عادل الغضبان محافظ مصري بخلفية عسكرية يظفر بجائزة التميّز العربي

شهدت بعض الدول العربية، مؤخرًا، اتساعا كبيرا لدور المحافظ أو المسؤول المحلي، مع تطور مفهوم اللامركزية الإدارية، والسعي لتوسيع سلطات هؤلاء ليصبح كل منهم أقرب إلى حاكم شبه مكتمل الصلاحيات في محافظته، وخاصة إنْ كانت تلك المحافظة بعيدة عن العاصمة.
في ظل ذلك التطور برز، خلال السنوات الماضية، محافظون أكفاء في مصر لفتوا الأنظار بقدراتهم على تلبية احتياجات ومطالب أهالي المحافظة، وبحجم ما نفذوه من مشروعات تنموية بدت متسقة مع عجلة المشروعات التنموية التي تتبناها الحكومة المصرية. منهم عادل الغضبان محافظ بورسعيد، الواقعة في شمال شرق القاهرة، والذي حاز على جائزة التميز الحكومي في العالم العربي التي أطلقتها حكومة دبي، وهي تعد الجائزة الأولى من نوعها والأكبر على مستوى العالم العربي في مجال التطوير الإداري والتميز المؤسسي الحكومي، واستقبلت نحو خمسة آلاف مشاركة حكومية، مع استثناء دولة الإمارات العربية، تأكيدا وضمانا للحيادية، وتضمنت الجائزة عدة فروع أبرزها جائزة لأفضل وزير عربي، وأخرى لأفضل محافظ، وثالثة لأفضل موظف حكومي وموظفة حكومية.
وقد بدا فوز بورسعيد غريبا، باعتبارها محافظة شبه منسية، بعيدة عن اهتمام الحكومات السابقة لمحدودية مساحتها التي لا تتجاوز 1350 كيلومترًا مربعًا، وقلة عدد سكانها، مقارنة بباقي المحافظات المصرية، إذ لا يزيدون عن 770 ألف نسمة.
القائد والمدينة الباسلة
أنشئت بورسعيد كمدينة سنة 1859، وهي تنسب إلى الوالي المصري محمد سعيد، وظلت على مدى تاريخها متفاعلة مع الأحداث الوطنية الكبرى في مواجهة الاحتلال البريطاني، ثم ضد العدوان الثلاثي سنة 1956، وضُرِبت بها الأمثال في المقاومة الشعبية، وتوصف دوما بالباسلة، ضمن مدن قناة السويس الأخرى، السويس والإسماعيلية.
تعرضت للعدوان الإسرائيلي عام 1967 واضطر أهلها للهجرة إلى القاهرة ومدن الدلتا، طلبا للاستقرار، ثم عادوا مرة أخرى بعد حرب أكتوبر 1963، وقام الرئيس الراحل أنور السادات بتحويلها إلى منطقة حرة لفتح مجالات عمل تجاري متميز لأهلها، لكن مع تحرر التجارة العالمية وتطور الصناعات في مصر فقدت المدينة مزاياها الخاصة بالإعفاء الجمركي، وعانى أهلها من نقص الموارد وتراجع فرص العمل.
جائزة التميّز التي تقدّمها دبي تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم العربي في مجال التطوير الإداري الحكومي، وتتضمن فروعًا عدّة أبرزها جائزة أفضل وزير عربي، وأفضل محافظ، وأفضل موظف
ورغم أهميتها إستراتيجيًّا، إذ تطل على قناة السويس وتمثل نقطة تماس مع شبه جزيرة سيناء، تعرضت إلى إهمال وتجاهل الحكومات لأكثر من عشرين عاما، ورأت الحكومة الحالية في إطار مشروعاتها التنموية ضرورة تحويلها إلى نموذج مبدئي لمحافظة عصرية تمثل حقل تجارب لمشروعات تنموية كبرى.
