طموحات سعودية مشروعة لتطوير الذكاء الاصطناعي

لا مجال للتردد.. توقف قليلا وستكون واحدا من الخاسرين.
الجمعة 2024/05/03
الروبوت سارة يتواصل مع الزوار في جناح المملكة الرقمي

انزلاق كبير يحدث في أسواق المال لصالح الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية وبالأخص الذكاء الاصطناعي، لا ينفع معه التردد والانتظار، والمملكة العربية السعودية اختارت أن تقف خارج معسكر المترددين.

لندن - إذا كان هناك من شك حتى وقت قريب بالقول إن “التكنولوجيا الرقمية هي نفط المستقبل”، فلا يوجد بعد فورة الذكاء الاصطناعي والأرباح الصاروخية التي حققتها شركات متخصصة بتطوير الأنظمة الذكية، رغم حداثة سنها، ما يبرر التشكيك اليوم، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية ثاني أكبر منتج للنفط في العالم لضخ مبالغ ضخمة للاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي.

ليست وحدها الشركات المتخصصة من يجني أرباح التكنولوجيا الجديدة، القطاعات الاقتصادية بجميع أنواعها استفادت أيضا من تبني الأنظمة الذكية وتطبيقاتها، من الزراعة إلى السياحة إلى الصناعة، حتى في التعليم والإنتاج الفني السمعي والبصرية وفي حقل الإعلام.

لا مجال للتردد، توقف قليلا لتعيد التفكير وستكون واحدا من الخاسرين.. التطور السريع الحاصل لن ينتظر أحدا، خاصة المترددين.

شو تشيو: تيك توك تخطط لاستثمارات أكبر في السعودية
شو تشيو: تيك توك تخطط لاستثمارات أكبر في السعودية

المملكة العربية السعودية اختارت أن تقف خارج معسكر المترددين، والدليل مؤتمر ليب LEAP في نسخته الثالثة التي عقدت في الفترة بين 4 إلى 7 مارس 2024 تحت شعار “آفاق جديدة”، وهو حدث تقني عالمي ويوصف بأنه “دافوس الرقمي”، يعقد في الرياض ويجمع قادة الفكر وصُنّاع التغيير وخبراء البيانات والمبتكرين والشركات العالمية والناشئة ورجال الأعمال لمناقشة أحدث الاتجاهات والابتكارات في عالم التقنية وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي.

المؤتمر منصة مهمة للتواصل وتبادل الأفكار يُسلط الضوء على مستقبل التقنية والذكاء الاصطناعي، ويُقدم فرصة للمشاركين للتعرف على النظام البيئي التكنولوجي ليس فقط في السعودية ومنطقة الخليج، بل على المستوى العالمي.

وشهدت النسخة الأخيرة منه مشاركة أكثر من 1000 شركة عالمية ومحلية في قطاع التقنية، بالإضافة إلى أكثر من 1000 خبير ومتحدث من 180 دولة.

وتهدف السعودية من خلال التنظيم المشترك بين وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية وشركاء إستراتيجيين آخرين مثل غوغل وتيك توك وأمازون وغيرها، إلى تعزيز مكانة المملكة والمنطقة في المجال التكنولوجي.

وبحسب تقرير مطول نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تسعى المملكة لبناء صناعة تكنولوجية تسير جنباً إلى جنب مع هيمنتها النفطية. ويمضي التقرير ليقول إن “الجميع في مجال التكنولوجيا يرغبون في تكوين صداقات مع السعودية في الوقت الحالي، حيث تعمل المملكة على أن تصبح لاعبا مهيمنا في الذكاء الاصطناعي ولا تبخل في ضخ مبالغ كبيرة لتحقيق هذا الهدف”.

وخير ما يترجم اهتمام شركات التكنولوجيا العملاقة بالحدث هو ما أعلنه آدم سيليبسكي، الرئيس التنفيذي لقسم الحوسبة السحابية في أمازون خلال المؤتمر الذي زاره نحو 200 ألف شخص، عن استثمار بقيمة 5.3 مليار دولار لمراكز البيانات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المملكة.

