"طاولة خماسية" محور مبادرة جديدة لباتيلي يواجهها الفشل

أعضاء المنطقة الجنوبية يرفضون المبادرة بعد تجاهلها لإقليم فزان.
الجمعة 2023/11/24
التسوية السياسية في ليبيا تستدعي مشاركة كل الأطراف

كشفت البعثة الأممية في ليبيا عن مبادرة جديدة تجمع الفرقاء الأساسيين في البلاد وتهدف للتوصل إلى تسوية سياسية ترتبط أساسا بإجراء الانتخابات، في وقت يجمع فيه المراقبون على تضاءل فرص نجاحها، في ظل وجود تناقضات سياسية واجتماعية لأطرافها، مقابل استفادة المسؤولين المتمسكين بمناصبهم وامتيازاتهم السياسية والوظيفية منها.

طرابلس - بدأت معالم المبادرة الجديدة لرئيس البعثة الأممية إلى ليبيا عبدالله باتيلي تتضح في ظل بروز مؤشرات أولية على فشلها، وذلك من خلال ردود فعل الأطراف التي اطلعت عليها. وتنص المبادرة على “طاولة خماسية” تجمع بين كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش خليفة حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس مجلس الدولة الاستشاري محمد تكالة.

ووجه باتيلي الخميس دعوات إلى الأطراف المؤسسية الرئيسة في ليبيا للمشاركة في اجتماع سيعقد في الفترة المقبلة بغية التوصل إلى تسوية سياسية حول القضايا مثار الخلاف السياسي والمرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية.

وقال بيان صادر عن البعثة “يأتي ذلك عقب المشاورات المكثفة التي أجراها باتيلي مع طيف واسع من أصحاب الشأن الليبيين في إطار جهوده للدفع قدما بالعملية السياسية، وتحقيقاً لهذه الغاية طلب الممثل الخاص من الأطراف المؤسسية تسمية ممثليها للمشاركة في اجتماع تحضيري”.

وأضاف البيان “خلال هذا الاجتماع التحضيري سوف يتباحث الممثلون الذين ستتم تسميتهم من جانب المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي بشأن موعد اجتماع قادة مؤسساتهم ومكان انعقاده وجدول أعماله، وتحديد المسائل العالقة التي يتوجب حلها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب”.

♦ باتيلي طرح في وقت سابق، مبادرة تتعلق بتشكيل لجنة رفيعة المستوى تشمل تمثيل جميع الأطياف لكنها ذهبت أدراج الرياح

وتابع “اعتبر الممثل الخاص أنه ولأول مرة منذ تعثر إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر 2021، أصبح لدى ليبيا الآن إطار دستوري وقانوني منظم للانتخابات، مناشداً الأطراف الرئيسية الفاعلة للانتقال بحُسن نية إلى المرحلة التالية من الجهود الرامية لتحقيق الهدف المشترك المنشود ألا وهو إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة للجميع تلبي تطلعات الشعب الليبي”.

وبحسب البيان “تأتي دعوة الممثل الخاص اتساقاً مع قرار مجلس الأمن رقم 2702 لسنة 2023 الذي يحيط علماً بقانوني الانتخابات اللذين اعتمدهما مجلس النواب، ويؤكد مجددا دعم المجلس لدور الوساطة والمساعي الحميدة الذي يضطلع به الممثل الخاص بغية تعزيز عملية سياسية شاملة للجميع يقودها الليبيون ويملكون زمامها”. وأكد باتيلي أنه “يدعو الأطراف كافة إلى مضاعفة جهودهم لتسوية المسائل الخلافية المعلقة على الصعيد السياسي وذلك من خلال حوار تيسّره الأمم المتحدة وبروح من التوافق”.

كما يدعو القرار المجتمع الدولي إلى “تقديم الدعم الكامل للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبدالله باتيلي والبعثة في تنفيذ ولايتهما” حيث “بالتوازي مع الاجتماع التحضيري، وحرصاً على مبدأ الشمول في العملية السياسية، يعتزم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إجراء مشاورات مركزة مع طيف أوسع من الأطراف الليبية الأخرى كي يتسنى للفاعلين المؤسسيين أخذ مقترحاتهم حول كيفية تسوية المسائل الخلافية العالقة والتمهيد لإجراء الانتخابات بعين الاعتبار أثناء مفاوضاتهم”، مردفا “من بين أصحاب الشأن هؤلاء الأحزاب السياسية، والأطراف العسكرية والأمنية الفاعلة، والشيوخ والأعيان، والمكونات الثقافية واللغوية، والأكاديميون وممثلو الشباب والنساء والمجتمع المدني”.

