طرابلس تطوي صفحة الكبير وسط غموض مواقف حفتر والبرلمان

طوى المجلس الرئاسي الليبي نهائيا مرحلة المحافظ السابق للمصرف المركزي الصديق الكبير، بما يشير إلى هزيمة نكراء تعرض لها مجلس النواب الذي اختار الصمت بعد تصعيد استمر أياما، فيما لا يزال موقف قيادة الجيش غامضا، لاسيما بعد الإعلان عن عودة عدد من حقول النفط إلى الإنتاج كنوع من الاختراق الممنهج لقرار غلق منبع الثروة في شرق البلاد ووسطها وجنوبها.
واشتداد الصراع على الثروة خلال الأيام الماضية كان ظاهره الخلاف حول محافظ مصرف ليبيا المركزي، الذي أقاله المجلس الرئاسي وعين محله محمد الشكري في حين دعمه البرلمان والحكومة الموازية اللذان صعّدا الوضع لاحقا بإيقاف تصدير النفط.
وأعلن مصرف ليبيا المركزي مباشرة صرف رواتب المواطنين عن شهر أغسطس لجميع القطاعات العامة بالدولة على كامل التراب الليبي، اعتبارا من أمس الأحد.
وأوضح المصرف عبر مكتبه الإعلامي أن هذه الخطوة جاءت بعد أن بدأت كافة إدارات المصرف وتيرتها الاعتيادية في العمل، وأعادت تشغيل كافة الأنظمة التي تم إيقافها من قبل الإدارة السابقة، وقال إن القطاع المصرفي الليبي بالكامل عاد إلى عمله بالوتيرة الطبيعية، وإن إدارة المصرف الجديدة ستعمل على تطوير القطاع المصرفي وتحسين أدائه لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين.
غضب أميركي خفي من الصديق الكبير، من المرجح أن يكون بسبب صرف مبالغ للسلطات شرق ليبيا وتحديدا لصندوق إعادة الإعمار
ورحب المصرف المركزي بتجاوب المنظومة المصرفية الدولية وتعاونها معه، مؤكدا التزامه الكامل بأنظمة الحوكمة وتفعيل اللجان المعنية بها، مع التزامه بدور مجلس الإدارة في اتخاذ القرارات وفقًا للقوانين واللوائح المنظمة، وفي إطار ضمان الجودة والإفصاح والشفافية التامة في جميع العمليات المصرفية والمالية في ليبيا.
وجاء نجاح مجلس الإدارة الجديد في تشغيل المنظمات الإلكترونية للمصرف المركزي على يد خبراء متخصصين، استطاعوا تغيير كلمات المرور التي كان المحافظ المعزول قد رفض تسليمها للمحافظ المعين من قبل المجلس الرئاسي.
وكانت إدارة مصرف ليبيا المركزي المكلفة من المجلس الرئاسي أعلنت الخميس الماضي استعادتها العمل بجميع الأنظمة المستخدمة في القطاع المصرفي، بما في ذلك النظام المصرفي الرئيسي “أوراكل” .
وبحسب محللين محليين نجح المجلس الرئاسي في طي صفحة مرحلة الصديق الكبير، وذلك وفق خطة أدارها رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي دخل في مواجهة مفتوحة مع المحافظ المعزول منذ عام 2023، وأدرك أنه لن يستطيع الإمساك بمقاليد السلطة الحقيقية إن لم يستطع بسط نفوذه على المصرف المركزي.
وسعى الدبيبة إلى الاستفادة من كل المواقف الخارجية حتى وإن كانت تبدو ظاهريا لفائدة الكبير، وأعلنت حكومته عن ترحيبها بالتعليق الصادر عن شؤون الشرق الأدنى بالخارجية الأميركية حول التطورات المحيطة بمصرف ليبيا المركزي.
وأكدت وزارة خارجية حكومة الوحدة على أن هذا الموقف يعكس التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار المالي وتعزيز الشفافية في المؤسسات المالية الليبية، وهو ما يُعتبر خطوة إيجابية نحو توحيد وإصلاح المصرف المركزي بعد سنوات من الانقسام والحوكمة الفردية.
جاء ذلك بعد أن عبرت الخارجية الأميركية عن قلقها من الاضطرابات مع البنوك الدولية والتي يمكن أن تضر بالاقتصاد الليبي ورفاهية الأسر الليبية، بسبب ما جرى. وأكدت في بيان لها أن عدم اليقين الناجم عن الإجراءات أحادية الجانب أدى في بعض الحالات إلى وقف المعاملات المالية حتى يكون هناك المزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية للبنك المركزي.
ويقول مراقبون إن غضبا أميركيا خفيا من الصديق الكبير، من المرجح أن يكون بسبب صرف مبالغ للسلطات شرق ليبيا وتحديدا لصندوق إعادة الإعمار، كان وراء انتهاء مهمته على رأس المصرف المركزي التي استمرت حوالي 13 سنة.
