طهران تخرّب جهود بغداد للنأي عن توترات المنطقة

بغداد - تتعمّد طهران تدمير جهود حكومة بغداد للنأي بالعراق عن تحمّل تبعات التصعيد الجاري في المنطقة بسبب التوتّر بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وعدد من حلفائها الإقليميين والدوليين، من جهة مقابلة.
ولم تمض أيام على قصف صاروخي لمحيط السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية، وتهديد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ داعش من مغبّة تكرار مثل ذلك الاستهداف الذي يرجّح أنّ وراءه إحدى الميليشيات التابعة لإيران، حتى بادر السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي إلى التهديد باستهداف القوات الأميركية على الأراضي العراقية في حال تعرّضت بلاده “لأي اعتداء من قبل واشنطن”.
وردت وزارة الدفاع العراقية، الجمعة، على كلام السفير معتبرة “الأراضي العراقية خطا أحمر”. وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء تحسين الخفاجي إنّ “العراق يرفض التهديدات التي تطلقها إيران أو أميركا”، مضيفا لقناة روسيا اليوم “العراق لن يكون منطلقا للاعتداء على إيران كما لن يسمح بأن يتم تهديد المصالح الأميركية على أراضيه”.
وأظهر كلام السفير الإيراني، مجدّدا، حرص إيران على توريط العراق في صراعاتها ضدّ خصومها الإقليميين والدوليين، والإبقاء عليه ساحة لتصفية الحسابات ضدّ هؤلاء الخصوم.
وبحسب خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية، فإن وجود العشرات من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على الأراضي العراقية يمنح طهران إمكانية خوض الصراع بالوكالة ضد الولايات المتحدة على أرض غير أرضها ودون خسائر تذكر، وهو ما تطبّقه إيران في اليمن حيث توكل لجماعة الحوثي مهمّة مواجهة السعودية والاعتداء على أراضيها واستهداف منشآتها الحيوية، دون تدخّل ميداني واضح من إيران عدا بعض المساعدات التقنية الخفية وجهود إيصال الأسلحة إلى الجماعة.
وقال مسجدي في مقابلة تلفزيونية مع قناة دجلة العراقية المحلية “الجمهورية الإسلامية لا تريد الحرب مع الأميركان أو أي أحد”، مضيفا “هؤلاء يقولون دائما إن الخيار العسكري موجود على الطاولة، وبالمقابل لم نتحدث يوما عن أي حل عسكري، وموقفنا هو موقف دفاعي”، لكنّ السفير استدرك بالقول “سنرد على أي أحد إذا اعتدى علينا، وخيارات الدفاع عن أنفسنا مفتوحة بكل الطرق“.
وبحسب السفير فإنّ الردّ الإيراني المحتمل على الولايات المتّحدة لا يستثني الأراضي العراقية، حيث أكّد مسجدي الذي سبق له أن شغل منصب مستشار لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني أنّ “إيران في حال تعرضها لاعتداء عسكري من الولايات المتحدة، سترد بقوة وستقصف التواجد الأميركي في العراق أو أي مكان آخر”.
واعتبر السفير الإيراني خروج القوات الأميركية من العراق أو أي نقطة بالمنطقة أمرا ضروريا، معتبرا أن وجود تلك القوات يتسبب في التصعيد وعدم الاستقرار في المنطقة. وتحتفظ الولايات المتحدة ببضعة آلاف من قواتها على الأراضي العراقية موزّعة على عدد من القواعد أشهرها قاعدة عين الأسد بمنطقة البغدادي في محافظة الأنبار غربي العراق.
وتعيد الميليشيات والقوى السياسية العراقية الموالية لإيران من حين إلى آخر، وبحسب مجريات الأحداث في العراق وحوله، رفع ورقة إخراج تلك القوات من خلال استصدار تشريع في البرلمان يجبر حكومة بغداد على إخراج القوات الأجنبية، لكنّ تلك القوى سرعان ما تتخلّى عن مسعاها، الأمر الذي يرجعه مراقبون إلى رغبة إيرانية في بقاء القوات الأميركية داخل العراق حتى تظلّ وسيلة ضغط ممكنة من طهران على واشنطن.
واعتبر مراقبون أنّ القصف المحدود الذي طال مؤخرا المنطقة الخضراء بوسط العاصمة العراقية بغداد، حيث مقر أكبر سفارة للولايات المتحدة في العالم، هو بمثابة جولة جديدة من الاستفزازات تدشّنها إيران ضدّ الولايات المتحدة.
ووجّه التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة إنذارا شديد اللهجة لم يخص به جهة معيّنة، لكن دوائر كثيرة في داخل العراق وخارجه اعتبرته موجّها لإيران وللفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بها والتي تسود قناعة بوقوفها وراء عملية إطلاق صاروخين على محيط السفارة الأميركية ببغداد.
وقال التحالف في بيان إنّه لن يتسامح إزاء أي هجوم من هذا القبيل موضحا “نأخذ هذا الحادث على محمل الجد.. ولن يتم التسامح بخصوص أي هجوم على الأفراد والمنشآت الأميركية”.
ويقلق التصعيد الجاري في المنطقة حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي على نحو خاص، مخافة أن تضاعف تبعاته من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تواجهها.
ويدرك عبدالمهدي أن الارتباط الكبير بين بلاده وإيران يجعل العراق معرّضا بشكل مباشر لتحمّل تبعات أي منزلق قد تتجه نحوه الأحداث الجارية بالمنطقة.
وخبر الرجل ذلك بشكل عملي عندما طالبته الولايات المتّحدة بأن يلتزم بالعقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران.
وعندما تعرّضت منشآت نفطية سعودية قبل أسبوعين للقصف، كان اسم العراق موجودا ضمن لائحة “المتّهمين” بالمسؤولية عن الحادثة، وذلك حين رفضت الرياض وواشنطن رواية المتمرّدين الحوثيين بأنّهم هم من ضربوا منشآت تابعة لشركة أرامكو بطائرات مسيّرة وصواريخ مجنحة انطلاقا من الأراضي اليمنية، ورجّحتا أن مصدر القصف من الشمال، لتتقدّم بذلك فرضية أن تكون ميليشيات تابعة لإيران قد استخدمت الأراضي العراقية في الهجوم على المنشآت السعودية.
واستدعى ذلك من بغداد نفيا قطعيا متكرّرا من قبل رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي زار هذا الأسبوع مدينة جدّة حيث أكّد للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ولولي عهده الأمير محمّد بن سلمان تضامن العراق مع المملكة في حادثة قصف المنشآت النفطية، ورفضه التعرّض لأمنها وسلامة أراضيها بأي شكل من الأشكال.