طالبان تستعد لفرض رؤيتها الإسلامية المتشددة في أفغانستان

يعكس قرن حركة طالبان المتشددة للسلام في أفغانستان باعتماد نظام حكم إسلامي أن الحركة المتمردة لم تتغيّر بعد عقدين من الإطاحة بحكمها على يد القوات الأميركية. ويؤكد تصور الحركة لآليات الحكم في كابول بعد انسحاب القوات الأجنبية المخاوف من العودة إلى الوراء بعد إحراز بعض التقدم.
كابول - أكدت حركة طالبان الأحد أنها مازالت ملتزمة بمحادثات السلام، لكنّها أصرت على أنّ “نظاما إسلاميا أصيلا” هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب وضمان الحقوق في أفغانستان، بما في ذلك حقوق المرأة، وهو ما حذرت منه أجهزة الاستخبارات الأميركية ومحللون الذين أكدوا أن واشنطن منحت طالبان، بانسحابها الكامل من كابول، نصرا دون مقابل وبلا ضمانات.
وتعثرت المفاوضات بين الحركة المتمردة والحكومة الأفغانية لأشهر وتصاعد العنف في أرجاء البلاد منذ مايو مع بدء الجيش الأميركي انسحابه النهائي من البلد المضطرب منذ سنين.
وتتنامى المخاوف أيضا من أنه إذا عادت طالبان للحكم، فستعيد فرض رؤيتها المتشددة للشريعة الإسلامية، التي تم بموجبها منع تعليم الفتيات ورجم نساء اتهمن بالزنا حتى الموت في ملاعب ممتلئة بالحضور.
ورغم تصاعد العنف، أكد المؤسس المشارك في طالبان ونائب زعيمها الملا عبدالغني برادر الأحد أن الحركة ملتزمة بمحادثات السلام. وقال في بيان إن “مشاركتنا في المفاوضات تشير صراحة إلى أننا نؤمن بحل المشكلات من خلال تفاهم متبادل”.
وأوضح أنّ السبيل الوحيد لإنهاء النزاع في أفغانستان هو تأسيس نظام إسلامي بعد مغادرة كافة القوات الأجنبية.
وأكد في بيانه أنّ “نظاما إسلاميا أصيلا هو أفضل سبيل لحل كافة مشكلات الأفغان”.
وأقر القيادي الإسلامي في بيانه بالمخاوف المنتشرة في أفغانستان وخارجها بشأن نوع النظام المقبل، وتأثيره على المرأة، قائلا إن ذلك يندرج “في إطار المفاوضات بين الأفغان”.
كما أكد برادر أن حقوق جميع الأفغان بمن فيهم النساء سيتم استيعابها في هذا النظام وفق “الدين الإسلامي المجيد” والتقاليد الأفغانية، لكنّ كثيرين يخشون أن يتعارض تفسير طالبان للحقوق مع التغييرات التي طرأت على المجتمع الأفغاني منذ عام 2001.
ومع مضي القوات الأميركية قدما للوفاء بالموعد النهائي للانسحاب الكامل في 11 سبتمبر، تخوض طالبان معارك يومية مع القوات الحكومية وزعمت أنها استولت على 40 منطقة.
وأجبر الخوف المتزايد وعدم اليقين بشأن المستقبل العديد من الأفغان على محاولة مغادرة البلاد، بما في ذلك الآلاف من الرجال والنساء الذين يخشون إجراءات انتقامية بسبب عملهم مع القوات الأجنبية.
ودعا برادر الشباب الأفغاني إلى عدم مغادرة البلاد، وشدد أيضا على أن طالبان ستبدد مخاوف الأقليات والمنظمات الإنسانية والدبلوماسيين.
وفي مايو ذكر تقرير استخبارات أميركي أن المكاسب التي تم تحقيقها في مجال حقوق المرأة ستتراجع إذا عاد المتمردون للسلطة.
ويشير التقرير الاستخباري الذي أعده المجلس الوطني للاستخبارات والواقع في صفحتين، إلى أن وجهات نظر المتمردين لم تتغيّر منذ أن تولوا السلطة في العام 1996 وإطاحتهم إثر الغزو الأميركي في العام 2001.
وكانت حركة طالبان قد فرضت لدى توليها السلطة نظاما أصوليا ومنعت النساء من التعلم والعمل.
وأثار قرار الولايات المتحدة سحب جنودها من البلاد، المقرر إنجازه بحلول سبتمبر، مخاوف من استعادة طالبان كامل قوتها.
وجاء في التقرير أن حركة “طالبان لا تزال إلى حد كبير ثابتة في نهجها التقييدي لحقوق المرأة وهي ستطيح بالكثير من التقدّم الذي أحرز في العقدين الماضيين في حال استعادت السلطة في البلاد”.
ويلفت التقرير إلى أن التغيير في قيادة الحركة بقي محدودا جدا وأنها لا تزال “متصلبة” في المفاوضات و”تفرض قيودا اجتماعية صارمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
ووفق التقرير، أطلق عدد من قادة الحركة علنا تعهّدات باحترام حقوق المرأة، لكن فقط من خلال مفهوم طالبان الأصولي للشريعة.
وجاء في التقرير “إذا عادت حركة طالبان قوة مهيمنة في أفغانستان، فإن أي إمكانية للدفع بسياسات الحركة تجاه النساء نحو الاعتدال ستكون منوطة بقدرات الأقليات الإتنية على المحافظة على التنوع المحلي والتطور التكنولوجي”، مشيرا إلى الهواتف الخلوية التي جعلت الأفغان أكثر انفتاحا على العالم.
وأعرب الكثير من الأفغان عن مخاوفهم من بدء عهد جديد من نفوذ طالبان، وهم يخشون ألا تكون الحركة تغيرت كثيرا منذ أيام حكمها السابق الحالكة التي شهدت قتل نساء متهمات بالزنا ومهاجمة الأقليات ومنع البنات من ارتياد المدارس.
ورغم حماسة الأفغانيات اللاتي تخيّم عليهن الريبة من المتمردين لحلول السلام، إلا أنهن يشعرن بالخشية من دفع ثمن باهظ لذلك، حيث حرمت النساء في فترة حكم طالبان من التعليم أو العمل، وهي حقوق تحرص الأفغانيات على حمايتها بشدة اليوم.
ومنح الاجتياح الأميركي بعض المزايا المتواصلة للشباب الأفغاني، خصوصا الفتيات، وأدى لاعتماد دستور يضمن بعض الحريات بما في ذلك الحق في التعلم.
وتسيطر الحركة المتطرفة على مساحات شاسعة من أفغانستان. وبينما باتت تسمح للفتيات بالالتحاق بالمدارس الابتدائية في بعض المناطق، إلا أنه لا تزال هناك تقارير دورية عن جلد نساء ورجمهن بالحجارة، ما يغذي المخاوف من عودة الوضع إلى ما كان عليه إذا عادت الحركة إلى السلطة.