ضوابط إعلامية مصرية للمشهد الدرامي غير قابلة للتنفيذ في عصر المنصات الرقمية

يواصل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المسؤول عن تنظيم وسائل الإعلام المصرية، إصدار توصياته وضوابطه السنوية لمعايير الأعمال الدرامية المذاعة على الفضائيات المصرية في موسم رمضان المقبل دون أن يراعي التطورات في أدوات عرض الأعمال التي أضحت موجهة أيضا إلى جمهور المنصات الإلكترونية وتستحوذ على قدر كبير من عرض الأعمال الحصرية قبل عرضها في التلفزيون.
القاهرة - بدت ضوابط المجلس الأعلى للإعلام في مصر التي أصدرها قبل أيام إجراءً شكليّا غير قابل للتطبيق على أرض الواقع في ظل اتساع سوق المنصات الرقمية، ما يطرح تساؤلات عديدة حول الهدف من الإعلان عنها ومدى تأثيرها على المسلسلات المصرية التي مازالت تسيطر على الحجم الأكبر من سوق الدراما الرمضانية في المنطقة العربية.
وجاءت ضوابط المجلس الأعلى فضفاضة على نحو كبير وشددت على الالتزام بالأكواد الأخلاقية والمعايير المهنية والآداب العامة (دون أن يحددها)، وطالبت باحترام عقل المشاهدين والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع، وأهمية إظهار مواطن الجمال في المجتمع، وحظر اللجوء إلى الألفاظ البذيئة وفاحش القول والحوارات المتدنية والسوقية.
وقد واجهت ضوابط المجلس انتقادات من صناع الدراما الذين رأوا أن الدعوة للرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص في كل مجال حال تضمين المسلسل أفكاراً ونصوصاً دينية أو علمية أو تاريخية أمر طبيعي بالنسبة إلى عملهم، كما أن التنبيه عليه يجب أن يكون مبكراً وليس بعد الانتهاء من تصوير بعض الأعمال.
ويعتبر تطرق المجلس إلى عدم استخدام التعبيرات والألفاظ التي تحمل للمشاهد والمتلقي إيحاءات مسيئة تهبط بلغة الحوار مسألة غير منطقية، لأن الأمر يخضع لطبيعة المسلسل، فإذا كان يدور في سياق المناطق الشعبية والنائية يتطلب استخدام عبارات تتماشى مع البيئة، والتعميم لا يمكن أن يؤدي إلى خروج أعمال إبداعية.
ويتفق خبراء الإعلام على أن المجلس الأعلى يستهدف تقديم أعمال لا تسيء إلى الواقع السياسي والاجتماعي في مصر، بينما الطبيعة الحياتية تتضمن ما هو إيجابي وسلبي، وليس كل ما يجري فرضه على وسائل الإعلام في شقها الإخباري يمكن تطبيقه على الدراما، لأنها تدخل في منافسة قوية مع محتويات عربية أخرى وسوف يكون لزاما على صناع تلك الأعمال تقديم مادة تجذب الجمهور وتعكس واقعهم ولا تجمّله.
وتتجاهل الضوابط الجديدة حجم الحرية الذي تتمتع به المنصات التي حققت على مدار الأشهر الماضية نجاحات عديدة بعرضها لأعمال درامية من دون الحاجة إلى بثها على الفضائيات المصرية أو العربية، وهو أمر ستكون نتائجه سلبية على الدراما التي تكبل بضوابط تحد من حريتها في حين أن المعايير الأخيرة لم تراع وجود أعمال مصرية بإنتاج عربي مشترك ولن يكون بإمكانها الالتزام بما ذهب إليه مجلس الإعلام.
مسعد صالح: قيمة ضوابط مجلس الإعلام تتراجع بشكل تدريجي كل عام
وهناك قناعة لدى دوائر إعلامية مختلفة بأن وسائل الإعلام والدراما المصرية سوف تتضرران كثيرا في تلك الحالة، لأنهما لن تستطيعا مواكبة تطورات السوق الرقمي السريعة، وهو ما يتطلب رؤية مغايرة للتعامل مع نوعية الأعمال المقدمة والقضايا التي تناقشها، وأن التطور الذي شهدته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المسؤولة عن غالبية الإنتاج الإعلامي والدرامي على مستوى الانفتاح الإنتاجي لا بد أن تواكبه تطورات مماثلة على مستوى الهيئات المنظمة لسوق الإعلام المصري.
