طرابلس تنتظر إخلاءها من الميليشيات بعد 5 أشهر من الإعلان الحكومي

العاصمة الليبية تخضع حاليا لسلطة الميليشيات التي باتت ترتبط بمصالح ذات أبعاد متعددة مع السلطات الحاكمة.
الخميس 2024/07/25
انتشار السلاح يفاقم الوضع الأمني في طرابلس

لا تزال الجماعات المسلحة تبسط نفوذها على العاصمة الليبية طرابلس، فتتحكم في مسارات الحكم، وتكتم أنفاس المدنيين، رغم مرور خمسة أكثر من خمسة أشهر على إعلان وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي عن وجود اتفاق بإخلاء طرابلس من المسلحين قبل نهاية رمضان الماضي، والاستعانة بجهاز الشرطة بدلا عنها.

والأسبوع الماضي، حاول الطرابلسي تبرير فشل حكومته في تنفيذ الاتفاق، عندما قال في مقابلة مع قناة “العربية ” إن “كل قادة الجماعات المسلحة رحبوا بالخروج من طرابلس، وإن الجماعات المسلحة ستخرج من طرابلس وتعود للثكنات خلال شهر”، وفق تقديره.

وأكدت أوساط مطلعة من العاصمة طرابلس، أن الجماعات التي يقصدها الوزير، غير متفقة فيما بينها إلا على شيء واحد وهو التمسك بمواقعها وبمراكز نفوذها في العاصمة، وهي تستفيد من وضعها الحالي في ضمان مصالح أفرادها وأمراء الحرب الذين يديرونها والجهات الحكومية واللوبيات المالية والاقتصادية النافذة التي تقف وراءها.

وأضافت أن كل ما يقوله الوزير داخل في نطاق الدعاية السياسية للحكومة المنتهية ولايتها والتي يرفض رئيسها عبد الحميد الدبيبة التخلي عن منصبه لفائدة أي مبادرة للحل السياسي في البلاد.

وفي 21 فبراير الماضي، أعلن الطرابلسي، التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة، وعودتها إلى مقراتها وثكناتها.

وزير الداخلية عماد الطرابلسي أعلن في فبراير الماضي، التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة

وقال في مؤتمر صحفي، إن “مشاورات ومفاوضات لأكثر من شهر أسفرت عن التوصل إلى “اتفاق مع الأجهزة الأمنية لإخلاء العاصمة طرابلس بالكامل خلال المدة القادمة”، مشيرا إلى أنه “لن تكون فيها سوى عناصر الشرطة والنجدة والبحث الجنائي”، وهي أجهزة نظامية تابعة لوزارة الداخلية.

وأوضح الوزير أن الاتفاق جاء بعد مفاوضات طويلة مع الأجهزة الأمنية، وتابع أنه ستتم الاستعانة بها “فقط اضطرارا عندما تحتاجها مديرية أمن طرابلس لمهام دعم محددة”، مردفا أن “جميع قادة وأمراء هذه المجموعات أبدوا تفهمهم ودعمهم لخطة الإخلاء، وبعد الانتهاء من طرابلس سيتم إخلاء كافة المدن من المظاهر والتشكيلات والبوابات المنتشرة لهذه المجموعات”، مشددا على أن “هذه الخطة ليست موجهة ضد أحد”.

وكان من المنتظر، وفق تصريحات الطرابلسي، أن يتم إخلاء طرابلس من الجماعات المسلحة في العاشر من أبريل الماضي، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي صورتها مخيلته.

ومن بين المجموعات التي تخضع للاتفاق بحسب الوزير، قوة الأمن العام، وقوة الردع، التي تسيطر على شرق العاصمة، و”اللواء 444″ المسيطر على جنوب طرابلس، و”اللواء 111″ مجحفل، الملحق بالأركان العامة للجيش بغرب ليبيا. ويتعلق هذا القرار أيضا بهيئة دعم الاستقرار التي تتخذ من حي أبوسليم الشعبي مقرا لها فضلا عن مجموعات أخرى أقل أهمية.

وبحسب مراقبين، فإن الاتفاق الذي كان قد تحدث عنه الطرابلسي، غير ملزم للجماعات المسلحة ولأمراء الحرب الذين يتزعمونها، وهو مرتبط بالظروف التي أحاطت بالإعلان عنه، ومنها الاشتباكات المسلحة بين عدد من الميلشيات في المنطقة الغربية، وتناقض ذلك مع مزاعم رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بنجاح أجهزته في فرض الأمن والقرار وسيادة القانون في مناطق نفوذها.

الاتفاق الذي كان قد تحدث عنه الطرابلسي، غير ملزم للجماعات المسلحة ولأمراء الحرب الذين يتزعمونها

ويرى المراقبون، أن القرار الحقيقي في العاصمة طرابلس وعموم المنطقة الغربية موجود لدى الميليشيات وهو ما يتأكد من استمرار الصراع الدموي في مدينة الزاوية ومن الأزمات المتلاحقة بين مسلحي زوارة وسلطة إنفاذ القانون في معبر رأس جدير الحدودي مع تونس.

وشهدت مدينة الزاوية غربي ليبيا وبالتحديد داخل أحياء سكنية، اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلحة وسط مناشدات بوقفها لتأمين إخراج عائلات عالقة داخل منازلها، وفق جهات طبية رسمية. وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تُظهر مدنيين عالقين داخل منازلهم وهم يناشدون السلطات التدخل لإنقاذهم من الموت.

وسبق لمركز الأبحاث الإستراتيجي والأمني الأميركي “ستراتفور” أن طرح أربعة أسباب قال إنها تقلل من احتمالات مغادرة المجموعات المسلحة العاصمة طرابلس، أولها أنها “مندمجة بقوة داخل جهاز الدولة والعديد من أعضاء الحكومة المعترف بها دوليا لديهم علاقات بتلك المجموعات المسلحة”، وثانيها، تمركز العديد من المجموعات إلى حد كبير في طرابلس، لذا فإن الدعوة إلى عودتها إلى مقراتها من شأنها أن ترسخ وجود تلك المجموعات في أجزاء من المدينة ، بينما يتعلق السبب الثالث بعدم قدرة الشرطة على استبدال الميليشيات بشكل كامل في العاصمة لأسباب أمنية بسبب محدودية الموظفين والموارد الحكومية، والسبب الرابع عجز الحكومة على فرض أوامرها على كافة الجماعات المسلحة.

ويشير محللون للشأن السياسي الليبي، إلى أن العاصمة طرابلس تخضع حاليا لسلطة الميليشيات التي باتت ترتبط بمصالح ذات أبعاد متعددة مع السلطات الحاكمة، وهي ترى أن بقاء الوضع على ما هو عليه هو الذي يضمن لها استمرار الإفلات من العقاب، لاسيما أن الكثير من قادتها وعناصرها متورطون في جرائم تتراوح بين القتل ونهب المال العام والخاص وانتهاك حقوق الإنسان والاتجار بالبشر وترويج المخدرات وغيرها، وأن أمراء الحرب يمتلكون ثروات طائلة في داخل البلاد وخارجها، وهم غير مستعدين للتنازل عن الامتيازات التي يحظون بها بسبب تموقعاتهم حول مؤسسات الدولة وأجهزة الحكم وعلاقاتهم مع الفاعلين الأساسيين في السلطة.

4