طرح العاصمة الإدارية في البورصة يعزز عودة مصر إلى المؤشرات العالمية

يتفق خبراء على أن إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي عن طرح شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة المحلية خلال الفترة المقبلة جاء كنقلة نوعية في سوق المال المصرية يمكن أن تمهد لعودتها إلى مؤشرات البورصات العالمية التي تعد دليلا على جذب صناديق الاستثمار والمعاشات الأجنبية للبورصة وتدفق النقد الأجنبي على البلاد.
القاهرة – تخوض القاهرة تجربة جديدة على غرار طرح شركة أرامكو السعودية بالبورصة المحلية (تداول) بعد عزمها طرح شركة العاصمة الإدارية في البورصة المصرية.
وتأتي الخطوة لتعزز من قوة السوق إقليميا، والمنافسة على اقتناص المرتبة الثانية كأكبر الأسواق في المنطقة بعد السعودية، فضلاً عن العودة دوليًا عقب تذيلها ترتيب الدول العربية على مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة.
وتسعى مصر لإنقاذ البورصة بوصفها إحدى الأدوات التمويلية المتاحة أمام الشركات عبر طرح حصة من أسهمها في السوق الثانوية أو طرح أدوات مالية متنوعة لجني سيولة نقدية تعزز توسعاتها الرأسمالية.

ياسر عمارة: فرصة قوية لجذب صناديق الاستثمار والمعاشات الأجنبية
وتعول الحكومة على البورصة في طرح شركة العاصمة الإدارية التي تصل أصولها إلى 384.6 مليار دولار، وسيولتها وملاءتها المالية تقدر بنحو 6.4 مليار دولار، خاصة بعد تأجيل طرح الشركات الحكومية لأكثر من ثلاثة أعوام.
وتوقع أحمد زكي عابدين رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة في تصريحات إعلامية إتمام طرح نسبة من أسهم الشركة فى البورصة منتصف العام المقبل، وسوف يكون الأكبر في تاريخ بورصة مصر.
وبعد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجته مصر منذ نوفمبر 2016 وحصولها على قرض بقيمة 12 مليار دولار، على 6 شرائح مالية، كان لزامًا على الدولة أن تنفذ النصف الآخر من الإصلاح وألا يقتصر ذلك على قرض الصندوق فقط لدعم الموازنة وسد عجزها، لذلك تمنح الحكومة التسهيلات للقطاع الخاص وتطرح شركاتها للتخارج.
وقال ياسر عمارة خبير أسواق المال لـ”العرب” إن “طرح العاصمة الإدارية في بورصة مصر فرصة لانضمام مصر إلى المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة مثل مؤشر فوتسي العالمي للأسواق الناشئة، ومؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة (أم.أس.سي.آي)، لأن الإدراج عليها أحد أدوات جذب الاستثمار والنقد الأجنبي”.
وتراهن بورصة مصر على الانضمام إلى مؤشر فوتسي العالمي للأسواق الناشئة الذي نجحت السعودية في الانضمام إليه بعد طرح أرامكو، كما أن طرح شركة العاصمة الإدارية المرتقب يعزز من زيادة الوزن النسبي للبورصة على مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة، حيث تتذيل مصر أسواق المنطقة على هذا المؤشر بنسبة 0.066 في المئة.
وتراجع الوزن النسبي للبورصة المصرية على مؤشر مورغان ستانلي خلال المراجعة الأخيرة في مايو الماضي بعد خفض الوزن النسبي لسهم البنك التجاري الدولي الأكبر وزناً بمؤشر السوق المصرية.
وتوقع عمارة في تصريح لـ”العرب” طرح 5 إلى 10 في المئة من قيمة شركة العاصمة الإدارية، ما يرفع قيمة البورصة بكامل قيمة الشركة، لأنها تمثل قيمة مجموع رؤوس أموال الشركات المقيدة وليست قيمة الأسهم التي تم طرحها للتداول.

