ضغوط نقابية لتخليص المغاربة من جشع تجار الوقود

مطالب بإلغاء الرسوم الضريبية للاستهلاك وتسقيف أرباح الموزعين.
الخميس 2022/03/31
لا تستعجلوا! ستملأون خزانات سياراتكم بالبنزين

يسود جدل داخل الأوساط الاقتصادية المغربية بشأن قدرة الحكومة على مواجهة موجة جديدة من الضغوط النقابية لحثها على حل مشكلة غلاء الوقود في السوق بعدما واصلت شركات القطاع الاستفادة من آلية تحرير الأسعار لتحقيق عوائد أكبر دون مبالاة بما قد يعانيه الناس.

الرباط - يخوض الاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة عمالية بالبلاد، معركة جديدة مع الحكومة لدفعها باتجاه السيطرة على تغول شركات المحروقات التي استغلت فرصة ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق الدولية لتجني أرباحا أكبر على حساب المواطنين.

وانتقدت النقابة بمعية حزب التقدم والاشتراكية اليساري الحكومة التي يريان أنها لا تحرك ساكنا بشأن اتخاذ تدابير تهدف إلى التخفيف من ارتفاع أسعار الوقود في السوق المحلية وما يجنيه تجار القطاع من أرباح كبيرة.

وانعكس جشع شركات المحروقات لتحصيل المزيد من الإيرادات في شكل ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية الأساسية مؤخرا، الأمر الذي يزيد من تدهور القدرة الشرائية للناس.

وطرحت النقابة هذه القضية أثناء اجتماع بعض من أعضائها قبل أيام مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وطالبت بالإلغاء الكلي أو الجزئي للرسوم الضريبية المفروضة على استهلاك الوقود والتي تقدر بنحو 3 دراهم (0.3 دولار) لكل لتر، وبتسقيف هامش أرباح الموزعين البالغة 1.5 درهم (0.15 دولار) لكل لتر.

الميلودي موخاريق: الحكومة تملك الإمكانية للحد من غلاء أسعار المحروقات

وقال الميلودي موخاريق الأمين العام للاتحاد الأحد الماضي إن “شركات المحروقات تمتص دماء المغاربة”، داعيا الحكومة إلى حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

وتشهد أسعار الوقود ارتفاعا كبيرا منذ بدء الحرب في أوكرانيا إذ بلغ ثمن لتر البنزين 14 درهما (1.45 دولار)، بينما تجاوز سعر لتر الغازوال (ديزل) 11.6 درهم (1.2 دولار)، وهو ما أثر على أسعار المنتجات الأخرى.

ويعتمد المغرب منذ ستة أعوام آلية تحرير أسعار الوقود، كما هو الحال في الإمارات، أي جعلها مرتبطة بالأسواق الدولية التي شهدت تجاوز سعر برميل النفط لحاجز المئة دولار، دون تدخل حكومي، لكنها تواجه اعتراضات مستمرة من النقابات.

وبموجب تلك الآلية يمنع قانون المنافسة الشركات في القطاع من تحديد أو الاتفاق على أسعار البيع بحكم أن هذه السوق باتت حرة.

وحمّل موخاريق الحكومتين السابقتين المسؤولية في ما يخص هذه الآلية. وقال إن أخنوش “يملك الإمكانية لوضع حد لهذا الأمر، على اعتبار أن الحكومة بيدها الإجراءات الكافية لحماية القدرة الشرائية للمغاربة”.

وهذا الموقف يتبناه أيضا نبيل بنعبدلله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي انتقد الحكومة لتقاعسها في التحرك للتخفيف من وطأة ارتفاع الأسعار.

وقال بنعبدالله إن “الحكومة بإمكانها اتخاذ إجراءات على مستوى ارتفاع أسعار المحروقات، إما ضريبية للتقليل من مداخيل الدولة من خلال الرسوم التي تفرضها على هذه المواد، وكذلك تدابير جمركية”.

وأكد أنه من الضروري “التقليل من الأرباح الخيالية التي تجنيها الشركات العاملة في مجال المحروقات”.

وتظهر بيانات النقابة المغربية للبترول والغاز أن 5 شركات كبرى تستحوذ على 80 في المئة من مبيعات المواد البترولية، وتحتكر شركة واحدة 37 في المئة من السوق. ومن أصل 20 شركة محروقات تعمل في السوق المحلية تستورد 11 منها المشتقات النفطية.