وكان المجلس الرئاسي تحدى جميع المواقف الداخلية والخارجية وتجاهل مبادرة البعثة الأممية، وأصدر الجمعة الماضية قرار إحالة الصديق الكبير (73 عاما) على التقاعد بعد تجاوزه السن القانونية، وهو ما جعل المتابعين للشأن الليبي يتساءلون عن الحكمة من استبدال الكبير بالخبير المالي محمد الشكري (72 عاما) الذي لا يصغر الكبير إلا بعام واحد.
ورجحت أوساط مطلعة لـ”العرب” أن يكون الشكري مجرد أداة لتبرير الإطاحة بالكبير، فيما أن الشخصية الحقيقية المرشحة لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي هي عبدالفتاح غفار المعروف بعلاقاته الوطيدة مع الدبيبة منذ سنوات طويلة، والذي سبق له أن شغل منصب مدير عام لمصرف الجمهورية ثم رئيس اللجنة التأسيسية للمصرف الإسلامي الليبي وعضو مجلس الإدارة للمصرف المتحد للتجارة والاستثمار، كما تولى منصب رئيس مجلس إدارة المحفظة الاستثمارية طويلة المدى والمدير العام لها، ويتولى حاليا منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي بالوكالة إلى حين عودة محمد الشكري من الخارج، وفق ما صدر عن المجلس الرئاسي.
وسجلت أوساط ليبية انتصارا للدبيبة على رئيس البرلمان عقيلة صالح بالضربة القاضية، فيما لا تستبعد تلك الأوساط أن يعلن المجلس الرئاسي خلال الفترة القادمة قراره بحل مجلسيْ النواب والدولة في سياقات التصعيد لفرض واقع سياسي جديد في البلاد بعد فشل المؤسسات الحالية في توفير الظروف الملائمة لحلحلة الأزمة المتفاقمة منذ 13 عاما.
ويرى مراقبون أن سلاح النفط لم يكن كافيا للضغط على المجلس الرئاسي من أجل الدفع به إلى التراجع عن قراره بشأن المصرف، وأن تراجع مستويات الإنتاج في ليبيا سرعان ما تم تجاوز تأثيراته المحتملة على الأسواق العالمية.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن مهندسين بحقول السرير ومسلة والنافورة تلقوا تعليمات باستئناف الإنتاج، ونقلت وكالة رويترز عن مهندسين في قطاع النفط أن أمر الاستئناف صدر عن مشغل الحقول، شركة الخليج العربي للنفط التي لم تقدم أي أسباب، بحسب الوكالة.
وكان ميناء الحريقة النفطي توقف أول أمس السبت عن العمل بسبب نقص إمدادات الخام، عقب الإغلاق شبه الكامل لحقل السرير النفطي، المورد الرئيسي للميناء، بعد أن أكدت المؤسسة الوطنية للنفط الجمعة أن إغلاق حقول النفط في الآونة الأخيرة تسبب في خسارة ما يقرب من 63 في المئة من إجمالي إنتاج البلاد من النفط.
وفي المقابل أعلن الصديق الكبير أن عملية اقتحام المصرف قرصنت الموقع الإلكتروني الرسمي له في أعقاب قرصنتها للصفحات الرسمية على مواقع “فيسبوك – إكس”.
وشدد الكبير على تحميل الجهة المسؤولة عن عملية القرصنة المسؤولية القانونية الكاملة عما وصفه بالجريمة، مؤكدا أن المصرف لم يستعد ملكية تلك الصفحات الرسمية حتى اللحظة، وبالتالي فإن الموقع الرسمي والصفحات الرسمية لا يمثلان صوت إدارة المصرف إلى حين إشعار آخر.
وبعد دعوته مجلس النواب إلى توفير مقارّ جديدة للمصرف المركزي في مدينتي بنغازي والبيضاء اقترح الكبير على رئيس المجلس عقيلة صالح تركيبة جديدة لمجلس إدارة المصرف تتكون من سبعة أعضاء ودعاه إلى إصدار قرار بذلك، حتى يتمكن مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي من مباشرة أعماله، مردفا “نقترح تأجيل عضوية وكيل وزارة المالية في مجلس الإدارة إلى حين إشعار آخر”.
واضطر الكبير إلى مغادرة ليبيا، وقال في تصريحات صحفية إن الهدف من خطوة الفرار إلى مكان غير معلوم هو تأمين حياته وحياة من يعملون معه من هجمات محتملة من قبل الميليشيات المسلحة لاسيما بعد أن شرعت الأخيرة في ترهيب الموظفين لتشغيل المصرف المركزي، وأضاف “تهدد الميليشيات المسلحة موظفي المصرف وترعبهم وأحيانا تختطف أطفالهم وأقاربهم لإجبارهم على الذهاب إلى العمل، ومحاولات الدبيبة لاستبدالي غير قانونية ولا تتوافق مع اتفاقيات تفاوضت عليها الأمم المتحدة تتطلب اتفاقا سياسيا بين الشرق والغرب على أي محافظ مصرف جديد”.