ظاهرة العنف المدرسي تعكس تراجع العملية التربوية في المغرب

ظاهرة العنف المدرسي مرتبطة بالسياق العام المتسم بانحراف المجتمع عن القيم الإنسانية والأخلاق والقانون.
الجمعة 2025/05/09
المدارس تخلت عن دورها التربوي

الرباط ـ تنامت ظاهرة العنف المدرسي في المغرب لتتخذ شكل الجريمة في بعض الأحيان، فقد أودت هذه الظاهرة بحياة الأستاذة هاجر اليعكار، ومدير إعدادية اليوسفية حسن الشعشاع، وتم أيضا الاعتداء على أستاذ الرياضيات بالفقيه بن صالح، يوم الثامن من أبريل على سبيل المثال لا الحصر. ويجمع عدد من المختصين إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق التلميذ(ة) على أنها صورة عاكسة لانحطاط القيم في المدرسة العمومية، حيث لم تعد العملية التربوية كما كانت بعد التطبيع مع ظواهر وسلوكيات لامدنية مستشرية في الشارع العام.

وسجّل المكتب الوطني للجمعية المغربية لحقوق التلميذ(ة)، في بيان توصلت به “العرب”، أن ظاهرة العنف المدرسي مرتبطة بالسياق العام المتسم بانحراف المجتمع عن القيم الإنسانية والأخلاق والقانون، وبالتطبيع مع ظواهر وسلوكيات لا مدنية مستشرية في الشارع العام وما يترتب على ذلك من انعدام الأمان، حيث تزامن نمو الظاهرة مع تعميق الأزمة البنيوية التي تعرفها المدرسة العمومية كقلة الأطر الإدارية، والاكتظاظ، وعدم معالجة الممارسات السلبية في الوسط المدرسي، وما وصل إليه العنف (الاعتداء الجسدي بالسلاح الأبيض والأدوات الحادة) هو تراكم لسياسة تربوية فاشلة، ونتيجة منطقية لإفشال الإصلاحات المتتالية، ولتراكم التراجعات في سلم القيم أمام صمت الجميع.

وأكد البيان أن “استفحال ظاهرة العنف دليل على فشل منظومتنا التربوية فشلا ذريعا في تحقيق انتظارات المجتمع من المدرسة ودورها في نشر وتنمية قيم المواطنة والسلوك المدني والتسامح وثقافة حقوق الإنسان في الوسط المدرسي”، لافتا إلى أن “انتشار ثقافة التفاهة، وتحطيم القدوة الحسنة، وتطبيع الجميع مع سلوكيات لا مدنية تبدو بسيطة لكنها عميقة في تراكمها من بين الأسباب وراء الممارسات المشينة في الوسط المدرسي”.

عبدالله غميمط: العنف المدرسي ظاهرة لها أسباب وجذور اجتماعية ولا يمكن حلها بمذكرات تقنية
عبدالله غميمط: العنف المدرسي ظاهرة لها أسباب وجذور اجتماعية ولا يمكن حلها بمذكرات تقنية

ومع تزايد حالات العنف الممارس ضد الكوادر التربوية من إساءة لفظية إلى اعتداءات جسدية، قال الكاتب والشاعر والإعلامي المغربي جمال بدومة “إن استمرار العنف في السياق المدرسي، واتخاذه وجوها أخرى بالمقارنة مع السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، يثبت أن العنف يستمرّ في الوجود، لكن بصيغ أخرى، وثمّة جملة من الأحداث الراهنة التي تُذكّرنا به”، مشيرا إلى “وجود تغيّر جذري في المعادلة، وتبدّل كبير على مستوى القيم، حيث لم تعد العملية التربوية كما كانت.”

ورصد المتحدث خلال تقديم كتابه الجديد “سنوات قلم الرصاص” ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن “النقاش مازال متواصلا حول أهمية التعليم في المصعد الاجتماعي، لكن لا ينبغي الحديث عنه وحده، إنما لا بدّ من صناعة نظام تربوي يؤمّن تكافؤ الفرص”، موضحا أن “المعادلة هي أن عددا كبيرا من المغاربة يذهبون إلى المدرسة العمومية في كل الأجيال، لكن بطبقات، أي باستحضار تفاوت طبقي تتمّ إعادة إنتاجه تلقائيّا. وإذا نظرنا إلى صور بالأبيض والأسود تعود إلى التلاميذ في تلك الفترة، نجد أن لكلّ شخص مصيرا.”

وعلى المستوى الإحصائي، كشف المرصد الوطني للإجرام أن التلاميذ والطلبة يمثلون 7.2 في المئة من المتابعين في قضايا العنف، مع هيمنة واضحة لفئة التلاميذ بنسبة 81.9 في المئة، وأن العنف الجسدي يشكل 90.3 في المئة من مجموع حالات العنف المسجلة، إضافة إلى الزيادة المقلقة في حالات العنف ضد الأساتذة.

وتعالت أصوات تربويين ونقابيين للمطالبة بالتدخل الفوري والعميق لمعالجة هذه الظاهرة، بما يتجاوز الحلول التقنية الظرفية إلى مقاربات شاملة تمس الجذور الاجتماعية للمشكلة، وكترجمة لموقفها خرجت الكوادر التربوية في وقفات احتجاجية أمام المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية، للتنديد بالعنف المدرسي، مطالبة الحكومة بحمايتها من هذه الاعتداءات وتحمل مسؤوليتها في التعامل مع هذا الوضع الذي تعيشه المدرسة العمومية.