ويتخوف العديد من القائمين على إدارة القنوات الفضائية المصرية من تقلص مساحة الإعلانات بعد أن اعتمدت خلال السنوات الماضية على نظام الباقات الكبيرة التي تتيح عرض الإعلان أكثر من ألفي مرة على مدار الشهر في محاولة لتلافي المزيد من الخسائر مع انخفاض قيمة عروض الإعلانات عليها مقارنة بفضائيات عربية أخرى. في حين أن ذلك قد يقود إلى عزوف المواطنين عن مشاهدة المسلسلات والبرامج والاتجاه إلى منصات رقمية ذات اشتراكات رمزية لقطاعات واسعة من المشاهدين.
وأشار أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة مسعد صالح إلى تراجع قيمة ضوابط مجلس الإعلام المصري بشكل تدريجي كل عام نتيجة عدم مراعاة التطورات الحاصلة في سوق الإعلام وتحولاته السريعة، وبالتالي لا يتخذ المجلس إجراءات عقابية تجاه المخالفين، لأن الكثير من قوانين المجلس وتشريعاته لا يجري تطبيقها للسبب ذاته.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الجهات الرقابية المصرية لا تستطيع اتخاذ مواقف من المنصات الرقمية ولا تخضع لسيطرتها، وفي حال أقدمت على التدخل فإن ذلك ستكون له انعكاسات سلبية على سمعة الدراما والإعلام في مصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لن يحقق التدخل الغرض منه، فالوصول إلى تلك الأعمال يكون سهلاً بالنسبة إلى المواطنين”.
وأكد أن الواقع يشير إلى أن مخالفات الإعلام لم ولن تتوقف بالرغم من كثرة الضوابط والمعايير والأكواد الأخلاقية في مجالات مختلفة، لأن الكثير من المسؤولين عن الإعلام يخالفون تلك الأكواد في البرامج التي يقدمونها أو يستضافون فيها، حتى تحولت الضوابط إلى ما يشبه “المكلمة” أو الشعارات. ولم تحقق الدورات التدريبية التي يعقدها المجلس للتوعية بالمعايير نتائجها، حيث لا يتم تطبيقها على الجميع.
سهير عثمان: إعلان الضوابط كان يجب أن يتم بعد انتهاء موسم رمضان الماضي
ويندرج في هذا الإطار ما استحدثه المجلس الأعلى في ضوابطه التي أصدرها مؤخرا، حيث حمّل القنوات الفضائية مسؤولية “اختيار الأعمال الفنية الإبداعية الهادفة والتي تحمل قيمة ورسالة للمشاهد وتتناسب مع طبيعة المجتمع”، ولم تطل اشتراطاته ومعاييره صناع الدراما فقط، وإنما استهدفت أيضَا الفضائيات المصرية التي عليها فحص الأعمال قبل عرضها، الأمر الذي سيكون من المستحيل تطبيقه والالتزام به عمليا.
ويشير هذا المعيار إلى أن القنوات الفضائية قد تواجه خسائر اقتصادية عديدة في حال التزمت بالأعمال التي يراها مجلس الإعلام هادفة، وأن تعامله مع الدراما من منظور أخلاقي وليس اقتصاديا يجعل هناك فجوات كبيرة بين أهداف الفضائيات التي تحاول تقليص خسائرها وبين الجهات الرقابية التي تغفل تأثير الاقتصاد على الإعلام.
وقالت الأكاديمية وخبيرة الإعلام سهير عثمان إن اتجاه شركات الإنتاج إلى عرض أعمالها على المنصات الرقمية باب خلفي للهروب من ضوابط المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لأنه في حال تعرضت الأعمال للمنع فإن وجودها على المنصة يوفر لها إمكانية الوصول إلى الملايين من المتابعين على مستوى العالم العربي.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “جدية المجلس الأعلى في تنفيذ ضوابطه كانت تتطلب الإعلان عنها بعد انتهاء موسم رمضان الدرامي العام الماضي الذي شهد العديد من المشكلات على مستوى جودة الأعمال والقضايا التي تناقشها، ولذلك يجري التعامل مع الإجراءات الجديدة على أنها شكلية، أو من باب لزوم ما لا يلزم، دون أن تؤثر على مضامين الأعمال المعروضة”.