Thumbnail

وبحسب بنعبدلله كان هناك حديث في السنوات الماضية وإبان حملة المقاطعة عن أرباح لهذه الشركات قيمتها 17 مليار درهم (1.76 مليار دولار)، لكن الآن “نتحدث عن 38.2 مليار درهم (3.96 مليار دولار)”.

وقال إن “على هذه الشركات التقليل من الربح والمساهمة في التضامن الوطني ومساندة الفقراء والكف عن الجشع، وإنه إذا رغبت الحكومة في اتخاذ الإجراءات ستفعل ذلك”.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن البلد يستهلك سنويا حوالي 12 مليون طن من المحروقات، أي ما يعادل 91.2 مليون برميل سنويا، و250 ألف برميل يوميا.

واعتبر رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، أنه بحكم أن المغرب دولة غير نفطية والاتجاه “غير المدروس” لتحرير أسعار الوقود، تبقى مسؤولية الحكومة قائمة في تخفيف العبء واتخاذ قرارات استباقية.

وقال إن عليها أن “تؤمّن استقرار أسعار المشتقات النفطية، أو الاتجاه إلى تخفيض الضريبة على الاستهلاك بوضع معايير لذلك بحيث تزيد الضريبة عندما يكون سعر النفط مرتفعا وتخفيضها عندما تنخفض الأسعار”.

وبسبب تقلبات السوق العالمية، بلغ سعر لتر الديزل قبل نقله إلى الموانئ ومحطات الوقود نحو 0.7 دولار، ثم أضيفت إليه ضريبة الاستهلاك التي بلغت 0.25 دولار بمعنى أن مستوى القيمة وصل إلى 0.93 دولار عند المورد، بعد إضافة الضريبة.

رشيد لزرق: لا بد من توفير مخزون استراتيجي وإيجاد منافسة فعلية

ويؤكد خبراء اقتصاد أن تسقيف الأسعار لن تكون له جدوى مع ارتفاع أسعار السوق العالمية خاصة وأنه بعد التحرير النهائي للسوق المحلية باتت الأسعار بيد الموزعين، والمشكلة أن فارق الأسعار لم يتغير بسبب تزوّد كل الشركات المحلية من مصدر واحد.

وأشاروا إلى أنه من بين الحلول التي بيد الحكومة تعويم الضريبة الداخلية للاستهلاك التي تصل عائداتها إلى 3.1 مليار دولار سنويا بتخفيضها عندما ترتفع الأسعار وزيادتها حينما تنخفض.

وأوضحوا أنه من الضروري العمل على زيادة المخزون الاستراتيجي من الوقود والذي يصل إلى ستة أشهر لدى بعض الدول المتقدمة، بينما لا يتعدى شهرين في المغرب.

ولحل جزء من المشكلة يطالب نقابيون الحكومة بالعمل على استئناف عمليات التكرير بمصفاة شركة سامير بمدينة المحمدية من أجل تحقيق التوازن في توزيع المحروقات وأمن الطاقة والتنمية المحلية، بعد توقفها عن الإنتاج منذ أكثر من 6 سنوات.

ويرى بنعبدالله أنه يجب “إعادة تشغيل المصفاة بهدف تحقيق الاستقلال الطاقي والتخلص من تأثير السوق الدولية، وعدم تسجيل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية جراء تكلفة النقل”.

ونظرا إلى حاجة البلد إلى عمليات التكرير للمحافظة على المكاسب التي توفرها هذه الصناعة لفائدة الاقتصاد ومواجهة تحكم اللوبيات في السوق، يرى الأستاذ الجامعي رشيد لزرق في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة مطالبة بالعمل في المدى المتوسط على توفير مخزون استراتيجي وكذلك توفير منافسة فعلية بين شركات توريد الوقود ومحاربة الاحتكار.

ويربط البعض قوة الحكومة بالإرادة السياسية والقدرة على اتخاذ الإصلاحات والقرارات ومواجهة التيار الرافض لمثل هكذا تدابير، ومكافحة الاحتكار والريع في قطاعات متعددة منها قطاع المحروقات، معتبرين أنه لا بد من الالتفات بجدية إلى مسألة الأسعار والقدرة الشرائية.

11