المتجدد أو “ريجيناغري”. ولكن من الضروري على العلامات التجارية والمصممين الاستثمار في المزارعين لمساعدتهم على الانتقال إلى الزراعة المتجددة.

وأضافت تشيستر “لا يمكن أن يكون أي شيء متجددا إذا لم يكن عادلا. يتوجب بناء قدرة المجتمع على الصمود من خلال مكافأة المزارعين على إدارتهم للطبيعة والخدمات التي يقدمونها لمساعدتنا في مكافحة تغير المناخ”.

وقالت زينب كايهان عضو مجلس إدارة شركة سوكتاس، إن إقناع بعض العلامات التجارية بالتحول إلى القطن المتجدد صعب لأنه أكثر كلفة.

وذكرت أن المزارع المتجددة تخسر أرباحها في البداية بسبب انخفاض الإنتاجية (قبل تحسن التربة)، بالإضافة إلى التكاليف الإضافية لاختبارات التربة وإصدار الشهادات والاستثمار في آلات عدم الحراثة. كما تضطر لاعتماد محصول ثانوي في الشتاء بهدف التغطية، ولا يتم حصاده.

وأضافت “تعدّ عملية التحول أكثر كلفة، ولكنك تحتاج إلى مدخلات أقل مع مرور الوقت حتى تستقر الأمور”.

ويساعد تحسين صحة التربة أيضا على تجنب آثار تغير المناخ التي تضرب قطاع القطن.

وتظهر الأبحاث التي أجرتها ویلیس تاور واتسون للتأمين أن نصف مناطق زراعة القطن ستكون بحلول سنة 2040 في خطر متزايد بسبب المخاطر المناخية، مثل الإجهاد المائي والطقس القاسي.

وقالت كايهان “يصبح الاحتفاظ بالمياه أكثر أهمية في المستقبل لأنك تحتاج إلى كمية أقل منه إذا فهمت أن التربة يمكنها الاحتفاظ بمياهها ومغذياتها”.

أزياء صديقة للبيئة
أزياء صديقة للبيئة

وأشار إرديم إلى أن الأمطار الغزيرة في الربيع دمرت بذور القطن في مزارع سوكتاس، لكن التربة الصحية في قطع الأراضي المتجددة ساعدت المزارعين على إعادة زراعة البذور بسرعة.

وتابع “إذا تحول جميع المزارعين إلى الزراعة المتجددة، فقد يتغير المناخ لصالحنا”.

وتضطلع المواد الخام والأقمشة المستدامة في إنتاج الملابس الصديقة للبيئة بدور حاسم في ضمان الاستدامة والممارسات الأخلاقية، ومع استمرار الطلب على الأزياء المستدامة شهدت سوق المواد الخام الصديقة للبيئة والأقمشة نموا كبيرا أيضا.

ووفقا للإحصاءات الأخيرة من المتوقع أن تصل السوق العالمية للمنسوجات المستدامة إلى 150 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، ما يشير إلى وجود إمكانات سوقية قوية للشركات التي تركز على الملابس الصديقة للبيئة وأحد أكثر المواد الخام استخداما في الملابس الصديقة للبيئة هو القطن العضوي. ويزرع القطن العضوي دون استخدام مبيدات الآفات والمواد الكيميائية الضارة مما يجعله بديلا أكثر استدامة للقطن التقليدي.

وبالإضافة إلى القطن العضوي فإن الأقمشة المستدامة الأخرى مثل القنب والبامبو والبوليستر المعاد تدويره تكتسب شعبية في صناعة الملابس الصديقة للبيئة، وتقدم الأقمشة فوائد بيئية متنوعة بما في ذلك انخفاض استهلاك المياه، وانخفاض انبعاث الكربون، وانخفاض الاعتماد على الموارد غير المتجددة.

ويمكن أن تختلف كلفة المواد الخام والأقمشة المستخدمة في الملابس الصديقة للبيئة بحسب عوامل مثل مصادرها وطرق إنتاجها وشهاداتها. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الطلب على المواد المستدامة قد أدى إلى زيادة توافرها والقدرة على تحمل تكاليفها في السنوات الأخيرة.

وتعطي العديد من العلامات الصديقة للبيئة الأولوية للشفافية في سلسلة التوريد الخاصة بها، بما يكفل أن تكون المواد الخام والأقمشة المستخدمة من مصادر مستدامة.

