طرابلس تتحرك لتطويق أزمة تدنيس علم الأمازيغ

المجلس البلدي لمدينة جادو يعتبر أن دهس العلم الأمازيغي ليس مجرد تصرف فردي بل عمل ممنهج يعكس نية الإقصاء والتطهير العرقي.
الأحد 2025/02/23
تهديد بالتصعيد ضد حكومة الدبيبة

شهد عدد من مناطق غرب ليبيا تحركات احتجاجية على إثر تدنيس علم الأمازيغ من قبل أشخاص يرتدون زي الأمن العام بالعاصمة طرابلس، واعتبر المجلس البلدي لمدينة جادو أن “دهس العلم الأمازيغي ليس مجرد تصرف فردي بل عمل ممنهج يعكس نية الإقصاء والتطهير العرقي،” فيما طالب رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا الهادي برقيق، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، بالقيام بخطوات عملية على أرض الواقع بشأن حادثة تدنيس قوات من وزارة الداخلية للعلم الأمازيغي، وحذر من أنهم يخلون مسؤوليتهم حيال أيّ تصرفات قد تؤدي إلى انهيار جهود الحفاظ على السلم الاجتماعي بين مكونات الشعب الليبي، في حالة لم تنفذ الحكومة ما ورد في بيانها.

وأعلن أهالي مدينة جادو التي تقع إلى الجنوب الغربي من العاصمة طرابلس بـ180 كلم، العصيان المدني، مطالبين باعتذار رسمي من حكومة الوحدة الوطنية، ومؤكدين أن صمت الحكومة سيؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في مناطقهم.

وفي رد فعل عاجل، استنكرت حكومة الوحدة الوطنية، الحادثة، وأكدت أن الدبيبة أصدر تعليماته الفورية باتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة بحق المتسببين في هذا الفعل المرفوض ومعاقبتهم، لما يمثله من إهانة للشعب الليبي ومحاولة لإثارة الفتنة وزعزعة التماسك الوطني، وقالت إنها لطالما أولت التقدير والاحترام للراية الأمازيغية باعتبارها جزءا أصيلاً من الهوية الثقافية الليبية وحرصت على إبرازها في مختلف المناسبات الوطنية، ولاسيما خلال إحياء ذكرى ثورة 17 فبراير، معلنة رفضها القاطع لأيّ محاولات لإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الليبي الواحد.

الحادثة أدانها عمداء البلديات الأمازيغية بقوة، معتبرين العلم الذي تعرض للتدنيس رمزا لهويتهم وثقافتهم وتاريخهم

وشددت حكومة الدبيبة على أن ليبيا ستظل وطنا للجميع، قائماً على أسس الوحدة والاحترام المتبادل، وأن أيّ محاولات للمساس بالنسيج الوطني سيتم التعامل معها بحزم وفقا للقانون.

وجاء موقف الحكومة في محاولة منها لتطويق الأزمة ولتلافي أيّ مواجهات يمكن أن تحدث مع الأمازيغ الذين سبق لهم أن حذروا من المساس بحقوقهم الثقافية، واضطروا السلطات المركزية إلى التنازل عن الكثير من القرارات المتعلقة ببعض الملفات المهمة مثل سيطرة ميليشيات زوارة على معبر رأس جدير وتقسيم المناطق الأمنية في منطقة جبل نفوسة.

من جانبه، نفى جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية أيّ صلة له بالأشخاص الذين ظهروا في مقاطع وصور متداولة، وهم يضعون علم الأمازيغ على الطريق العام، مؤكدًا أن هؤلاء الأفراد لا ينتمون للجهاز وليسوا من منتسبيه.

وأعرب الجهاز رفضه التام لهذه التصرفات غير المقبولة، معتبرا أنها تهدف إلى إثارة الفتن والمسّ بالموروث الثقافي للأمازيغ، وهو ما يتعارض مع القيم والأخلاق التي يلتزم بها الجهاز ومنتسبوه.

كما أكد الجهاز على أهمية التماسك الاجتماعي بين جميع مكونات الشعب الليبي وأطيافه، ودعا إلى ترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل وتعزيز الوحدة الوطنية، بما يخدم مصلحة الوطن وأمنه واستقراره، مؤكدا أنه اتخذ كافة الإجراءات القانونية لملاحقة المتسببين في هذه الفتنة ومحاسبتهم وفقًا للقانون، مردفا أن عمليات البحث جارية لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال التي قد تهدد السلم الاجتماعي.

