طرق الغش تتحدى تكنولوجيا المراقبة في الامتحانات

كاميرات المراقبة عيون إضافية يستعين بها الأساتذة لضمان مصداقية الشهادات الدراسية.
الاثنين 2019/05/20
الغش في زمن التكنولوجيا

يدفع الإحساس بالقلق من الامتحانات والضغوط الممارسة عليهم من قبل أسرهم، الكثير من الطلبة إلى الغش في الامتحانات من أجل رفع علاماتهم وضمان نجاحهم وكسب رضاء أولياء أمورهم. وتطورت ممارسات الغش مستفيدة من ميزات التكنولوجيا الحديثة والطفرة التي شهدتها في السنوات الأخيرة، فتم تعويض الجذاذات الصغيرة والكتابة على اليد مثلا بشرائح تلصق على الجسم أو سماعات ذكية أو التطبيقات والبرامج المتوفرة على الإنترنت.

“احذر فأنت مراقب” مثل هذه العبارة أصبحت بمثابة السوط الذي يجلد التلاميذ والطلبة ويثير في نفوسهم الرعب من الامتحانات، خاصة بعد أن اتخذت العديد من الدول قرارات بتعميم كاميرات المراقبة على قاعات الامتحانات بهدف رصد ممارسات الغش ومكافحتها.

ولأول مرة في لبنان سيجري طلاب الامتحانات الوطنية اختباراتهم تحت عيون كاميرات المراقبة، إذ أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية مؤخرا، تعميما إلى مديرية التعليم الثانوي والمناطق التربوية في المحافظات، يتعلق بتركيب كاميرات مراقبة في المراكز المعتمدة لإجراء الامتحانات الوطنية للحصول على الشهادة المتوسطة وشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة للعام الحالي.

ولفتت المديرية إلى أن “كل مدرسة أو ثانوية تتولى تسديد ثمن الكاميرات التي جرى تركيبها لديها من صندوقها الخاص”.

وأضافت “كما تتولى دائرة الامتحانات بالتنسيق مع وحدة المعلوماتية في المديرية العامة للتربية الإشراف على تركيب الكاميرات ومراقبة حسن عمل الأجهزة على أن يوضع محضر بهذا الشأن”.

والعام الماضي اتخذت البعض من الجامعات المصرية إجراءات مماثلة لوضع منظومة كاميرات داخل قاعات الدراسة والامتحانات وكذلك الممرات للسيطرة على ظاهرة الغش الجماعي التي تفشت خلال الأعوام الماضية.

وبدورها اتخذت السلطات المغربية عدة وسائل جديدة في حربها على الغش، ومنها إجبار الطلبة على التوقيع على التزام مصادق عليه،

يقرون من خلاله اطلاعهم على التوجيهات المؤطرة للامتحانات والعقوبات المترتبة عن مخالفتها، كما عمدت إلى تزويد مراكز الامتحان بكاميرات مراقبة وأجهزة المسح الضوئي (السكانر) للكشف عن الهواتف النقالة، بهدف القضاء على أي محاولة محتملة لتسريب الامتحانات، وإعطاء مصداقية للشهادات الدراسية.

ويجري في بعض الدول الأخرى تفتيش الطلاب قبل دخولهم قاعات الامتحانات، واستخدام مجسّات خاصة بالمعادن، وكذلك طائرات بدون طيار تقوم بإجراء مسح لاسلكي، مثلما هو الشأن في الصين.

وتنتشر ظاهرة الغش في الامتحانات على نطاق واسع في الدول العربية ما تسبب في إلغاء امتحانات البعض من المواد في العديد من مواسم الامتحانات، غير أن الغش في الامتحانات لا يقتصر على الدول العربية وحدها كما أنه ليس بالظاهرة الجديدة.

أجهزة المسح الضوئي والمسح اللاسلكي والمجسات الخاصة بالمعادن تساعد على الكشف عن الهواتف النقالة والقضاء على أي محاولة لتسريب الامتحانات
أجهزة المسح الضوئي والمسح اللاسلكي والمجسات الخاصة بالمعادن تساعد على الكشف عن الهواتف النقالة والقضاء على أي محاولة لتسريب الامتحانات

ففي عام 2016، تحدثت وسائل الإعلام البريطانية عن تسريب أسئلة امتحانات المرحلة الابتدائية عبر شبكة الإنترنت، وأثارت هذه الحادثة جدلا كبيرا في المجتمع البريطاني، ولاسيما أنها الحادثة الثانية على التوالي في غضون أسابيع قليلة.

وجعل تسريب الأسئلة وزارة التربية والتعليم البريطانية في موقف حرج، وطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى مهنية المسؤولين والموظفين، ما دفع الوزارة إلى تسريح عدد كبير منهم. ويستنزف التحضير للامتحانات طاقة وأعصاب الطلاب وقد يصبح الغش خيارا جذابا، بالنسبة لمن يشعرون بضيق الوقت، وأيضا بسبب الضغوط الممارسة عليهم من قبل آبائهم من أجل أن يكونوا من جملة المتفوقين، لا الناجحين فقط.

