ضجيج اليوتيوب يهز جدران أحزاب يسارية في مصر

الحزب بانتظار تحرك من الحكومة للقيام بإصلاح سياسي حقيقي يمنح هامشا من الحريات.
الجمعة 2019/09/20
أزمة داخل الأحزاب

القاهرة - لوح حزب “تيار الكرامة” المصري الذي وضع نواته المرشح للرئاسة السابق حمدين صباحي، بتجميد نشاطه احتجاجا على ما وصفه بـ”المساس بالحريات في البلاد”.

وترك الحزب اليساري الباب مفتوحا للإقدام على التجميد من عدمه، بانتظار تحرك من الحكومة للقيام بإصلاح سياسي حقيقي بشر به قريبون منها أخيرا، يمنح هامشا من الحريات بعد أن لاقت فيديوهات على موقع يوتيوب، انتقدت أداء مؤسسات مهمة في الدولة، تفاعلا من شريحة واسعة من المواطنين.

وقال حزب تيار الكرامة في بيان له مساء الأربعاء “يأبى ضميرنا الوطني المشاركة في مثل هكذا مشهد، عاجزين عن دفع تلك المخاطر عن شعبنا ووطننا”، في إشارة إلى انسداد الشرايين السياسية أمام أكثر من مئة حزب لديه مشروعية قانونية.

وأشار عبدالعزيز الحسيني، نائب رئيس الحزب، إلى أن القرار يعبر عن رؤية الحزب للمسار الذي تقوده الحكومة، ولا يعطي مجالا للحركة، والهدف من التهديد “تحريك المياه الراكدة على مستوى الحكومة أو على مستوى باقي الأحزاب التي استسلمت ولم يعد أمامها ما يمكن اتخاذه من مواقف مؤثرة”.

عبدالعزيز الحسيني: قرار التجميد لا يرتبط بتظاهرات من هنا أو هناك
عبدالعزيز الحسيني: قرار التجميد لا يرتبط بتظاهرات من هنا أو هناك

وأوضح لـ”العرب”، أن قرار التجميد لا يرتبط بالدعوة إلى تظاهرات من هنا أو هناك، لكنه يأتي بالتزامن مع تجديد حبس عدد من أعضاء الحزب ضمن “خلية الأمل” للمرة الرابعة، بعد أن شهدت الأشهر الماضية محاولات مكثفة للإفراج عنهم من دون أثر، ويأتي القرار كنوع من الضغط السياسي الذي من الممكن أن يأتي بنتيجة إيجابية في ظل الظروف الراهنة.

وهناك عدد من المنتمين إلى تيار الكرامة واليسار المصري عموما، جرى اعتقالهم مؤخرا في القضية المعروفة بـ”خلية الأمل”، التي وضعتهم في سلة واحدة مع جماعة الإخوان المسلمين، وقال الأمن المصري إن قيادات الجماعة مسؤولة عن تمويل الخلية ماديا.

ويعتقد متابعون أن خطوة الحزب هي محاولة للاستفادة من الزخم السياسي الذي أحدثته فيديوهات، يبث أغلبها من الخارج، لشخصيات مصرية من مشارب مختلفة، وأراد الحزب أن يكون حاضرا وسط هذا التفاعل، تحسبا لأن يؤدي إلى روافد ملموسة في الشارع فيصبح قريبا منها أو مساهما فيها.

وجاء تحرك حزب تيار الكرامة كجزء من “الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة”، التي تضم ثمانية أحزاب، وعدد من الشخصيات العامة، في وقت فشلت جميع القوى في إيجاد أرضية جماهيرية تساعدها على أن تصبح عامل ضغط حقيقي على الحكومة.

وقال المتحدث باسم الحركة المدنية، مجدي عبدالحميد، إن الحركة دعت إلى اجتماع عاجل، الأحد المقبل، لمناقشة تداعيات بيان تيار الكرامة، الذي جاء منفرداً من دون تنسيق، وسيناقش الاجتماع جملة من الملفات المرتبطة بمواقف الحركة السياسية التي من الممكن اتخاذها للتعامل مع تزايد حالات القبض على عناصر تابعة لها.

وأضاف في تصريح لـ “العرب”، أنه لا توجد خطة واضحة من قبل الحركة المدنية للإقدام على الخطوة التي أقدم عليها تيار الكرامة، لكن الاجتماع المقبل سيتعرض لكيفية التعامل مع تضييق عمل الأحزاب بمرونة أكبر، والتمهل قبل تبني قرارات قد تكون متسرعة، والاكتفاء بالإشارة التي وجهها الحزب انتظاراً لرد فعل الحكومة التي لا تزال تعول عليها الحركة المدنية لإفساح المجال أمام عمل الأحزاب المؤمنة بالدولة المدنية والدستور.

وقبل أيام قليلة ألقت سلطات الأمن القبض على الناشط اليساري كمال خليل، وجرى حبسه 15 يوما بتهمة نشر أخبار كاذبة، في محاولة لمنع أي دور للنشطاء في الشارع الفترة المقبلة، عقب تنامي دعوات إلى الحراك الثوري.

وتتبنى تكتلات إلكترونية تابعة لجماعة الإخوان، الموصومة بالإرهاب في مصر ودول عربية أخرى، فكرة المطالبة بتكوين تجمع للمهنيين في مصر، على غرار تجربة السودان، حيث قاد التجمع المكون من نقابات مهنية عديدة الحراك الذي أدى إلى عزل الرئيس عمر حسن البشير.

وسدت الحكومة المصرية الكثير من الثغرات في هذا الباب مبكرا، وقلصت دور الأحزاب السياسية وسط النقابات المهنية التي تمكنت جماعة الإخوان من الهيمنة على مقاليدها في سنوات سابقة، وساهمت في الكثير من التفاعلات السياسية.

دعوات إلى الأحزاب المعارضة للتكتل بدلاً من التشرذم الحالي وإثبات القدرة على التعامل مع جملة من الأزمات الداخلية

ودعا رجل الأعمال والفنان المغمور محمد علي الذي بث فيديوهات عديدة على يوتيوب مؤخرا، المواطنين إلى التظاهر يوم الجمعة (اليوم)، احتجاجا على نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كمحاولة للتمهيد لتكرار مشهد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.

واندلعت ثورة شعبية بمصر في ذلك الوقت عزلت مبارك وفككت نظامه السياسي، واندلعت ثورة أخرى في 30 يونيو 2013 في مصر، أيدها الجيش، وعزلت الرئيس الإخواني محمد مرسي، وأطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وقوضت حضورهم السياسي، ونزعت تداعياتها مخالبهم المسلحة.

أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن سلامة، لـ”العرب”، أن الأحزاب المصرية تدعي المظلومية بشكل مستمر حتى في أوقات كان المجال مفتوحا أمامها، لأنها تعبر عن نفسها، وتبحث عن مبررات لعدم تواجدها بدلاً من أن تكرس جهودها للتماس مع الجمهور، ما يجعل الحديث عن الإصلاح السياسي وهما، طالما لم يكن نابعاً من الأحزاب ذاتها.

وأشار إلى أن الأحزاب المعارضة أمامها فرصة للتكتل بدلاً من التشرذم الحالي، وعلى قياداتها إثبات القدرة على التعامل مع جملة من الأزمات الداخلية، لكن تظل الرغبة في الظهور والاستئثار بالسلطة طاغية، ما يؤدي إلى المزيد من الغياب الذي يضر بالحالة السياسية في مصر.

2