أيضا تصريحات أرفيند كريشنا، الرئيس التنفيذي لشركة “آي بي إم”، عما أسماه وزير سعودي “صداقة مدى الحياة” مع المملكة، جاءت لتؤكد هذا الاهتمام. فيما ألقى المسؤولون التنفيذيون من شركة “هواوي” وعشرات الشركات الأخرى خطابات في الاتجاه نفسه، وقال شو تشيو، الرئيس التنفيذي لشركة “تيك توك”، خلال المؤتمر: “نتوقع أن نستثمر أكثر في السعودية” مبشرا بنمو تطبيق الفيديو في المملكة، وتم إبرام صفقات تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار، وفقا لوكالة الأنباء السعودية الرسمية.

وأطلقت السعودية صندوقاً بقيمة 100 مليار دولار هذا العام للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيا، كما تجري محادثات مع إحدى أكبر شركات رأس المال الاستثماري في وادي السليكون، ومستثمرين آخرين لضخ 40 مليار دولار إضافية في شركات الذكاء الاصطناعي.

وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية فإن هذا الإنفاق في مجالات غير نفطية يتسق مع “رؤية 2030”، حيث تعمل المملكة جاهدة في سباق مع الزمن لتنويع اقتصادها القائم بشكل أساسي على النفط، في مجالات أخرى متنوعة مثل التكنولوجيا والسياحة والثقافة والفنون والرياضة.

70

في المئة من الأهداف الـ96 المحددة في رؤية 2030 تضمنت استخدام الذكاء الاصطناعي

وقال ماجد علي الشهري، المدير العام للدراسات في الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وهي وكالة حكومية تشرف على مبادرات الذكاء الاصطناعي، إن 70 في المئة من الأهداف الإستراتيجية الـ96 المحددة في رؤية 2030 تضمنت استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي. وأضاف: “نحن نرى الذكاء الاصطناعي كأحد عوامل التمكين الرئيسية لجميع القطاعات”.

ولا يخفى على المتابعين الجهود المكثفة التي بذلتها السعودية في السنوات الأخيرة لتوجيه ثروتها النفطية نحو بناء صناعة تكنولوجيا محلية، وهذا ما دفع شركات دولية تريد الحصول على حصة من السوق السعودية للعمل سريعا على تأسيس جذور لها داخل المملكة.

إلّا أن طموحات المملكة – وفق تقرير الصحيفة الأمريكية – قد تبدو حساسة من الناحية الجيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن تطوير الذكاء الاصطناعي يعتمد على شيئين رئيسيين تمتلكهما السعودية بوفرة: المال والطاقة، إذ تضخ المملكة أرباح النفط في شراء أشباه الموصلات، وبناء أجهزة الكمبيوتر العملاقة، وجذب المواهب، وبناء مراكز البيانات التي تعمل بالكهرباء الوفيرة.

وأشار التقرير إلى أن توتر العلاقات الذي تسبب فيه التسابق بين الصين والولايات المتحدة للاستحواذ على النفوذ في مجال الذكاء الاصطناعي، قد يتكرر مع السعودية، ورأى التقرير أن منطقة الخليج توفر سوقاً كبيرة، وإمكانية الوصول إلى المستثمرين الأثرياء، وفرصة لممارسة النفوذ في البلدان المتحالفة تقليديا مع الولايات المتحدة.

على الورق قد يكون هناك ما يبرر مثل تلك التحذيرات، ولكن عمليا المبررات التي بنيت عليها المخاوف الأميركية من الصين، لا تنطبق على الحالة السعودية، التي هي حليف تاريخي للولايات المتحدة، حتى ولو شهدت العلاقات توترات محدودة من حين لآخر. الإدارات الأميركية، سواء جمهورية أو ديمقراطية تعلم ذلك جيدا، وهو ما يفسر الإقبال الكبير من قبل الشركات العملاقة في وادي السيلكون على الاستثمار بأرقام كبيرة داخل المملكة.

12