ظروف استثنائية تحف بعاشوراء ولا تمنع إحياءها في كربلاء

كربلاء (العراق) - لم يقف حرّ شهر أغسطس الشديد ووباء كورونا الذي لا يزال يتفشى في العراق عائقا أمام المؤمنين الذين زاروا مدينة كربلاء المقدسة لاسيما مرقدي الإمامين الحسين والعباس إحياء لذكرى عاشوراء.
وبدءا من ليل الأربعاء توافد مئات الآلاف من رجال ونساء وشباب وكبار في السن جاء أغلبهم من مناطق مختلفة من العراق، كما جاء كثيرون من دول أخرى مثل الهند وإيران إلى المدينة التي خيمت على أسواقها ألوان الأسود لون الحداد، والأحمر لون الدماء التي سالت في يوم واقعة كربلاء، والأخضر اللون المميز للجنة وفق العقيدة الإسلامية.
وكان ستار ضلام القادم من الكوت جنوب شرق بغداد يقف في الشارع المحاذي لضريح الإمام الحسين وسط درجة حرارة فاقت الـ45 من دون كمامة على الرغم من التوصيات باتباع الإجراءات الوقائية. وقال لوكالة فرانس برس “نحن لا تهمنا الكمامات لأن اعتقادنا بالإمام حسين يحمينا من كل شيء”.
وليس ستار الوحيد الذي اختار التخلي عن الكمامة فقد اختفت الكمامات عن وجوه غالبية الأشخاص وسط الحشود التي تجمعت قرب ضريح الإمام الحسين الذي قتل في العاشر من محرم في السنة الحادية والستين هجريا، ويُحيي الشيعة منذ قرون ذكرى مقتله ومقتل العديد من صحبه وأفراد عائلته، بمواكب وشعائر تجري في بلدان عدة وترتدي رمزية كبرى في كربلاء.
وقال كامل محمد القادم من محافظة البصرة الواقعة في أقصى الجنوب إلى كربلاء لأداء الزيارة إنه لا يخشى الإصابة بالوباء لأن “إيماني بالله كبير وأنا أقتدي بالإمام الحسين”. ويعكس كلام كامل منظورا شائعا في العراق يقوم على اعتبار زيارة المقدسات تحمي صاحبها من الشرور.
وتشكّل التجمعات الدينية الكبيرة عاملا مساعدا لانتشار فايروس كورونا وقد حذرت منها السلطات الصحية في العالم. ونبهت السلطات العراقية مرارا في الأسابيع الأخيرة من دخول البلاد في موجة وبائية جديدة فيما تعاني مستشفيات البلاد من نقص عام في المعدات العلاجية، بينما يسجل العراق حتى الآن أكثر من مليون و800 ألف إصابة فضلا عن تسجيل أكثر من 19880 وفاة ولا تزال حملة التلقيحات في بدايتها حيث لم يتلق أكثر من 5 في المئة من السكان اللقاح حتى الآن.
وتجمعت حشود هائلة الخميس داخل مرقدي الإمام الحسين والعباس وخارجهما على وقع تأدية صلوات وأدعية وقبل ركضة طويريج التي يشارك فيها عادة الملايين عند الظهر، مرددين شعارات دينية.
وأكد معاون الأمين العام للعتبة الحسينية أفضل شامي أن إدارة العتبة “وفّرت ما يحتاج إليه الزائر من تعقيم وكذلك الكمامات”.
وعلى مداخل العتبات المقدسة التي أضيئت باللون الأحمر لمناسبة عاشوراء وضعت معقمات لكن عددها لا يبدو كافيا أمام العدد الضخم للوافدين.
وقال شامي إن “فرقا جوالة خصصت للمناطق المحيطة بالعتبتين لتعقيمها” لكن “يبقى على كل إنسان أن يحمي نفسه بالإجراءات الوقائية”.
وقال إنه يجري قياس حرارة الزائرين الداخلين قبل دخولهم عند نقاط التفتيش فيما توجد وحدة طبية قرب المرقدين مهمتها العناية بصحة الزائرين.
وفي الطريق إلى مداخل كربلاء انتشرت نقاط تفتيش عديدة ومنع الدخول إلى المدينة اعتبارا من مساء الأربعاء لأسباب أمنية.
وفي كل سنة تتحوّل مراسم إحياء عاشوراء التي تستمر على مدى أيام إلى عبء أمني كبير على الأجهزة العراقية، حيث ما يزال الوضع الأمني هشّا في البلاد بعد أربع سنوات على نهاية الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي ما يزال يحتفظ له بخلايا نائمة يستخدمها بين الحين والآخر في تنفيذ تفجيرات وعمليات تخريبية تنتج عنها خسائر بشرية.
ويكتسي تنفيذ تلك العمليات في مناطق ومواقع ذات رمزية دينية وطائفية خطورة مضاعفة حيث يمكن أن يؤدّي إلى تفجّر نزاع طائفي سبق للعراق أن شهده بالفعل إثر عملية تفجير استهدفت مرقد الإمامين العسكريين في مدينة سامراء شمالي العاصمة بغداد. ولا تزال ذكريات الحرب الطائفية التي نتجت عن تلك الحادثة واستمرت بين عامي 2006 و2008 ومرحلة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بين عامي 2014 و2017 ماثلة في أذهان الناس.
ورغم أن أعداد الزائرين لم تعد كما كانت عليه قبل الجائحة، خرجت المواكب الخاصة بالمناسبة الأربعاء كالعادة في شوارع المدينة رافقها قرع الطبول بإيقاعات مميزة وترداد قصائد تحتفي بالحسين وتعكس الحزن الذي لا يزال ينتاب المؤمنين الشيعة على هذه الواقعة التاريخية التي مرّ أكثر من 1400 عام على وقوعها.
وعلى جوانب طرق كربلاء انتشرت محطات إعداد الوجبات التقليدية المؤلفة من اللحوم والحمص والأرز فيما وضعت عبوات مياه صغيرة في حاويات تحتوي على الثلج لتقديمها مجاناً للمارة المرهقين من الحر.
واستعدادا ليوم العاشر من محرّم قرر عباس وهو رجل ستيني قضاء الليلة مع آلاف آخرين عند ضريح الإمام الحسين “فهذه الليلة تمرّ علينا مرة واحدة في السنة ولا بدّ من التضحية خلالها وأداء الشعائر الحسينية”.