وزير الداخلية عماد الطرابلسي وجد نفسه في موقع حرج بعد اتهام عناصر من وزارته بتدنيس العلم الأمازيغي

إلى ذلك، أكد رئيس مجلس الدولة خالد المشري، اعتزازه بالهوية الأمازيغية التي تعتبر جزء لا يتجزأ من الثقافة الليبية المتنوعة، وشدد في بيان على رفضه لأيّ محاولات لبث الفتنة بين أبناء الوطن، داعيًا المجلس الرئاسي والحكومة وكافة الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها لضمان الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي في البلاد.

كما نادى المشري بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة من وصفهم بمثيري الفتنة، مشددا على  ضرورة تقديمهم للعدالة في أسرع وقت ممكن، وعبّر عن قلقه العميق إزاء التوترات الأمنية التي شهدتها بعض أحياء العاصمة طرابلس ومدن في الجبل الغربي، داعيا جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وتحكيم لغة العقل، والابتعاد عن أيّ تصرفات قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية.

وأثارت الحادثة موجة غضب عارم في مناطق الأمازيغ، وأدانها عمداء البلديات الأمازيغية بقوة، معتبرين العلم الذي تعرض للتدنيس رمزا لهويتهم وثقافتهم وتاريخهم.

واعتبر عمداء جادو، زوارة، كاباو، نالوت، القلعة، يفرن، وازن، في بيان مشترك، أن هذا الفعل الاستفزازي يستهدف ضرب الوحدة الوطنية وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الليبي، وأكدوا أن هذه الواقعة لا تستهدف فئة بعينها فقط، بل تهدد السلم الاجتماعي في البلاد، مطالبين حكومة الوحدة الوطنية والنائب العام بتحمل مسؤولياتهم عبر إصدار أوامر قبض عاجلة بحق الجناة وتقديمهم للعدالة في أسرع وقت ممكن، ليكونوا عبرة لمن يحاول المساس بالرموز الوطنية والثقافية.

كما حمّل العمداء وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية مسؤولية عدم منع وإيقاف المتورطين في الحادثة، رغم تواجد بعض رجال الأمن في مكان الواقعة، مطالبين الوزارة بضرورة تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، مؤكدين أنهم لن يسمحوا لأيّ جهة بمحاولة تفريق الليبيين أو زعزعة السلم الاجتماعي، وسيظلون أوفياء للوطن وقيم التعايش المشترك.

جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية نفى أيّ صلة له بالأشخاص الذين ظهروا في مقاطع وصور متداولة

بدوره، استنكر المجلس البلدي لبلدية زوارة الاعتداء على علم الهوية الأمازيغية واصفا إياه بالخطوة الخطيرة والاستفزازية، وقال في بيان له إن هذا الفعل يستهدف طمس هوية أصيلة، وزرع الفتنة بين أبناء الوطن، مشيرا إلى أن هذا التصرف مشين ويعكس عقلية عنصرية مقيتة، مؤكدا أنه فعل مرفوض ولا يمكن السكوت عليه بأيّ حال من الأحوال، أو يُسمح له بالتمدد أو التأثير في النسيج الاجتماعي، وفق البيان.

وأشار المجلس إلى أن هذه الراية ليست مجرد رمز، بل هي رمز وطني قدمت جميع المدن الأمازيغية دماءها في سبيل بقائها، والاعتداء عليها هو انتهاك جسيم لقيم التعايش والاحترام المتبادل التي ينبغي أن تسود بين أبناء الوطن الواحد، بحسب البيان، ودعا الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد مرتكبي هذا الفعل المرفوض، مطالبا جميع القوى من جمعيات ومنظمات وهيئات مدنية بالتكاتف للدفاع عن القيم المشتركة التي تجمع الليبيين.

وطلب المجلس برفع العلم الأمازيغي في جميع المحلات والمؤسسات والبيوت في بلدية زوارة الكبرى، تعبيرا عن الاعتزاز بالهوية، وتأكيدا على تعزيز روح الوحدة والاحترام المتبادل، وفق المجلس.

وبحسب مراقبين، فإن وزير الداخلية عماد الطرابلسي وجد نفسه في موقع حرج بعد اتهام عناصر من وزارته بتدنيس العلم الأمازيغي، وهو الذي طالما تعرض خلال العامين الماضيين للاتهام من قبل قيادات الأمازيغ بالعنصرية والقبلية.

ويرى المراقبون أن محاولة استفزاز الأمازيغ كانت واضحة، ولكن اتصالات جرت على مستويات عدة بين سلطات طرابلس وقيادات أمازيغية ساعدت مبدئيا على تهدئة الأجواء والحؤول دون تصعيد الاحتجاجات بشكل قد ينتج عنه انفلات أمني وانقسام اجتماعي.

2