اختُبر الغضبان في بورسعيد بشكل عملي قبل تعيينه محافظا، إذ تولى عقب احتجاجات يناير 2011، وكان وقتها برتبة عميد، مسؤولية تأمين مدينة بورسعيد، وظل حاكما عسكريا لها قرابة ثلاث سنوات، واعتبره أبناء المدينة الباسلة بمثابة الحامي لها، خلال أحداث الفوضى التالية. وعندما قامت ثورة يونيو 2013 ضد حكم الإخوان تكررت تهديدات التنظيمات الإرهابية لاستهداف المجرى الملاحي لقناة السويس، وقررت قيادة القوات المسلحة اختياره قائدا لقوة تأمين المجرى الملاحي للقناة، فأشرف وقتها على إنشاء سور عازل لضفتي القناة، ثم عين مستشارا لرئيس هيئة قناة السويس لشؤون الأمن.
صقلت تلك المهام المتتالية التي تولاها الرجل قبل اختياره محافظا لبورسعيد في ديسمبر 2015 قدراته وخبراته، وكشفت عن مستوى كبير من الكفاءة وسرعة الإنجاز مع دقته والعمل الدؤوب الجاد، حيث يعتبر أي مهمة يكلف بها بمثابة تكليف قتالي لا يُمكن التقاعس عنه أو التراخي في أدائه أبدا.
ثقة بلا حدود
تجلت قناعة وثقة الرئيس عبدالفتاح السيسي في محافظ بورسعيد في أول زيارة قام بها للمدينة في ديسمبر سنة 2016، حيث كان يقوم بافتتاح جسر عائم يربط شرق القناة بغربها، وقال أمام الناس إنه يُقدر اللواء الغضبان ويعرف تماما مدى كفاءته، ويعتبره مثالا يحتذي به باقي المحافظين.
لم تكن تلك العبارة مجرد كلمات مجاملة اعتيادية، فالرئيس المصري معروف بجديته الشديدة في التعامل مع المهام التنفيذية، ولا يقبل تهاونا، ولا يمدح أحدا دون أن يكون ذلك الممدوح مستحقا لكل كلمة.
أما بصمات الغضبان فكانت واضحة على المدينة ولكل زوارها، بعد أن أسهم في تنفيذ أحد أكبر المشروعات الحكومية الناجزة في المحافظة في قطاع النقل البحري من خلال موانئ جديدة بطول 5.5 كيلومتر، فضلا عن تجهيز أكبر منطقة لوجيستية على مساحة 30 ألف كيلومتر مربع، لتعمل إلى جوار أنفاق التعمير والتنمية التي أنشئت لربط شبه جزيرة سيناء بباقي البلاد.
وجعل تنامي المشروعات وتكاملها في السنوات التالية بورسعيد نموذجا لمحافظة مصرية رائدة نجحت في اللحاق بركب التطور والتنمية من خلال الأدوات المتاحة للمنظومة الحكومية في مصر، وهو ما كان لافتا للجان التحكيم في الجائزة العربية. فمشروع الغاز الطبيعي شرق المدينة والمعروف بـ”ظهر”، كان دافعا لإنشاء أكثر من خمسين مصنعا جديدا. المحافظة المطلة على قناة السويس والبحر المتوسط تبدو كمدينة عصرية، تتميز عن القاهرة والمدن الكبرى مثل الإسكندرية، بانتظام شوارعها وتجهيزها بالبنية التحتية الجيدة، والتي تسمح بصرف مياه الأمطار في فصل الشتاء على خلاف باقي المدن التي قد تشهد تعطيلا للدراسة عند سقوط الأمطار نتيجة تراكمها.
شهدت المدينة في عهد الغضبان بناء واستكمال أكثر من 50 ألف وحدة سكنية جديدة، مع إنشاء مصنع ضخم لتدوير القمامة، وإنتاج خامات كيميائية أساسية، ما جعل المدينة لأول مرة في تاريخها مصدّرة للخامات إلى الخارج.
تطوير الإنسان

فوز بورسعيد يبدو غريبا، باعتبارها محافظة شبه منسية، بعيدة عن اهتمام الحكومات السابقة لمحدودية مساحتها، وقلة عدد سكانها.