وأوضحت النقابات الخمس الأكثر تمثيلية في قطاع التعليم أن هذه الاعتداءات ترجع إلى عدة أسباب، من بينها إخفاقات المنظومة التربوية وسياسة التفكيك الممنهج للتعليم العمومي والتحريض ضد المدرسين والمدرسات، وتبخيس دورهم وزرع الحقد والكراهية ضدهم، وذلك بهدف “التغطية على الفشل الذريع للسياسة التعليمية بالبلاد وكل المشاريع الإصلاحية لوزارة التربية الوطنية، والتي تحولت إلى أداة لتبديد المال العام وهدره في غياب أي مساءلة أو محاسبة.”

وقال الفاعل النقابي عبدالله غميمط إن العنف المدرسي ظاهرة لها أسباب وجذور اجتماعية، ولا يمكن حلها في نظره بمذكرات تقنية، بقدر ما يتطلب الأمر اهتماما بالحياة المدرسية، التي فُرِّغت من كل الأنشطة التربوية، والتأطيرية، والثقافية، والإشعاعية، التي كانت تُربي التلاميذ على قيم التسامح، والتعاون، والاحترام، وحرية الرأي والتعبير.

ويُبرز غميمط أن المدرسة كانت هي المؤسسة التي تُعنى ببناء الإنسان، أما اليوم، فقد جُرِّدت من أدوارها الأساسية، وتم تحويلها إلى مقاولة تُنتج يدا عاملة مؤهلة لخدمة الرأسمال. ويشير إلى أن هذا التوجه ينسحب على المجتمع وقطاعات أخرى، مما يُنتج مجتمعا طبقيا من طبقتين أو أكثر، يشهد صراعات تتجاوز المدرسة وتمتد إلى المجتمع ككل.

◙ انتشار ثقافة التفاهة وتحطيم القدوة الحسنة، وتطبيع الجميع مع سلوكيات لامدنية من بين الأسباب وراء العنف في المدارس

كما اعتبر أن العنف المدرسي المتزايد ليس ظاهرة معزولة، بل هو نتاج “عنف اقتصادي وسياسي تمارسه الدولة ضد المدرسة العمومية، من خلال سياسات لا شعبية، واستيراد مخططات دولية فاشلة تم تنزيلها بشكل تعسفي”، مضيفا أن التلميذ والأسرة أيضا “ضحيتان لهذا التدبير المختل.”

وكشفت دراسة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بدعم من “يونيسف” عن أرقام مقلقة، حيث أظهرت أن 12 في المئة من أساتذة التعليم الابتدائي و19 في المئة من أساتذة التعليم الإعدادي يلجؤون إلى العقاب الجسدي، وأن 12 في المئة من الأطفال في المؤسسات التعليمية يتعرضون للعقاب الجسدي على يد أساتذتهم، و11 في المئة على يد الموظفين الإداريين. كما أفاد حوالي 40 في المئة من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة بأنهم وقعوا ضحايا للعنف في المدرسة.

وفي ندوة نظمها المرصد الوطني للإجرام بشراكة مع جامعة الحسن الأول بسطات، أكد الدكتور رضى لمحاسني، الأخصائي في علم النفس والمعالج النفساني، أن العنف المدرسي هو مؤشر على اختلالات نفسية واجتماعية تتطلب مقاربة شمولية لفهمها، كما استعرض أنواع العنف المدرسي (الجسدي واللفظي والنفسي والرمزي والإلكتروني) والعوامل النفسية والاجتماعية المؤدية له، مثل البيئة الأسرية المضطربة، والفشل الدراسي، والفقر، وضعف التواصل العاطفي.

وفي هذا الصدد دعت الجمعية المغربية لحقوق التلميذ الآباء والأمهات إلى “المواكبة والتتبع المنتظم ومراقبة سلوكيات أبنائهم وبناتهم”، مع دعوة الإدارة التربوية إلى التواصل الدوري مع الأسر من خلال تنظيم دورات توعوية ولقاءات تواصلية حول القضايا التي تهم التلاميذ، مطالبة الوزارة المعنية، بـ”توفير الكوادر الإدارية التربوية الكافية في المؤسسات التي تعرف اكتظاظا ملحوظا، وكوادر الدعم النفسي والاجتماعي لتتبع ومصاحبة الحالات والسلوكات المرضية والمنحرفة من التلاميذ والأساتذة، لدمجهم الإيجابي في المجتمع المدرسي”.

ويوصي خبراء في التربية لمواجهة العنف المدرسي، بتبني مقاربة متكاملة تجمع بين الوقاية والعلاج مع تعزيز التنسيق بين كل القطاعات المعنية وإشراك الأسر والمجتمع المدني، والاهتمام بالمناخ المدرسي، ووضع سياسات للوقاية من العنف السيبراني، وغرس ثقافة اللاعنف في المناهج التعليمية، مع التأكيد أن هدف تحويل المدرسة إلى فضاء آمن مسؤولية مشتركة تستدعي تضافر جهود جميع الفاعلين.

16