"صوفيا" في مهرجان كان

من أول مشهد في هذا الفيلم المغربي البديع الذي لا يقلد غيره، ندخل مباشرة في قلب الموضوع، فابنة الطبقة الوسطى صوفيا، إما أنها تكتشف فجأة أنها حامل وكانت تنكر حملها، وإما أنها كانت تعرف وظلت تتستر على حالتها تريد أن تتجنب الفضيحة، خاصة أن والدها قد عقد لتوه صفقة مع أحمد، أحد رجال الأعمال، وبموجب هذه الصفقة ستخرج الأسرة من أزمتها المالية وتستعيد عافيتها وسط طبقتها.
وعندما تلاحظ ابنة خالتها، طالبة الطب لينا، إرهاقها وشحوب وجهها، تذهب بها إلى المستشفى، حيث تكتشف أن صوفيا على وشك أن تضع مولودها.
تستغل لينا معرفتها بالطبيب الشاب المكلف بنوبة العمل في المستشفى، وتتمكن من إقناعه بالتغاضي عن الأوراق المطلوبة من “الزوج” المفترض الذي لا وجود له لكي يقبل بإدخال صوفيا وتوليدها، لكن يتعين على صوفيا مغادرة المستشفى فورا بعد وضع مولودتها قبل أن يحضر رئيس القسم ويكتشف الوضع المخالف للقانون.
لينا تصر على ضرورة أن يتحمل “الأب” مسؤوليته، وتضغط على صوفيا لكي تعترف باسمه ومكانه، تقودها صوفيا إلى منزل عمر، في حي من أكثر أحياء المدينة فقرا، لكن عمر غير موجود، تستقبلهما شقيقته التي تنكر وجوده عندما تشم في الأجواء ما يدفعها للاسترابة.
لا مفر إذن من عودة صوفيا ولينا إلى منزل الأسرة، سيحدث الانفعال الأول بالطبع، وتنفجر بعض مشاعر الغضب والثورة، ثم ينتصر العقل العملي على قيمة الشرف المزعوم.
يستقر الأمر على ضرورة الضغط على عمر لكي يتزوج صوفيا وينتهي الأمر حتى لا تفسد الفضيحة علاقات الأسرة بمحيطها الاجتماعي، وخاصة بأسرة السيد أحمد رجل الأعمال.
سيحدث اللقاء بين الأسرتين اللتين تبدو الفروق الطبقية بينهما واضحة، لكن لا مفر من مواجهة الأمر الواقع والتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف. سيرتضي عمر بالطبع بالزواج من صوفيا بعد أن كان يصر على إنكار أي علاقة له بها، وأنه لم يرها سوى مرة واحدة ولم يحدث بينهما شيء، تحت إغراء إسناد وظيفة ملائمة إليه، وهو العاطل عن العمل، ومساعدته في التغلب على مشاكله المادية يرتضي بالزواج من صوفيا في حفل عرس كبير، ترتسم على وجه صوفيا ابتسامة عريضة أمام جميع المدعوين. غير أن المفاجأة التي ستأتي بعد ذلك، هي أن عمر ليس هو الشخص الذي حملت منه صوفيا، بل أحمد رجل الأعمال النذل الذي اغتصبها ذات ليلة عندما كان والداها بعيدين.
صوفيا تخبر لينا بالحقيقة ولينا تخبر والدي صوفيا، وبعد وقوع بعض الغليان والفوران كما هو متوقع، يستقر الرأي على ضرورة التستر على فعلة أحمد فهو الشريك الرأسمالي المنقذ للعائلة، والبورجوازية يمكنها أن تقبل إدارة وجهها بعيدا وابتلاع “الفضيحة”، والتغاضي عن جريمة “الاغتصاب” مقابل الحصول على الضمان والأمان المالي، من خلال المشروع الذي ستستعيد من خلاله قوتها ووضعها الاجتماعي.
هذا ما يرويه في بساطة وبلاغة أثيرتين، فيلم “صوفيا”، أول أفلام المخرجة المغربية الشابة مريم بن مبارك، وهي نفسها التي كتبت له السيناريو، ونجحت في الفوز بجائزة أفضل سيناريو في تظاهرة “نظرة ما” بمهرجان كان السينمائي.
الفيلم لا يكشف فقط المسألة الطبقية، بل يعرّي في هدوء وثقة ورصانة، تلك النظرة الاجتماعية المتخلفة إلى جسد المرأة، وإلى القوانين والتشريعات التي تجرم الحمل خارج الزواج، وتحكم على كل من الرجل والمرأة في هذه الحالة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وهو ما يقوله ضابط الشرطة لصوفيا بعدما يصل الأمر إلى الشرطة.
لكن بفضل فساد جهاز الشرطة وقابلية رجاله للرشوة، تقوم خالة صوفيا برشوة الضابط، فيتغاضى عن تصعيد الأمر من الناحية القانونية، ويكتفي بتهديد عمر حتى يرضخ ويقبل بالتكفير عن ذنب يعرف هو أنه لم يرتكبه، لقد وجد نفسه أمام تهديد العصا وإغراء الجزرة: عصا القانون، وجزرة الطبقة المتفوقة وضماناتها.