محمد سعيد: ضرورة تأهيل البورصة وزيادة التداول إلى 200 مليون دولار
وتصل قيمة بورصة مصر حاليا إلى نحو 44.5 مليار دولار، ما يشير إلى أن تلك القيمة ستتجاوز 256.5 مليار دولار حال طرح العاصمة الإدارية، ومن ثم حجم رأسمال البورصة سيمثل أكثر من 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والمقدر بنحو 416.5 مليار دولار تقريبًا.
ويقاس رخاء الدول ومدى قابليتها للتعامل مع المؤسسات الدولية بما تمثله نسبة سوق المال من الناتج المحلي الإجمالي. ويشير عمارة إلى أن الطرح الجديد يجذب شريحة جديدة من كبار المستثمرين الأجانب للتعامل في البورصة المصرية، لاسيما صناديق الاستثمار والمعاشات الكبرى، ومن ثم اندماج السوق ضمن الأسواق العالمية ومنافستها لجذب المستثمرين.
وتمتد فوائد الطرح على الأدوات المالية الجديدة التي قدمتها الحكومة المصرية وفي مقدمتها الصكوك السيادية، إذ أن دخول كبار الأجانب إلى السوق المصرية فرصة لجذبهم إلى الاستثمار في هذه الصكوك، وخفض تكلفة الديون، لأن قوة سوق المال تمنح قوة تفاوضية لخفض سعر الفائدة على الديون، وألا يتم اللجوء إلى توسيع قاعدة الملكية للشركات عبر زيادة رؤوس الأموال.
ووافق البرلمان المصري في أواخر يونيو الماضي على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون الصكوك السيادية لتمويل المشروعات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية المدرجة بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للموازنة العامة للدولة، ونص على أن مالك الصك لا يمتلك حصة فى الأصول وله عائد مقطوع أو منسوب إلى قيمة الصك.
ويؤدي الطرح إلى زيادة عمق البورصة عبر توافر فرص استثمارية كبرى، ولكن ينبغي أن يتزامن مع ذلك توسعة السوق من خلال طرح عدد أكبر من الشركات.
ويكمن التحدي الأكبر أمام طرح العاصمة الإدارية في استيعاب السوق لحجم الطرح وقيمته، لأن الحد الأدنى للقيمة المتوقعة للطرح نحو 3 مليارات دولار، وقد يواجه ذلك صعوبات في ظل ضعف السيولة، لكن يمكن التغلب على ذلك بالتعاقد مع مديري طرح ذوي خبرة عالمية وهم كُثر في مصر.
وفي حال طرح شركة العاصمة الإدارية بالأسواق الدولية قد تزيد حصة الأجانب في ملكية الشركة، لكن ستظل النسبة الأكبر للحكومة ولن تقل عن 70 في المئة.

إيهاب سعيد: يجب تشكيل مجلس أعلى للطروح الحكومية وتحديد جدول زمني
وحذر مراقبون من إسناد طرح العاصمة الإدارية إلى اللجنة العليا لإدارة برنامج طرح أسهم الشركات الحكومية في البورصة، لأنها لم تستطع طرح شركات الحكومة بالسوق منذ تأسيسها قبل ثلاثة أعوام، وأرجأتها بداعي هبوط مؤشرات البورصة.
وقال محمد سعيد عضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين بأسواق المال إن “العاصمة الإدارية هي المشروع القومي الرئيسي للدولة، من ثم إعلان طرح شركتها في البورصة يعني أن سوق المال تشغل حيزًا كبيرًا من تفكير رئيس الدولة”.
ومن المؤكد أن يجد الطرح الجديد اهتمامًا كبيرًا ومرونة من جانب الحكومة وكافة الجهات المعنية بأسواق المال، ليس على غرار طرح الشركات الحكومية الذي لم تنجح الحكومة في تفعليه في الفترة الماضية.
ولفت سعيد لـ”العرب” إلى أن قيمة الطرح لا يمكن أن تستوعبه السوق حاليًا، ولكن يجب أن يتم تأهيل السوق خلال عام أو أكثر من الآن على رفع قيمة التداولات حيث لا تقل عن 200 مليون دولار في الجلسة الواحدة.
ويعد القطاع العقاري الذي ستدرج به شركة العاصمة الإدارية من أسوأ القطاعات أداءً في بورصة مصر، لأنه لا يعبر عن أداء الشركات الكبرى المدرجة فيه، مثل مجموعة طلعت مصطفى وتبلغ قيمتها السوقبة 897.4 مليون دولار فقط مقارنة بالأصول التي تمتلكها، بجانب شركات كبرى أخرى مثل مدينة نصر للإسكان ومصر الجديدة للإسكان والتعمير، فضلاً عن الأداء السلبي لأسهم تلك الشركات.
ويتطلب طرح الشركة الجديدة ترويجا كبيرا بالأسواق الخليجية والأجنبية، وأن يتزامن مع ذلك ارتفاع مؤشرات البورصة وتحسن قيم التداولات، وعودة برنامج الطروحات الحكومية، وأن تتضاعف القيمة السوقية 3 مرات عن قيمتها الحالية لاستيعاب طرح العاصمة الإدارية.
وطالب إيهاب سعيد عضو مجلس إدارة البورصة المصرية السابق في تصريح لـ”العرب” بضرورة تحديد جدول زمني لطرح الشركات الحكومية في البورصة بما فيها العاصمة الإدارية، وتشكيل مجلس أعلى للطروحات الحكومية برئاسة رئيس الجمهورية لإزالة مخاوف المسؤولين وحينها نضمن الجدية والسرعة في التنفيذ بأعلى مستوى.
ويستعد صندوق مصر السيادي لطرح أسهم أول شركتين مملوكتين لجهاز الخدمة الوطنية في البورصة المصرية خلال الفترة المقبلة، وفق خطة تستهدف طرح أسهم عشر شركات في سوق المال.
وأوضح إيهاب سعيد أن شركة العاصمة الإدارية غير جاهزة للطرح الآن، لكن هناك العديد من الشركات الحكومية يمكن البدء بها لتكون نواة لشركات أخرى سواء التابعة للقوات المسلحة أو قطاع الأعمال العام، ما يعزز من عمق السوق وتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي وفتح آفاق كبيرة للقطاع الخاص.