ويتعمد البعض من الطلاب اللجوء إلى حيل كثيرة للغش، بهدف الحصول على معدلات تؤهلهم لدخول الجامعات المرموقة، مثل الجذاذات الورقية الصغيرة والرموز المبهمة المرسومة على كف اليدين أو الذراعين. لكن الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية، جعلت ظاهرة الغش أكثر استفحالا وبرزت وسائل أخرى أكثر تطورا في ممارسات الغش، إذ أصبح البعض من التلاميذ يستعينون بشرائح إلكترونية تغرس في أماكن خفية في الجسم، أو سماعات لا تُرى إلا بالتفتيش والتمحيص.

ويقول الباحثون العاملون في مجال تحليل أساليب الغش والخداع إن السبل التي يتبعها البشر في هذا المضمار آخذة في التغير والتبدل، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة في طريق ضمان شفافية التعليم وتحقيق مبدأ العدالة بين الطلبة والتلاميذ.

وأشار فيليب دوسون، المدير المساعد لمركز أبحاث التقييم والتعلم الرقمي بجامعة ديكين في ولاية فيكتوريا الأسترالية، إلى وجود آفاق جديدة للغش، تتضمن – مثلا – قرصنة الاختبارات إلكترونيا، والاستعانة بالأدوات المتوافرة على شبكة الإنترنت، من تلك التي تمكّن المرء من إعطاء إجابات ربما لم تكن ناتجة عن اجتهاده.

ومن الأمثلة على ذلك، اجتياز بعض الطلاب الاختبارات بوسائل ملتوية، كأن يستعين مثلا بنص حصل عليه عن طريق استخدام خدمة الترجمة، التي توفرها غوغل على الشبكة العنكبوتية.

ولكن دوسون يقول أيضا إن العالم يشهد تزايدا في الوسائل التي يمكن من خلالها كشف محاولات الغش والتحايل، مثل الاستعانة بمواقع للكشف عن محاولات البعض سرقة نصوص وأفكار غيرهم والادعاء بأنها من بنات أفكارهم.

وشدّد دوسون على أنه غير مقتنع بأن مستوى الغش قد بات أكثر أو أقل في العصر الحالي مقارنة بما كان عليه في السنوات الماضية، موضحا أنه أصبح مختلفا فحسب.

على أي حال، هناك أخبار سارة للغشاشين الذين يؤنبهم ضميرهم، وربما يريدون تحسين سلوكياتهم وتصرفاتهم، لتصبح أكثر اتصافا بالأمانة والنزاهة، يحملها بحث جديد قامت به كلية “مدرسة هارفارد للأعمـال”.

أجري البحث حول فرضية ما إذا كانت رؤية المرء لأشخاص آخرين يتصرفون على نحو مخادع قد تزيد من نزعته نحو انتهاج السلوك نفسه، فتوصل إلى أن تقييم المرء لسلوكه بشكل موضوعي قد يضعف أي إغراء لديه للجوء للغش.

وبيّن البحث أن مجموعة من الأصدقاء صارت تنزع بشكل أكبر نحو الغش في الاختبار، عندما رأى أفرادها واحدا منهم يفعل ذلك.

لكن الأمر تغير، عندما رأت مجموعة أخرى شخصا غريبا عنها، يتبع التصرف نفسه، إذ دفعها ذلك لتبني قيم مختلفة، والتصرف بشكل مغاير، وهو ما يعني أن مجموعة الأصدقاء تصبح أكثر ميلا إلى إكمال الاختبار دون اللجوء إلى الغش إذا ما رأت شخصا غريبا يقترف هذا السلوك.

ويخلص البحث إلى أن تعريف “السلوك غير المقبول” ليس ثابتا، بقدر ما يعتمد الأمر هنا على الزاوية التي يرى منها الناس تصرفاتهم.

ولكن تبقى أفضل نصيحة، هي التي قدمها باحثون أميركيون من جامعة شيكاغو لوضع حد للقلق الذي ينتاب الطلبة بسبب الامتحانات، والذي قد يدفع الكثيرين منهم إلى الغش. ويتعلق ذلك بكتابة الأفكار المتصلة بالمخاوف على الورقة، قبل بداية الامتحان، لأن ذلك من شأنه أن يبدد مخاوفهم ويشعرهم بالراحة النفسية.

وأكد الباحثون أن الطلاب الذين يعبرون على الورقة عن كل مخاوفهم وقلقهم قبل الامتحان بـ10 دقائق، ترتفع علاماتهم ويتحسن أداؤهم.

وقالت المسؤولة عن الدراسة، سيان بيلوك “إعطاء الطلاب فرصة لكتابة أفكارهم والتعبير عن مشاعرهم بشأن الامتحان، قبل الخضوع له، يمكن أن يعزز أداءهم، وخصوصا بالنسبة للذين يعانون القلق بسبب الامتحانات”.

12