طوكيو توقظ البريطانيين على ثمن الطلاق مع أوروبا

فجرت مذكرة نشرتها وزارة الخارجية اليابانية المخاوف حين أشارت صراحة إلى أن الشركات والبنوك اليابانية ستغادر المملكة المتحدة، إذا لم تتمكن لندن من ترتيب خروج “ناعم” من الاتحاد الأوروبي، يحفظ للشركات العاملة فيها حق دخول الأسواق الأوروبية.
وسرعان ما ذهبت وسائل الإعلام البريطانية إلى إحصاء حجم الخسائر المتوقعة جراء الانتقال المحتمل لأكثر من 1000 شركة بريطانية تعمل في بريطانيا حاليا، إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. وذكرت أن تلك الشركات توفر حاليا أكثر من 140 ألف وظيفة وتصل استثماراتها إلى نحو 38 مليار دولار، وتمكنت من صناعة السيارات والقطارات والإلكترونيات وصولا إلى المصارف ومبيعات التجزئة.
ويبدو هدف الحكومة البريطانية في تقييد حقوق دخول العمال الأوروبيين، مستحيلا في وقت يصر فيه زعماء دول الاتحاد الأوروبي، على عدم السماح لبريطانيا باختيار ما يناسبها والاحتفاظ بالمزايا دون دفع ثمن حرية تنقل الأشخاص.
ويخشى الاتحاد الأوروبي من أن يؤدي منح بريطانيا مزايا مجانية، إلى انفراط عقد الاتحاد، لأنه سيدفع الكثير من الدول الأعضاء إلى المطالبة بالانفصال للحصول على المزايا المجانية غير الواقعية.
1000 شركة يابانية تستثمر في بريطانيا نحو 38 مليار دولار وتوفر 140 ألف وظيفة
ويمثل ذلك تحديا كبيرا لرئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، التي تلقت تحذيرا من الرئيس الأميركي باراك أوباما أيضا، حين قال إن الشراكات التجارية القوية التي تربط بين بلاده مع بريطانيا قد تتفكك، إذا لم تعالج مسألة الخروج بحرص شديد.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن تلك المواقف لا تدعو مجالا للشك في أن الشركات اليابانية والأميركية تستثمر في بريطانيا لأنها بوابة للوصول إلى 500 مليون مستهلك في السوق الأوروبية الموحدة، وأن استمرار ذلك أمر حاسم في بقائها. ودعت مذكرة وزارة الخارجية اليابانية السلطات البريطانية والأوروبية إلى التفاوض على اتفاق ما بعد الخروج، بطريقة تضمن كل حقوق بريطانيا في السوق الموحدة.
وقالت إن حكومة بريطانيا أغرت البعض من الشركات اليابانية كي تستثمر في بريطانيا على أساس أنها القاعدة التي كان “ينظر إليها على أنها بوابة أوروبا” وأشارت إلى أن هناك التزاما أخلاقيا للوفاء بتلك الوعود.
وأضافت المذكرة أن اليابان “تطالب بريطانيا بأن تدرس بقوة تلك الحقيقة وبشكل جدي وترد بطريقة مسؤولة من أجل تقليل التداعيات المضرة على الشركات اليابانية”.
وأكدت بشكل صريح أن “الشركات اليابانية بمقراتها الأوروبية الرئيسية في بريطانيا ربما تقرر نقل عمل مكاتبها الرئيسية إلى داخل أوروبا، إذا باتت قوانين الاتحاد الأوروبي غير مطبقة في بريطانيا بعد الانسحاب”. وأضاف أن المؤسسات المالية اليابانية قد “تنقل عملياتها من بريطانيا إلى مؤسسات موجودة في الاتحاد الأوروبي” إذا كانت هناك خسارة لحقوقها في جواز سفر موحد يتم الحصول عليه في بريطانيا للوصول إلى السوق الموحدة.
|
وأوضحت فايننشيال تايمز أن بريطانيا استأثرت في العام الماضي بنحو نصف الاستثمار الياباني المباشر الموجه إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت المقصد الرئيسي للاستثمارات اليابانية في أوروبا.
وقالت شركة تويوتا، التي تملك مصنعين في بريطانيا وتوظف 3500 عامل “سوف نراقب عن كثب ونحلل التأثير على عمليات شركتنا في بريطانيا وكيف يمكننا الحفاظ على التنافسية وتأمين نمو مستدام مع شركائنا في صناعة السيارات البريطانية وأصحاب المصلحة الآخرين”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في القطاع البنكي الياباني قولها إن مطالب اليابان سليمة وأنها تضع المسؤولية على الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، لتعريف طبيعة الانفصال بينهما.
وأدت المفاجأة اليابانية إلى تصاعد الجدل داخل بريطانيا بشأن ورطة الاستفتاء والخيارات القليلة المتاحة أمام لندن، وتصاعدت الأصوات المطالبة بإيجاد مخرج منها.
وقد نظّم الآلاف من البريطانيين مساء السبت، مظاهرات احتجاجية في لندن وبرمنغهام وبريستول وأكسفورد وكامبردج والعاصمة الأسكتلندية إدنبرة، رفضا لقرار انفصال بلادهم عن النادي الأوروبي.
ويقول مؤيدو البقاء أن الانفصال سيؤدي إلى ضربة قاسية للاقتصاد البريطاني وخاصة لمركز لندن المالي، الذي يساهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن لوحت المصارف العالمية الكبرى بنقل مقراتها إلى البر الأوروبي إذا فقدت حق التعامل المالي داخل منطقة اليورو من مراكزها في لندن.
كما أن الانفصال سيؤدي إلى نهاية بريطانيا بحدودها الحالية ويدفع إلى انفصال أسكتلندا الحتمي، وترجيح انفصال أيرلندا الشمالية، وموت جبل طارق، إذا انقطعت صلاته مع أسبانيا.
ولم تظهر البيانات من صدمة الاستفتاء تأثر الاقتصاد البريطاني لأن الحكومة لم تتخذ أي إجراء ملموس، وهي تؤكد على الانفصال بعبارات رنانة بلا مضمون، في وقت تواصل فيه الإصرار على الاحتفاظ بالمزايا التي تمنحها عضوية الاتحاد الأوروبي.
وتبدو الخيارات أمام لندن واضحة وصريحة، هي بين نارين، إما أن تكون كارثة اقتصادية ونهاية بريطانيا بحدودها الحالية، وإما انفصالا شكليا لا يختلف عن العضوية الحالية الكاملة، لأنه يبقي حرية تنقل الأشخاص، التي كانت العامل الحاسم الذي صوت له مؤيدو الانفصال للتخلص من غزو عمال أوروبا الشرقية.