ويشمل ذلك العمل بشكل وثيق مع الموردين الذين يلتزمون بممارسات تجارية عادلة، ولديهم شهادات مثل المعيار العالمي أوكو ـ تاكس ستندار 100 أو (غوتس) للمنسوجات العضوية.

ملابس صديقة للبيئة

نسيج أصلي
نسيج أصلي

أصبحت الملابس الصديقة للبيئة أكثر شعبية، حيث صار الناس يشعرون بالقلق بشكل متزايد بشأن تأثير الموضة السريع على البيئة. ووفقا لدراسة حديثة من المتوقع أن تصل سوق الأزياء الأخلاقية العالمية إلى 9.81 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يوفر فرصة رائعة للشركات الناشئة المبتكرة لتحقيق فرق مع تحقيق الربح أيضا

وتعد منصة التجارة الإلكترونية التي تنظم مجموعة من ماركات الأزياء المستدامة والأخلاقية أحد نماذج الأعمال الواعد للملابس الصديقة للبيئة. وتعمل المنصة كسوق للشركات الصغيرة مما يوفر لها جمهورا أوسع والمزيد من العرض. وسيركز الخبراء على إنشاء هوية قوية للعلامة التجارية بناء على التزامهم بالاستدامة وسيقومون بتسويق أنفسهم بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لجذب المستهلكين الأصغر سنا والأكثر وعيا اجتماعيا، بالإضافة إلى ذلك قد يقدمون برنامج مكافأة لتحفيز ولاء العملاء، وبشكل عام يتمتع النموذج التجاري بإمكانية إحداث تأثير كبير على الصناعة مع تلبية الطلب المتزايد على الملابس الصديقة للبيئة.

وممّا لا شكّ فيه أن حماية البيئة والحفاظ على كوكب الأرض ليسا عملاً فرديًا يحققه شخص واحد أو بلد واحد بمفرده، لكن إن فكّر الجميع في الأمر، وسعى كل من خلال مجال تخصصه لأن يسهم في الحفاظ على الموارد البيئية، فلا شكّ أنه سيحدث تغيير، وسيتم تحقيق نتائج إيجابية في هذا الصدد.

الأقمشة المستدامة مثل القنب والبامبو والبوليستر المعاد تدويره تكتسب شعبية في صناعة الملابس الصديقة للبيئة وتقدم الأقمشة فوائد بيئية متنوعة بما في ذلك انخفاض استهلاك المياه

ومن هنا يأتي مفهوم “المشاريع الخضراء” ليكون خطوة أولى يخطوها العديد من روّاد الأعمال الجدد والمشاريع الصديقة للبيئة أو “المشاريع الخضراء” هي تلك المشاريع التي تعطي اهتمامًا كبيرًا لجعل المستقبل مستدامًا بيئيًا، حيث تسعى الشركات الخضراء لإحداث تأثير إيجابي على البيئة سواءً على الصعيد المحلي أو العالمي.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال العديد من الممارسات والإستراتيجيات، بدءًا من إعادة التدوير إلى تحديد مصادر المنتجات المحلية لتعزيز كفاءة الطاقة.

وتسعى الشركات الخضراء، التي تُسمى أيضًا بالشركات المستدامة، لتحقيق التوازن بين الربح المادي والحفاظ على البيئة، حيث توجد مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات التي تقدمها الشركات في هذه الفئة بهدف خلق التوازن.

وتختلف درجة تبني الممارسات المستدامة وتنفيذها بشكل كبير بين الشركات اعتمادًا على العديد من الظروف، مثل الوعي العام، والاقتصاد ومستوى التصنيع، ودرجة الدعم الحكومي والتنظيم، وعمر رواد الأعمال وصناع القرار في منطقة معينة.

ومع ذلك، فقد توسع اقتصاد الأعمال الخضراء بشكل كبير في العقد الماضي بهدف الحفاظ على البيئة، ويستمر الاقتصاد في التوسع حيث تتبناه الشركات الخضراء بشكل متزايد بالإضافة إلى المستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين، لاسيّما في ضوء التقييم الأخير للتهديد الوشيك لتغير المناخ على كوكب الأرض.

15