عائلة إيزيدية ينتهي بها المطاف مجددا في خيمة بشمال العراق بعد أن تبددت أحلامها الأوروبية على حدود بولندا

الحلم الأوروبي هاجس النازحين الإيزيديين أملا في حياة كريمة.
الاثنين 2021/11/22
نهاية دراماتيكية

دهوك (العراق) - أطل قاري حسن كالو من نافذة الطائرة أثناء هبوطها في مطار بشمال العراق حيث كان يأمل هو وعائلته ألا يعودوا إليه مجددا بعد مغادرتهم إلى بيلاروسيا قبل شهرين، مدفوعين بأحلام حياة جديدة في أوروبا.

وكان كالو، البالغ من العمر 35 عاما، توسل للحصول على قروض وأنفق جميع مدخراته في الرحلة المشؤومة إلى العاصمة البيلاروسية مينسك، التي كانت المحطة الأولى للوصول إلى أوروبا.

واضطرت زوجته زينة البالغة من العمر 30 عاما إلى بيع ممتلكاتها القليلة في مقامرة تركت أسرة مكونة من ستة أفراد عالقة لعدة أيام في غابة على حدود بيلاروسيا وبولندا. وعاد الجميع في النهاية إلى الديار، خوفا من تعرض حياة والدة كالو المريضة والمسنة للخطر.

ومع ذلك، يقولون إنهم سيكررون مجددا محاولة الوصول إلى أوروبا للهروب من حياتهم اليائسة التي قضوها في مخيم للنازحين الإيزيديين على مدار السنوات السبع الماضية.

وينتمي كالو وعائلته إلى الإيزيديين، وهي أقلية دينية تعرضت إلى معاملة وحشية من مقاتلي تنظيم داعش عندما اجتاحوا شمال العراق في العام 2014.

وقال كالو الجمعة، من مخيم كارباتو “لولا أطفالي وأمي لما عدت أبدا ولكنت بقيت في تلك الغابة بأي ثمن بدلا من العودة إلى هذه الخيمة”. وأضافت الزوجة “هذه ليست حتى خيمتنا. ليس هذا مكانا لتربية الأطفال وللعيش”.

عائلة كالو من بين 430 شخصا عادوا من مينسك، حيث نزل 390 منهم في مطار أربيل الدولي قبل مواصلة الرحلة إلى بغداد

ويعتبر شمال العراق الجزء الأكثر استقرارا في بلد مزقته النزاعات، لكن تزايد البطالة والفساد يدفع الآلاف للهجرة.

وعاد المئات من العراقيين الخميس إلى ديارهم من بيلاروسيا بعد تخليهم عن آمالهم في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وجاءت إعادة اللاجئين بعد أن علق الآلاف من المهاجرين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا وسط تصاعد التوترات بين البلدين.

وكانت عائلة كالو من بين 430 شخصا عادوا من مينسك إلى العراق، حيث نزل 390 منهم في مطار أربيل الدولي قبل مواصلة الرحلة إلى
بغداد.

واتهم الغرب رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو باستخدام المهاجرين كبيادق لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي انتقاما من العقوبات التي تم فرضها على نظامه الاستبدادي في أعقاب حملة قمع قاسية على المعارضة الداخلية.

وتنفي بيلاروسيا هندسة الأزمة، التي شهدت دخول المهاجرين إلى البلاد منذ الصيف، بعد أن تم استدراجهم بتأشيرات سياحية سهلة، ثم محاولة العبور إلى بولندا وليتوانيا ولاتفيا، وجميعها دول في الاتحاد الأوروبي.

ولا يمانع كالو إذا كانت لعبة جيوسياسية ستُلعب على حسابه إذا أخرجت عائلته من العراق، قائلا “ماذا لو كنت بيدقا في يد شخص ما إذا أوصلني إلى ألمانيا؟”.

وكان كالو سمع من أصدقائه أن الأكراد وجدوا طريقها إلى ألمانيا بعد أن خففت بيلاروسيا متطلبات التأشيرة الربيع الماضي. وتوسل إلى شقيقه في أستراليا لتحويل مبلغ 9 آلاف دولار إليه لدفع ثمن طلب المهربين لزوجته وثلاثة أطفال صغار ووالدته.

ووفر أيضا المال من عمله كشرطي أين تعرض للتمييز باعتباره إيزيديا، حيث قال إن زملاءه رفضوا تناول الطعام معه أو مشاركته الغرفة. وطلب إعادة التعيين، لكن رئيسه رفض الأمر إلا إذا أعطاه نصف دخله.

وتحدث عن قرار الاستقالة قائلا “ما فائدة الوظيفة إذا كانت غير كافية لإطعام أسرتك؟”.

وسلكت العائلة الطريق البري إلى إسطنبول في سبتمبر، واستقلّت الرحلات الجوية إلى مينسك في الشهر التالي، ثم توجهت مباشرة إلى الحدود البولندية، وحفرت مع عائلتين عراقيتين أخريين تحت السياج الحدودي، ووصلت إلى الجانب الآخر في الظلام.

المئات من العراقيين عادوا إلى ديارهم من بيلاروسيا بعد تخليهم عن آمالهم في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي

وسار الأفراد لمدة أربعة أيام بحثا عن نقطة وُعدوا بأن تلتقي بهم سيارة فيها وتنقلهم مباشرة إلى ألمانيا، لكن هذا لم يحدث. وفي اليوم الرابع نفد طعام عائلة كالو حيث انخفضت درجات الحرارة في الغابة الكثيفة والمبللة.

وعثرت عليهم السلطات البولندية وأعادتهم عبر الحدود. واستقبلهم معسكر يضم المئات من المهاجرين. وكانت السلطات البيلاروسية توزع قواطع للأسلاك وتدفع المهاجرين عبر الأسلاك الشائكة.

واستخدمت السلطات البولندية خراطيم المياه لصدهم، لكن كالو قال إن هذا لم يردع السلطات البيلاروسية التي ضربتهم وهددتهم.

ومع ذلك، كافح الزوج والزوجة من أجل البقاء، واتفقا على أن أي شيء أفضل من حياتهما في خيمة. ولكن مع معاناة والدته وتدهور الظروف، لاقى كالو شفقة السلطات البيلاروسية، وسُمح له بالعودة إلى مينسك لطلب المساعدة الطبية.

وسمع كالو أن الحكومة العراقية وافقت على إعادة المواطنين دون مقابل، وفكر مع زوجته في خياراتهما: العودة إلى حياتها اليائسة في العراق، أو تحمل المسؤولية إذا ماتت والدته. ليضطرا في النهاية إلى الخيار الثاني حيث وضعا أسماءهما على القائمة على مضض.

وقال كالو وهو يحمل ابنته كاتارين البالغة من العمر 5 سنوات إن أملهما لم يضع. وأضاف “لديّ الآن أولويتان: الأولى هي الحصول على خيمة خاصة بنا. والثانية، أن أقف على قدمي وأغادر هذا البلد. سأفعلها هذه المرة.. إذا كان هذا آخر يوم لي على هذه الأرض، فسوف أقضيه في محاولة المغادرة”.

3