لم تقتصر بصمات الغضبان على الجوانب الإنشائية والمشروعات البنائية فقط، إنما امتدت لتطوير القدرات البشرية لأهل المحافظة من خلال تطبيق نُظم جديدة للتعليم والتدريب بما يُمثل نموذجا مبدئيا لتجربة تطوير التعليم المصري، مع التركيز على القرى الجنوبية المتاخمة للمدينة والتي اتسمت دوما بانتشار الأمية وندرة فرص العمل. ولم يكن غريبا في هذا المضمار إعداد وتنفيذ 21 برنامجا تدريبيا وتأهيليا للشباب وفر العديد من فرص العمل، واستوعب جانبا من الطاقات المعطلة. وقد اختيرت بورسعيد في العام الماضي لتجربة مشروع التأمين الصحي الشامل الجديد، وجاء ذلك الاختيار بناء على كونها أول محافظة رقمية في مصر، حيث تحولت كافة الخدمات الحكومية فيها إلى خدمات إلكترونية، ما جعلها جديرة بأن تكون حقل تجارب أساسيّا للكثير من مشروعات التطوير.
الغضبان مُنسجمٌ مع السياق العام للدولة المصرية المهتم بإرساء قيم المواطنة بين جميع المواطنين عبر تيسير بناء الكنائس وفق القانون المنظم، ليتم وضع حجر أساس لبناء كنيسة باسم الأنبا أنطونيوس، وأخرى باسم الأنبا بولا، وهو ما شهده البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر.
في ظل جائحة كورونا، ظهر الغضبان بمثابة باعث للطمأنينة بإشرافه بنفسه على تطبيق الإجراءات الاحترازية والتجول كل يوم في الأماكن العامة لمتابعة جدية التنفيذ، بل وزيارة المستشفيات والمراكز الصحية للتأكد من اِلتزام العاملين فيها بجدية تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين.
الغضبان لا يثبت تميّزه في بورسعيد وهو محافظ لها وحسب، بل إنه اختُبر فيها بشكل عملي قبل تعيينه محافظا، إذ تولى عقب احتجاجات يناير 2011، وكان وقتها برتبة عميد، مسؤولية تأمين مدينة بورسعيد، وظل حاكما عسكريا لها قرابة ثلاث سنوات
أعاد الغضبان نموذج رجل الدولة التنفيذي الذي يعي ويدرك جدية القيادة السياسية المصرية في التطوير الشامل حضاريا وبشريا ويعمل باعتباره ركنا من أركانها، ومثل هذا النموذج عرفته مصر مبكرا في الأزمنة التي شهدت خلالها فورات مشاركة أوسع للقيادات العسكرية في المناصب المدنية. فالرجل هنا لا يلتفت إلى مكاسب ذاتية ولا يبحث عن شعبية بقدر اهتمامه بتأدية دوره في تيسير وتنفيذ كافة المشروعات المحققة لأهداف الدولة، لذا فإنه يُرجع ما تحقق، وفقا لكلمته في حفل استلام جائزة التميز، إلى العمل الجماعي القائم على تكامل أدوار كافة العناصر الحكومية المسؤولة، مكررا أن ما تحقق لا يعكس أداءه وحده، وإنما يعكس أداء منظومة حكومية جديدة بدأت خلال السنوات الأخيرة تجد سبيلها في العمل في مصر.
عانى الغضبان خلال فترة احتلال إسرائيل لسيناء من مشكلة التهجير، وشعر بمرارة ترك الأرض بسبب انعدام الأمن، وقاسى مع أسرته وجع الاغتراب المكاني وأدرك جيدا قيمة الأمن وأهمية الاستقرار. كما ذاق فرحة النصر المتحقق في أكتوبر 1973 وأدرك أهمية التضحية والفداء في سبيل الوطن، ما دفعه إلى حب الخدمة الوطنية والسعي لنيل شرف ارتداء البزة العسكرية.
ورغم أنه كان من الطلبة المتفوقين في الدراسة، وحصل على مجموع عال يؤهله لدخول كلية الهندسة، إلا أنه فضل الانضمام إلى كلية الدفاع الجوي، وتخرج فيها ضابطا متخصصا في أنظمة الدفاع الجوي، وأصقل خبراته بالحصول على عدة دورات عسكرية في روسيا وأوكرانيا، إلى جانب دورات أخرى متخصصة في إدارة الأزمات بأكاديمية ناصر العسكرية في القاهرة.