ويجدد الممثل الخاص دعوته لكافة الأطراف الليبية إلى إظهار التزامهم إزاء تحقيق الوحدة الوطنية، والسلام والاستقرار في بلدهم ليبيا، وذلك من خلال الانخراط الإيجابي في الجهود التي يقوم بها لكسر الجمود السياسي”. وبيّن باتيلي بعد لقاء عقده الأربعاء مع سفير الاتحاد الأوروبي بليبيا نيكولا أورلاندو أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اتفقا على دعوة القادة السياسيين الليبيين إلى الاجتماع لمعالجة جميع التحديات التي تواجه وطنهم الأم عن طريق الحوار بما فيها القضايا الخلافية المتعلقة بالانتخابات.

وقال أورلاندو في منشور عبر منصة إكس “أكدت مجدداً دعمنا الراسخ لجهود باتيلي الرامية إلى تحقيق توافق وطني في الآراء بين جميع أصحاب المصلحة من أجل إجراء انتخابات شاملة وذات مصداقية وشفافة”.

وأعلن أعضاء مجلسي الدولة والنواب الليبيين عن المنطقة الجنوبية عقب اجتماعهم في طرابلس رفضهم “مبادرة باتيلي المعنية بمباحثات الطاولة الخماسية، وذلك لعدم وجود أيّ تمثيل لفزان في مبادرته المقترحة”، معلنين صياغة وثيقة باسم “وثيقة فزان” وتقديمها لباتيلي لتوضيح الرؤية السياسية للجنوب الليبي بشأن التنمية والاستقرار السياسي في المنطقة.

وبحسب ممثلي فزان فإن الشخصيات المدعوة للاجتماع الخماسي تنتمي إلى المنطقتين الشرقية ( المنفي وحفتر وصالح) والغربية (الدبيبة وتكالة) بينما لا توجد أيّ شخصية تمثل المنطقة الجنوبية. ويسعى باتيلي لجمع الشخصيات الخمس باعتبارها الأكثر تأثيرا في المشهد السياسي بالبلاد، والأقدر على إيجاد الحل المناسب من خلال الخروج باتفاق نهائي على القوانين الانتخابية التي سيتم اعتمادها في تنظيم الاستحقاقين الرئاسي والبرلماني.

ويرى مراقبون أن مبادرة باتيلي سيكون مصيرها الفشل كسابقاتها، وبالمقابل سيستفيد منها الراغبون في إبقاء الوضع على ما هو عليه، وخاصة من المسؤولين المتمسكين بمناصبهم وامتيازاتهم السياسية والاجتماعية والوظيفية.

♦ عبدالله باتيلي يسعى إلى جمع الشخصيات الأكثر تأثيرا في المشهد الليبي للخروج باتفاق نهائي على القوانين الانتخابية

وبحسب المراقبين فإن الشخصيات الخمس المذكورة ليست سوى واجهات لتناقضات سياسية واجتماعية وثقافية، ولقوى أمنية وعسكرية ومالية واقتصادية، ولصراعات إقليمية وجهوية وقبلية، ولطموحات وتطلعات فئوية وعائلية، ولتنافس إقليمي ودولي على مناطق النفوذ في البلاد والإقليم ككل، وبالتالي فإنها ليست قادرة على اتخاذ أيّ مواقف حاسمة في الأزمة المتفاقمة منذ العام 2011.

وكان باتيلي عرض مبادرته على رئيس مجلس النواب والقائد العام للجيش اللذين لم يبديا أيّ حماس لها، ووفق مصادر مطلعة أكدت أن مجلس النواب لا يزال متمسكا بالقوانين الانتخابية التي صادق عليها في الثاني من أكتوبر الماضي، ولا يرى بديلا عنها، بينما يرفض حفتر أيّ اجتماع مباشر مع الأطراف التي يعتبرها فاقدة للشرعية الدستورية والسياسة والاجتماعية.

وسبق لباتيلي أن طرح مبادرة تتعلق بتشكيل لجنة رفيعة المستوى تشمل تمثيل جميع الأطياف بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية، وأهم الشخصيات السياسية، والقيادات القبلية، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية، والنساء والشباب، لكنها ذهبت أدراج الرياح.

في الأثناء عقد عضوا المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبدالله اللافي اجتماعا مع رئيس مجلس الدولة محمد تكالة، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، لبحث آخر مستجدات الأوضاع في البلاد على جميع الأصعدة. وأفاد المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي بأن الاجتماع تطرق إلى مناقشة العمل على معالجة الانسداد السياسي من خلال آلية مشتركة تضم الأطراف السياسية، بهدف الوصول إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي.

وأوضح المكتب أن تكالة قدم إحاطة حول زيارته إلى الولايات المتحدة  في الفترة الأخيرة. وأكد المجتمعون ضرورة العمل على تحقيق الاستقرار في كل المناطق؛ لضمان إجراء الانتخابات بنجاح مع مشروع المصالحة الوطنية الذي يسير بخطى ثابتة لتحقيق أهدافه. وبحسب أوساط قريبة من الاجتماع فإن البند الأول الذي تم طرحه كان مبادرة باتيلي التي سبق أن أبلغ تكالة بتفاصيلها الأسبوع الماضي، وأن هناك شبه إجماع على رفضها من الشخصيات الخمس البارزة في المشهد.

4