طائرات السعودية

“طياراتنا وين وصلت”، على وقع هذا الشعار الذي تحول إلى ترند، عاشت السعودية والدول العربية 11 يوما بالتمام والكمال، حيث اتجهت الأنظار إلى الطريق الذي سلكته طائرات ملك الخطوط السعودية من جدة إلى الرياض مارة بالعديد من المدن السعودية، بمناخاتها المختلفة، ولا تزال تثير الكثير من اللغط حولها، فأغلب المعلقين انتهج السخرية والتهكم.
لم يسمع أحد بهذه الطائرات ونية هيئة الترفيه استخدامها ضمن مشروع “بوليفارد رانواي”، إلا بعد إعلان رئيس الهيئة تركي آل الشيخ عن رصده سيارات حديثة كجوائز لمن يقوم بتصوير الطائرات الثلاث في طريقها إلى الرياض، صورا مميزة، بعد أن قرر نقل الطائرات عبر البر، بمسافة تقترب من ألف كيلومتر.
هذه الحركة التي عرضت المملكة وشعبها للكثير من الانتقادات، كشفت كيف أن مشروع “بوليفارد رانواي” درس تسويقي فريد، سوقت من خلاله هيئة الترفيه ليس فقط لموسم الرياض بل لمدن السعودية وقراها، لبنيتها التحتية، لخدماتها، للطرق التي تربط بين المدن باختلاف تضاريسها، للتطور الهائل في المملكة، وللسعوديين أيضا الذين ظهروا في صور مختلفة وبلقطات عفوية كسرت الصورة النمطية التي روجت طوال سنوات عنهم، وسجنتهم في خانة الشعوب المنغلقة على ذاتها وعلى قيمها وضوابطها السلوكية المتشددة.
نجح مسار طائرات “خردة” في كشف الجمال الطبيعي الذي تتمتع به المملكة، وحب شعبها لكل ما يحدث من تغييرات وإنجازات وإن كانت تلك الإنجازات تحويل طائرات خردة إلى مطاعم شهيرة، لكنه كشف عمق الاختلافات “العربية – العربية”، فأغلب المعلقين انهالوا على الصور بالتعليقات الساخرة والمقللة من شأن ما تقوم به المملكة من إنجازات.
أرى هذا النموذج من التعليقات المهاجمة لكل خطوات الانفتاح والتحرر السعودي منذ سنوات، أراقبها بالكثير من التفكير لماذا هذا الرفض العربي لما يحدث في السعودية؟ لماذا كل هذا الاستنكار لأي فكرة جديدة ومبهرة تأتينا من هناك؟
إحدى المخرجات السينمائيات السعوديات قالت لي منذ أعوام قليلة “لا أفهم لم يعيش جميع العرب تقريبا حياة طبيعية، يمارسون حريتهم في ارتياد السينما والمسرح وحضور الحفلات الموسيقية والتنزه والتسوق والسياحة داخل بلدانهم وخارجها، لكنهم يرفضون أن يحصل ذلك في المملكة؟ لماذا يستكثرون علينا أن نعيش حريتنا على أرض بلادنا؟”، برأيكم لماذا؟
بعيدا عن انغلاقها جراء الضوابط السياسية طوال عقود إلا أن المملكة والقداسة الدينية التي تكتسبها تجعلان الشعوب العربية ترفض هذه الحرية الممنوحة للسعوديين، ونجدهم في الغالب ينحازون عن لاوعي أو بوعي منهم إلى الآراء المتهكمة على الإنجازات من قوانين لفائدة المرأة وانفتاح ثقافي وإنجازات اقتصادية ورياضية تسوق للمملكة كوجهة ثقافية واقتصادية مهمة في الشرق الأوسط.
في تونس لدينا مثل شهير عن الجيران يقول “أعمل كيما جارك وإلا حول باب دارك”، والقصد منه أن الإنسان يستطيع أن يقلد الآخر إن فعل شيئا يعجبه أو يغير اتجاه باب منزله وإن استطاع المنزل بأكمله، على أن لا يحسده أو يبغضه فيما يقوم به.
هنا لا يملك المتهكمون من الدول العربية المجاورة وحتى البعيدة عن السعودية القدرة ولا الإرادة السياسية ليفعلوا ما فعلته المملكة، وللأسف لا ينطبق عليهم الجزء الثاني من الحكمة، لذلك تجدهم ينفعلون، يغضبون، يهاجمون، يسبون، كلما رأوا الجارة تفعل ما فعلوه منذ عقود، ويعتبرون التغيير السعودي تدنيسا لأرض طاهرة.
“طياراتنا وين وصلت”، لم يكن مجرد شعار على وسائل التواصل، بل كان درسا مهما بأن المملكة تمتلك اليوم عقولا قادرة على تغيير صورتها، وكيف تستطيع حملة إعلانية مبتكرة أن تجذب الانتباه العالمي للبلد وتسوق له. بصور جميلة، نجحت الخطة، انتبه العالم لميزات خفية في المملكة، وسيظل الجار على حاله.