ضحايا الأخبار المزيفة

كبار السن أكثر مناعة من الشباب ضدّ داء حديث تسببت فيه التكنولوجيا. فهم، على عكس جيل "زد"، لا يتأثرون بالأخبار المضللة.
الجمعة 2025/04/18
فاتورة التطور التكنولوجي

قد يكون كبار السن أكثر عرضة لقائمة طويلة من الأمراض، الجسدية والنفسية؛ بدءًا بأوجاع المفاصل وضعف الرؤية وأمراض السكري والضغط وترهل العضلات، وانتهاءً بضعف الذاكرة. إلا أنّ الكبار أكثر مناعة من الشباب ضدّ داء حديث تسببت فيه التكنولوجيا. فهم، على عكس جيل “زد” (مواليد 1997 – 2012)، لا يتأثرون بالأخبار المضللة.

هذه المناعة، كما تقول دراسة أجريت حديثًا، تكونت بشكل طبيعي ونمت عند الأجيال التي اعتادت الحصول على الأخبار من وسائل الإعلام التقليدية، الورقية والمسموعة. بينما أظهر الجيل الرقمي، الذي يُفترض أنه يشعر بالراحة ضمن تدفق المعلومات كسمكة في الماء، أنه الأكثر عرضة لتأثير الأخبار المزيفة من الجميع.

الدراسة التي أجريت على 66 ألف شخص من 24 دولة، غالبيتهم من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وأستراليا، طلبت من المشاركين تقييم عناوين الأخبار ومحاولة اكتشاف المزيف منها من الصحيح. وكانت المفاجأة أن جيل “زد” الذي نشأ في بيئة رقمية يُفترض أنها تمنحه حصانة ضد المعلومات المزيفة، هو الأكثر عرضة للوقوع ضحية الأخبار المضللة وتصديقها.

الدراسة أيضًا بينت أن المحافظين أكثر ميلًا للثقة بالأخبار المزيفة، خاصة أصحاب المعتقدات المتطرفة. وأن النساء يخطئن أكثر بقليل من الرجال، لكنهن أكثر دقة من الرجال في تقييم قدراتهن. كما أن التعليم يساعد في كشف الزيف، لكن أصحاب الشهادات يبالغون في تقدير قدراتهم.

عالم النفس فريدريش غوتز من جامعة كولومبيا البريطانية علق على نتائج الدراسة بقوله: “لا يهم من أنت أو ما هي أفكارك وتأهيلك، لا أحد منا في مأمن من الأخبار المزيفة. يجب أن ندرك أننا جميعًا نتعرض بانتظام للتضليل، ومن المحتمل أن نقع ضحاياه في مرحلة ما”.

من متابعاتي على مواقع التواصل الاجتماعي أكاد أجزم أننا جميعًا، كما قال غوتز، وقعنا ضحية المعلومات المضللة بشكل أو آخر. فالتزييف والتضليل لا يقتصر على الأخبار السياسية التي يجهد السياسيون في توظيف أشخاص يتفرغون لنشرها بهدف التشهير وكسب التأييد مع اقتراب مواسم الانتخابات – حدث ذلك في أكبر الدول، وسمعنا عن اتهامات متبادلة في هذا الشأن بين روسيا والولايات المتحدة – التزييف والتضليل يُمارس علنًا وتحت أعين السلطات التي تقف عاجزة عن صده، في مجال الدعاية والإعلان والتسويق.

ما أن نلج إلى صفحات التواصل الاجتماعي حتى تقفز في وجهنا الإعلانات التي تسوق كل شيء، من دهانات المنزل إلى العطور إلى الرحلات السياحية، والسلع الاستهلاكية، من كل صنف ونوع. حتى البشر يتم تسويقهم، سواء سوقوا أنفسهم أو سوقهم طرف ثانٍ.

إذا قلت لي أنك محصن ضد هذا السيل من المعلومات والأخبار المزيفة، أقول لك إنك واحد من اثنين: إما أنك تكذب، أو أنك لم تستخدم الهاتف الذكي ووسائل الاتصال بعد. الاحتمال الثاني صعب أن يحدث إلا إذا كنت تعيش خارج العصر.

هل من طريقة نحمي بها أنفسنا من الوقوع ضحية للأخبار المزيفة؟

نعم، هناك طريقة تختزلها كلمة واحدة اقترحها الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في بحثه عن طريقة للوصول إلى اليقين في كتابه الشهير “خطاب حول المنهج” منذ 400 عام تقريبًا. الكلمة هي: الشك.

أنا أشك.. إذن أنا موجود.

18